أعادت إسرائيل قراءة حماس، انطلاقاً من التفاهمات التي توصلت إليها الحركة مع نظيرتها الفتحاوية، وفي حين رأت التقديرات الإسرائيلية أن حماس باتت أكثر خطراً من الماضي، شككت تل أبيب في نوايا حماس حيال التهدئة، مشيرة إلى أن مشعل قد يستغل الربيع العربي لتعديل استراتيجية حركته.

إسرائيل تتوقع تغيرات استراتيجية في خطّ حماس السياسي

القاهرة: تزامناً مع اقتراب ذكرى عملية (الرصاص المصبوب) التي شنت خلالها إسرائيل هجوماً عنيفاً على قطاع غزة نهاية 2008، أعادت إسرائيل قراءة أوراق حماس الإستراتيجية والعسكرية، وربطت بين ما يجري على الساحة السياسية والشعبية في المنطقة، وبين احتمالات أن تحذو الحركة الحمساوية حذو الشعوب التي انقلبت على أنظمتها وأطاحت بها.

وكانت صحيفة هاآرتس العبرية في طليعة وسائل الإعلام العبرية التي ساهمت بنصيب في هذا الصدد، إذ أشارت في مستهل تقرير نشره ملحقها الأسبوعي، إلى أن حماس ما زالت الفصيل الذي يشكل تهديداً على أمن الدولة العبرية، وان حماس التي كانت تجابهها إسرائيل في السابق، ليست الحركة ذاتها التي من الممكن أن تواجه إسرائيل حالياً باستراتيجيات غير تقليدية.

وبحسب تحليله لمضمون هذه الرؤية، قال الصحافي الإسرائيلي (آفي يششكروف) انه على الرغم مما وصفه بهزيمة حماس في عملية (الرصاص المصبوب)، إلا أن الحركة لا تزال عدو إسرائيل اللدود، وذلك انطلاقاً من مفاهيم مختلفة خاصة المفهوم العسكري، إذ إن حماس أصبحت تشكل على إسرائيل خطراً أكثر من خطورتها في كانون الأول/ ديسمبر 2008، وربما يحول ذلك دون المقارنة بين الحركة في هذا التوقيت وبين ما أصبحت عليه في الوقت الراهن، على الرغم من ذلك امتنعت حماس عن إطلاق القذائف الصاروخية ضد إسرائيل، وقامت باعتقال نشطاء في الحركات الأخرى التي رفضت الانصياع لسياستها الجديدة، الأمر الذي ترك علامة استفهام كبيرة حول إمكانية تعديل الاستراتيجيات العسكرية القديمة التي كانت تتبناها حماس، وانفتاحها على سياسات أكثر ذكاءً منذ بداية ما يعرف بربيع الشعوب العربية.

مسار للتعاون المشترك بين فتح وحماس

وربما يؤكد هذا التحول بحسب صحيفة يديعوت احرونوت العبرية، التصريحات التي أدلى بها رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل نهاية الأسبوع الماضي، عندما أكد أن حركته ستركز جهودها في إطار المقاومة الشعبية، وتنظيم العديد من التظاهرات، مشيراً إلى أن حماس وفتح اتفقتا على مسار للتعاون المشترك في ما بينهما حيال هذا التوجه، كما اتفقت الحركتان - على حد قول مشعل ndash; على العمل من اجل إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس ضمن حدود 1967، وقد أدلى مشعل بهذه التصريحات في أعقاب جولة من المباحثات، أجراها في القاهرة مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس.

وعلى غير العادة بحسب الصحيفة العبرية، لم يحاول مشعل التعتيم على التفاهمات التي توصل إليها مع عباس، فعلى العكس من ذلك حرص على إضفاء العلنية عليها خلال حديثه مع وسائل الإعلام العربية والأجنبية في القاهرة، الأمر الذي أثار دهشة قادة فتح، خاصة عندما أعلن مشعل انه اتفق مع عباس قبل ذلك على إطلاق المقاومة الشعبية من القطاع والضفة مقابل وقف إطلاق النار على إسرائيل من غزة، ووفقاً لصحيفة هاآرتس أصدر مشعل تعليماته في أعقاب هذا الاجتماع للجناح العسكري لحركته (عز الدين القسام) بوقف إطلاق النار على إسرائيل.

ووفقاً للصحيفة العبرية، انطوى بيان تعديل إستراتيجية المقاومة الحمساوية على ردود أفعال غاضبة لدى الجناح السياسي للحركة في غزة، إذ يعتبر هؤلاء الفصيل البراغماتي داخل حماس، ويدور الحديث بحسب الصحيفة حول رئيس الوزراء إسماعيل هنية، ووزير الداخلية فتحي حماد، ومحمود الزهار وآخرين.

وبحسب تقرير نشرته صحيفة معاريف العبرية، فإن التحول في الصراع الحمساوي بين القوى الجديدة والقديمة في الداخل والخارج، يعود إلى تحول دراماتيكي آخر اعترى الحركة خلال الأشهر القليلة الماضية، إذ فقدت قيادة حماس في دمشق وطهران الغطاء، في ظل الأزمة التي يعيشها النظامان الإيراني والسوري، حيث بات وضع الحركة السياسي في الخارج ضعيفاً، مقارنة بوضع قادة الحركة في قطاع غزة.

وفقدت الحركة بشكل عام الدعم المادي والعسكري واللوجستي خلال أيام معدودة، إلا أن خالد مشعل ظل الكاريزما التي تلعب دوراً محورياً في الحركة، ولعل ذلك هو ما جعله يعلن صراحة أن قرار التحول إلى المقاومة الشعبية صدر في أعقاب مباحثات مع أقطاب الحركة في غزة.

وحول الانتقادات الموجهة لمشعل، نقلت معاريف عن دوائر مقربة منه قولها: quot;إن هنية يخشى ما يخشاه من فقدان منصبه كرئيس للحكومة، غير أن هذه المخاوف ستزول سريعاً إذا أبلغه مشعل بأنه لا يعتزم طرح شخصية جديدة لخلافته خلال الانتخابات المقررة في شهر أيار/ مايو المقبلquot;.

استراتيجية ملبدة بالغيوم

وعودة لصحيفة هاآرتس التي أبدت ارتباكا أمام تقدير استراتيجية حماس الجديدة، واعتبرتها ملبدة بالغيوم، وقالت: quot;ليس من الواضح ما إذا كانت تلك الخطوة تكتيكاً أو استراتيجية، فالاستعداد التاريخي لتعديل هوية الصراع، إلى جانب موافقة حماس على الانضمام إلى منظمة التحرير الفلسطينية (وبقدر كبير الموافقة على الاتفاقات المبرمة مع إسرائيل) لا تعكس بالضرورة تحولاً استراتيجياً حيال الأهدافquot;.

ومضت هاآرتس في توقعاتها مشيرة إلى انه من المحتمل أن يكون مشعل ورجاله يتفهمون أن الوقت الراهن وما ينطوي عليه من ملابسات جديدة، يتطلب التخلي موقتاً عن استراتيجية العمليات المسلحة ضد إسرائيل، في مقابل مسارات أكثر فائدة لتحقيق الأهداف، على الرغم من ذلك يؤكد رئيس المكتب السياسي: quot;ان الحركة لن تتوقف إلى الأبد عن نضالها المسلح ضد إسرائيلquot;، ولذلك أعلن أن حماس لا تعتزم التخلي عن سلاحها، في حين نقلت الصحيفة العبرية عن القيادي الفتحاوي جبريل الرجوب الذي شارك في مباحثات القاهرة تقديره: quot;اعتقد ان حماس غيرت استراتيجيتها، وبت على قناعة بان الحركة تبنت خطاً براغماتياً، ووافقت على الهدنة في قطاع غزة والضفة الغربية، وانه على رئيس الوزراء الإسرائيلي أن يعترف بالحقائق وان يفكر مجدداً في مواقفه حيال وحدة الصف الفلسطينيquot;.

إلى ذلك أفادت معطيات استطلاع للرأي أجراه معهد خليل شقاقي (PSR) بالتعاون مع الجامعة العبرية في القدس، ارتفاع نسبة التأييد لدى الفلسطينيين والإسرائيليين نحو حل إقامة دولتين إحداهما فلسطينية والأخرى إسرائيلية، ومن الجانب الإسرائيلي وافق 58% من المستطلعة آراؤهم في مقابل موافقة 50% من الفلسطينيين، وعلى الرغم من تظاهرات تأييد الوحدة الفلسطينية التي شهدتها القاهرة مؤخراً في مكان غير بعيد من فندق (سيتي ستار) الذي شهد المباحثات بين مشعل وعباس، إلا أن المستطلعة آراؤهم شككوا في احتمالات إجراء الانتخابات الفلسطينية المرتقبة في أيار/ مايو المقبل، خاصة أن الفلسطينيين يصرون على إجرائها في القدس الشرقية، الأمر الذي ترفضه إسرائيل جملة وتفصيلاً، ويميل إلى هذا التقدير 53% من الإسرائيليين في مقابل 61% من الفلسطينيين، بحسب نتائج استطلاع الرأي.