أندريه إيلاريونوف مع بوتين أيام كان أحد كبار مستشاريه

ربما ظنّ فلاديمير بوتين أن التلاعب بنتائج انتخابات الشهر الماضي مجرد تجربة للرئاسة بعد 3 أشهر. لكن المظاهرات التي اجتاحت روسيا تتحول بسرعة إلى laquo;ثورةraquo; عليه... وهذه المرة بمشاركة فعّالة من الطبقات البرجوازية المهمة. على أن مستشارًا سابقًا له يحذّر من رد فعل laquo;الجبار المنتقمraquo;.


لندن:منذ إعلان نتائج الانتخابات التشريعية، التي منحت الشهر الماضي، حزب laquo;روسيا المتحدةraquo; بزعامة فلاديمير بوتين غالبية مقاعد البرلمان، ارتفعت الأصوات عالية تندد بتزوير حكومي واسع النطاق. وحتى laquo;الشيخ الرزينraquo; ميخائيل غورباتشوف خرج عن صمته الطويل في ما يتصل بالشؤون السياسية الداخلية، وطالب الكرملين بإعادة إجرائها، وعاد مجددًا ليعلن صراحة، وفي خطوة غير مسبوقة، أن أسلوب بوتين في القيادة laquo;مدعاة للخجلraquo;.

متظاهرو الكوندوم

على أن بوتين نفسه لم يعر أصحاب تلك الأصوات حتى مجرد التفاتة. وحتى عندما خرج آلاف المتظاهرين إلى شوارع المدن الروسية في الرابع من الشهر الحالي يطالبون بالعدالة الانتخابية، لم يتجاوز رد فعله ازدراءهم، ووصفهم بأنهم laquo;مأجورون من قبل قوى أجنبيةraquo;، وأن الشرائط التي كانوا يرتدونها laquo;أشبه ما تكون بالعازلات الطبية (الكوندوم)raquo;.

ولو أن رئيس الوزراء كان يأمل في أن تذهب تلك الأصوات أدراج الرياح، فقد خاب ظنه. ذلك أن عدد الذين تظاهروا في موسكو وحدها السبت الماضي قُدّر بما بين 80 إلى 100 ألف شخص، رفعوا شعار laquo;روسيا ستصبح حرةraquo;، وتعمّد قسم منهم حمل عازلات طبية منفوخة كالبالونات.هذا التجمع لم تشهد العاصمة الروسية مثيلاً له منذ 20 عامًا عندما غابت شمس الامبراطورية السوفياتية.

البرجوازية ضد الدولة الإقطاعية

مجلة laquo;ايكونوميستraquo; البريطانية تابعت الأحداث، ونقلت عن متظاهر مالك مزرعة من إقليم كالوغا، غرب روسيا، يدعى سيرغي شاشكو (53 عامًا) قوله: laquo;هذه ثورة البرجوازية على الدولة الإقطاعية. يفتقر الناس اليوم المال في جيوبهم، ولذا فهم يتطلعون إلى وضع مختلف تمامًا عن هذا. قرروا أنهم أخذوا الكفاية من محاولاتهم التماس العون في مكاتب البيرقراطيين فقط، ليتم تجاهلهم في أفضل الأحوال أو يُطرودون منها ركلاً بالأحذية في الأسوأraquo;.

ووفقاً لرومان دوبروخوتوف (28 عامًا)، وهو صاحب مدونة إلكترونية شخصية متخصصة في انتقاد الكرملين، فإن احتجاجات اليوم تكتسب أهمية خاصة. وتنبع هذه الأهمية من إعلان بوتين في سبتمبر/أيلول الماضي نيته العودة إلى سدة الرئاسة في انتخابات مارس/آذار المقبل laquo;بعدما أزاح له الدمية ديمتري مدفيديف، بولايته المصطنعة، العائق الدستوري أمام تحقيق امنيتهquot;.

ولا شك في أنه اعتبر الانتخابات التشريعية بروفة للرئاسية التي ستحمله إلى كرسي الرئاسة.

المتظاهرون حملوا عازلات طبيّة منفوخة رداً على استهزاء بوتين بهم

ويمضي قائلاً إن الاحتجاجات، التي تشهدها البلاد الآن، ليست على غرار التقليدية، التي شهدتها منذ سقوط الاتحاد السوفياتي. فهي لا تأتي فقط من المثقفين الشيوعيين والعمّال وأرباب المعاشات والباكين على الماضي المفقود وغيرهم من القطاعات المغلوبة على أمرها.

laquo;هذه حركة قوامها الأكبر أناس في ثلاثيناتهم وأربعيناتهم ممن يتمتعون بالسيارة الجديدة والملبس الأنيق والهاتف الذكي... أي laquo;البرجوازيونraquo; بكلمة واحدة. وهؤلاء يعلمون أن بوسعهم اختيار أي موديل يشترون، لكنهم يفتقرون أي كلمة عندما يتعلق الأمر بنوع القادة السياسيين في أروقة الدوما (البرلمان) والكرملينraquo;.

سيناريو laquo;يوم الحشرraquo;

لكن المراقبين السياسيين في موسكو يتوجّسون خيفة حقيقة وعميقة من نوع الانتقام، الذي يمكن أن يأتي به بوتين ردًا على تجاسر المتظاهرين على طموحاته السياسية وبرنامج عودته إلى الرئاسة.

ونقلت laquo;ديلي ميلraquo; البريطانية عن أندريه إيلاريونوف، وهو أحد كبار مساعدي رئيس الوزراء السابقين، تحذيره من أنه سيتخذ في بدايات العام الجديد إجراءات قمعية واسعة النطاق تشمل - على سبيل المثال فقط - فرض حالة الطوارئ من أجل تشبثه بالسلطة.

في سيناريو شبّهه المساعد السابق بـlaquo;يوم الحشرraquo;، قال إن بوتين لن يتورّع عن اغتيال زعماء المعارضة و/أو تدبير هجمات تحريبية، يُلقى فيها باللائمة على laquo;إرهابيينraquo;، وتصبح ذريعة لتكميم الأفواه، بما فيها وسائل الإعلام والصحافة الحرة، وحظر التجمعات، وربما إلغاء انتخابات مارس الرئاسية نفسها.

لا يستبعد إيلاريونوف حتى جرّ روسيا إلى صراع خارجي مسلح (في دولة مغضوب عليها مثل جورجيا، أو إقليم متمرد كالشيشان) من أجل صرف الانتباه العام عن المواجع الداخلية والتلاعب بالعملية الديمقراطية. وبالطبع فإن صراعًا كهذا سيصبح هو أيضًا ذريعة لحظر التجمعات، وبالتالي كبت المظاهرات المعادية لحاكم روسيا الفعلي.

يكتسب هذا السيناريو صدقيته من أنه لا يأتي من جهة لم تعرف بمعارضتها لبوتين، وإنما من شخصية معروفة دوليًا، هي إيلاريونوف، الذي كان أحد كبار مستشاريه الاقتصاديين في ولايته الرئاسية الأولى. وبالتالي فهو يعرف طريقة تفكيره ونوع الوسائل التي سيمكن أن يلجأ إليها في وقت الشدة.