علي العوجلي دبلوماسي ليبي انشق عن نظام القذافي، لاستعمال هذا الأخير وسائل عنف ضد المواطنين، وهو يعلن اليوم أن بإمكانه الموت سعيداً بعد رحيل الدكتاتور الليبي.


لندن: يقود ليبيا في مرحلة التحضير لأول انتخابات حرة، خليط من المغتربين الذين عادوا لمساعدة شعبهم، ورجال الأعمال الذين اوقفوا اعمالهم للوقوف بجانب مواطنيهم وشخصيات دينية تريد ان يكون للاسلام دور منفتح ومتميز في ليبيا الجديدة. وفي طرابلس تضم الحكومة الانتقالية صاحب شركة لانتاج الشراشف والمدير السابق لوكالة شركة مرسيدس في العاصمة.

ولكن ممثل ليبيا الجديدة في واشنطن، هو الدبلوماسي نفسه الذي عمل سفير نظام العقيد معمر القذافي منذ عام 2005. فـquot;علي عوجليquot; (61 عاما) دبلوماسي مهني لم يعش في ليبيا منذ عام 1976. انضم الى السلك الدبلوماسي قبل تسعة اشهر على انقلاب القذافي الذي اطاح بنظام الملك ادريس السنوسي عام 1969.

وسبب بقاء عوجلي في مقر السفارة الفاخر الذي يطل على نهر بوتوماك في واشنطن هو انشقاقه عن النظام الذي كان يمثله بعد خمسة ايام من نزول الليبيين الى الشوارع في شباط/فبراير الماضي مطالبين باسقاط النظام. وظهر عوجلي امام وسائل الاعلام ليعلن انه لم يعد في خدمة نظام يستخدم القوة الغاشمة ضد مواطنين يعبرون عن آرائهم بطريقة سلمية. ورحب الليبيون باعلانه رغم انه قبل 10 أيام على اندلاع الاحتجاجات اكد في حديث لمجلة quot;ذي واشنطن دبلوماتquot; الشهرية ان الليبيين لن يثوروا على القذافي.

ويضحك عوجلي الآن على تلك الكلمات مثلما يضحك على جميع النكات التي تسخر من القذافي ونظامه. إذ ولت تلك الأيام التي كان على الدبلوماسي الليبي ان يبدو جهما إزاء كل شيء. ولكن عوجلي قال في مقابلة مع صحيفة واشنطن بوست إنه كان صادقا مع نفسه حين قال ما قاله. واضاف انه quot;في 16 شباط/فبراير كنتُ لم أزل مؤمنا بذلك لأنه كلما انتفض احد ضد القذافي في الماضي كان يُعامل بلا رحمة. إذ كان القذافي يشنق الناس في الشوارع. كان يسحقهمquot;.

وتابع عوجلي انه في قرارة نفسه كان يعتقد ان القذافي quot;شخص غريبquot;، كما ابلغ quot;الديلي شوquot; في آذار/ مارس الماضي. والآن يرى عوجلي ان القذافي quot;ذكي جدا، وحاذق جدا ـ لكنه رجل بلا مبادئquot;.

والمعروف عن الدبلوماسيين من أي بلد تباهيهم في المجالس الخاصة بأنهم اوسع اطلاعا من مسؤوليهم في الداخل. ولكن طبيعة الدبلوماسية تملي على الدبلوماسي ان يمثل من يخدمهم. وفرضت هذه الحقيقة على الدبلوماسيين الليبيين ان يتخذوا مواقف متطرفة ولا معقولة لدعم زعيمهم غريب الأطوار ومتقلب الأمزجة.
وقال عوجلي في حديثه لصحيفة quot;واشنطن بوستquot; انه كان يقاوم ذلك، كما حدث في العام الماضي حين رفض السفير ان يقدم الى وزارة الخارجية الاميركية quot;رسالة من القذافي كانت بلا منطق، وبلا أساس، وبلا دبلوماسيةquot;، على حد وصفه.
وكتُبت الرسالة احتجاجا على نشر برقيات دبلوماسية على موقع ويكيليكس قال فيها مسؤولون اميركيون ان القذافي شخص quot;متقلب وغريب الأطوارquot;. وهددت الرسالة بمقاضاة أي اميركي يهين الزعيم.

وارسل عوجلي اعتراضاته الى طرابلس ولكنه لم يتلق ردا. فوضع الرسالة في درجه ولم يسلمها. وبعد 10 ايام ابلغه موظفوه الذين كان بينهم مؤيدون متحمسون للقذافي ان عليه ان يسلم الرسالة. وقال احد الموظفين quot;انها رسالة من القذافي نفسهquot;.

لم يحرك السفير ساكنا. وفي النهاية تلقى اتصالا هاتفيا من سكرتير القذافي الخاص يسأل فيها quot;هل سلمتَ الرسالة؟quot; أجاب عوجلي بالنفي وكان الرد من الجانب الآخر quot;لا تسلمها!quot;

ولكن مثل هذه الانتصارات الصغيرة كانت نادرة لأسباب منها ان القذافي عبأ سفاراته بأشخاص من قبيلته وحلفاء آخرين بصرف النظر عن الخبرة والمؤهلات.
وقال عوجلي لصحيفة واشنطن بوست quot;كنا على حين غرة نرى معلما يُعيَّن نائب رئيس بعثة دبلوماسية بلا أي خلفية سوى انه سيفعل أي شيء للقذافيquot;. ومن بين 16 دبلوماسيا في السفارة الليبية في واشنطن قبل الثورة كان 10 منهم موالين للقذافي اعادهم عوجلي الى ليبيا فور اندلاع الانتفاضة.

وكشف عوجلي انه كان دائم البحث عن طرق يلتف بها على موظفيه كما حدث قبل عامين عندما ارسلت طرابلس 200 الف نسخة من الكتاب الأخضر باللغة الانكليزية لتقوم السفارة بتوزيعها على الاميركيين المتعطشين الى فلسفة القذافي لينهلوا منها حتى الارتواء، كما كان يتوهم الدكتاتور.

وطلب موظفون لدى عوجلي ان يعمل بنشاط لتسويق الكتاب على القراء الاميركيين. وكان السفير يريد ان يدفن الكتب وقال انه واجه مشكلة في البحث عن مكان يركنها فيها. وملأت الكتب لبعض الوقت حيزا كبيرا من مكاتب السفارة حيث تكدست اكواما تصل الى السقف في بعض الغرف.

وتوجد الكتب الآن في مستودع حيث يقول عوجلي quot;اننا نريد ان نعثر على شركة تمزيق تأخذها، أو قد نعيد تدويرها لطبع دستورنا الديمقراطي الجديدquot;. ولكن السفارة قامت بتوزيع نسخ من الكتاب الأخضر مع ذلك، عددها 10 نسخ توخيا للدقة.

وفي حين ان الدستور الليبي الجديد لم يُكتب، فإن عوجلي واثق من مستقبل ليبيا الديمقراطي. ورغم اندلاع نزاعات قبلية واعمال عنف من جانب اسلاميين اصوليين، فان عوجلي يتوقع ان يعود الى مجتمع تعددي حتى إذا فاز اسلاميون معتدلون في الانتخابات الاولى. وقال quot;ان الشعب لن يقبل دكتاتورية أخرى، علمانية كانت أو دينيةquot;.
وأضاف ان القذافي كان دائما يتخذ موقفا متشنجا من الاسلام quot;ولكن اسلام ليبيا وتونس يختلف تماما عن الاسلام في بلدان أخرى. وقد ترى تأييدا يتمتع به حزب اسلامي ولكن هذا يعود الى ان الناس فقدت الثقة بالانظمة العلمانية التي جلبت لهم الدكتاتورية من دون حرية تعبير. الناس تريد طريقا مختلفا ولكننا لسنا متعصبين ولن نكون ابدا مثل ايران أو افغانستانquot;.

ولا يتوقع عوجلي ان يبقى سفيرا لفترة طويلة. وبعد سقوط القذافي فانه يعتبر ان عمل حياته أُنجز. وقال في حديثه لصحيفة واشنطن بوست quot;كنتُ دائما اقول لعائلتي، قبل ان أموت أريد ان ارى رحيل هذا الرجل وأسرته. والآن لا يهمني أي شيء آخر. يمكن ان أن اموت غدا وسأكون سعيداquot;.