تتفاوت الإحصاءات المتعلقة بقتلى الثورة السورية من مصدر إلى آخر، لأن دمشق تمنع حتى الآن المراسلين والمراقبين الدوليين من مراقبة الأحداث المستمرة منذ تسعة أشهر ضد الأسد. ويقوم نقل الأخبار غالباً على شهود عيان يستعملون الهواتف الفضائية لإيصال ما لديهم إلى العالم.

الهواتف الفضائية .. أحد أسلحة ثوار سوريا لتوثيق تظاهراتهم وقتلاهم

دمشق: رغم بساطة الأساليب التي يلجأ إليها المواطنون السوريون المناهضون لنظام الرئيس بشار الأسد، إلا أن السلطات تنظر إليها باعتبارها أساليب خطرة، ينبغي مواجهتها بكل حزم. فذلك المواطن الذي يدعى علاء الدين اليوسف، يستعين بهاتف ينقل البيانات عبر الأقمار الصناعية، ليخبر إحدى الجماعات الناشطة، بأحدث الإحصاءات الخاصة بالقتلى والمصابين جرّاء ما يتعرضون له من هجمات على يد قوات الأمن.

وكان آخر اتصال أجراه ذلك الذي تم عقب الهجوم الذي شنته السلطات السورية بالدبابات ومضادات الطائرات والرشاشات على مجموعة من القرى الواقعة في منطقة جبل الزاوية شمال البلاد، حيث تحدث عن مقتل ما يقرب من 105 أشخاص في اليوم السابق.

لكن ما لم ينقله اليوسف في برقيته هو أن الجثث التي شاهدها بنفسه، وعددها 35، كانت في المسجد الموجود في قريته. وكان بعض من تلك الجثث ملقى فوق بعضه البعض، وجميعهم كانوا من معارفه.

وأوردت عنه في هذا السياق اليوم صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية، قوله :quot; كانوا أعز أصدقاء بالنسبة لي. وكنت أعرفهم جميعاًquot;.

وجاء هذا التصريح من جانب اليوسف في الوقت الذي حذرت فيه جماعات دولية الأسبوع الماضي من أن الانتفاضة السورية قد بلغت منعطفها الأكثر دموية، في الوقت الذي أشارت فيه جماعات مراقبة إلى أن معدل وفيات هذا الأسبوع قد قُدّر بعدد يتراوح ما بين 290 إلى 400.

ثم نوهت ستريت جورنال من جهتها بأن مثل هذه المعدلات تتفاوت لأن سوريا تمنع بشكل كبير حتى الآن المراسلين والمراقبين الدوليين من مراقبة تلك الانتفاضة المستمرة منذ تسعة أشهر ضد الأسد.

وأعقبت الصحيفة الأميركية حديثها في السياق ذاته بالقول إن نقل الأخبار يتم غالباً عبر تلك الطريقة، عبر شهود عيان من أمثال اليوسف، وتكون معلوماتهم في كافة الاحتمالات غير دقيقة لكنها تكون خطيرة بشكل لا يمكن إنكاره.

وقال اليوسف أيضاً في سلسلة أخرى من المقابلات التي كانت تتم معه من أماكن داخل سوريا لم يكشف عنها:quot; عندما تقدم أسماء الأشخاص الذين قُتِلوا، فذلك هو الشيء الأكثر أهمية لأن وسائل الإعلام السورية تكذب. حيث تقول إن أحداً لم يُقتَل في الأماكن التي تتواجد فيهاquot;.

هذا ولا يدعي اليوسف أنه محايد، ويقوم بتنظيم تظاهرات مناهضة للحكومة في مدن حول إدلب في شمال البلاد، ويحث الأطفال في بعض الأحيان أثناء خروجهم من المدرسة للالتحاق بالتظاهرات.

وأوضح أن اثنين من أشقائه السبعة يقاتلون مع القوام الرئيس للجنود المنشقين، جيش سوريا الحر.

وأضاف أنه ومع أبوته لثلاثبنات صغار، فقد قضى جزءًا كبيراً من فصل الصيف مختبئاً في بساتين الزيتون. وتحدث عن إفلاته مرتين من القتل.

وتابع quot; تحملت المخاطر، لكي تبقى الانتفاضة مطروحة على الأجندة الدولية. نعلم أن أسلحتنا لا يمكنها أن تمنحنا الأمان لمسافة قدرها متر واحد. لكننا نأمل أن تقدم لنا تركيا ومعها الغرب يد العون والمساعدةquot;.

من جهتها، قالت رافينا شامداساني، ناطقة باسم مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، إنهم لا يشكون في التقديرات التي خلصوا إليها في ما يتعلق بأعداد القتلى الذين راحوا ضحية تلك الانتفاضة، لكنها اعترفت بأنه قد تبين صعوبة توثيق العنف الذي تشهده البلاد.

وأكدت شامداساني أيضاً أن الأمم المتحدة تحتفظ بأعضائها، وأنها لن تضيف أشخاصاً مفقودين أو مجهولي الهوية.

وتابعت quot; علينا أن نعتمد على بيانات نتحصل عليها من أناس على أرض الواقع. فليس بوسعنا الدخول وإحصاء الجثثquot;. بينما أشارت منظمات أو جماعات أخرى إلى أن لديها معلومات تبين أن أعداد القتلى تفوق تلك الأعداد التي تحدثت عنها الأمم المتحدة، فقالت منظمة Avaaz إنها سجلت حالات وفاة في سوريا يقدر عددها بـ6237 في الفترة ما بين 15 آذار/ مارس ndash; وهو اليوم الأول للتظاهرات التي جرى تنظيمها ndash; ويوم التاسع من الشهر الجاري.

وأوضحت تلك المنظمة أنها وثَّقت كل حالة وفاة باستخدام تقرير طبي وفرد من أفراد الأسرة وزعيم أحد المساجد، وهي العملية الصعبة التي احتاجت منها بذل مجهود كبير، بالنظر إلى تخوف السوريين من الإدلاء بمعلومات وما يصفونها بالمماطلة الحكومية.

ومضت الصحيفة تقول إن الدور الذي يلعبه ناشطون من أمثال يوسف يعد واحداً من الأسباب التي دفعت الحكومة السورية للتحذير من أن امتلاك هاتف ينقل البيانات عبر الأقمار الصناعية يعتبر جريمة.

وأوضحت الصحيفة أن اليوسف، على سبيل المثال، يستخدم هاتفا يعمل على شبكة الثريا من تركيا، وأنه لا يعلم من الذي أتاه به.

وأشار في الإطار نفسه إلى أن القوات الحكومية اقتحمت منزله أربع مرات للبحث عنه، ليدمروا ما كان بوسعهم أن يدمروه، ويرسموا كتابات حمراء اللون على الجدران.

ولفتت الصحيفة كذلك إلى أن اليوسف ndash; المعروف محلياً بـ علاء ndash; يجوب في إدلب وبصحبته هاتفه الفضائي ويقوم بتسجيل جثث الموتى، ثم يرفع المواد التي قام بتصويرها على الإنترنت وعلى غرف الدردشة الموجودة على خدمة سكاي بي.

وتابع اليوسف حديثه بالقول :quot; تصلني كثير من المعلومات الخاطئة، خاصة أثناء قيامي بتغطية هجوم ما. وأقضي وقتاً طويلاً في محاولة التأكد من الوفيات والهوياتquot;.