بعد ثلاثة سنوات من إقصائه عن المنصب التنفيذي الأول في الأردن، على وقع إتهامات لحكومته بتزوير إرادة الإردنيين في إنتخابات برلمانية، قضى الرجل الذي انسحب الى الظل مذاك، أوقاتا طويلة وهو يراجع التجربة، وقد كان مفاجئا له ولخصومه تكليفه مجددا قيادة حكومة أردنية تكدست أمامها إختبارات وإستحقاقات قاسية للغاية.


ينتظر أن يعلن رئيس الوزراء الأردني المكلف الجنرال معروف البخيت في موعد أقصاه يوم الأحد المقبل قائمة تضم إسم 28 وزيرا سيشغلون الحقائب الوزارية في الحكومة الجديدة، خلفا لحكومة سمير الرفاعي المستقيلة، إذ يترافق هذا الإعلان مع إجراءات دستورية أهمها مصادقة العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني على ترشيحات الجنرال البخيت لأعضاء طاقمه الحكومي، إضافة الى أداء الرئيس المكلف ووزرائه اليمين الدستورية أمام العاهل الأردني في قاعة العرش في القصر الملكي، على أن يسبق أداء اليمين، رسالة جوابية من الرئيس البخيت الى الملك يعلمه فيها إستعداد حكومته النهوض بأعباء كتاب التكليف.

والرئيس الجديد للوزارة الأردنية قيد التشكيل، سبق له في الأسابيع الأخيرة من العام 2005 بعد أن ألّف وزارته الأولى، آتيا الى هذا الموقع من أداء رشيق أداه في موقعين متتاليين قرب الملك إذ شغل منصب مدير المكتب الخاص للملك، إضافة الى شغله لاحقا منصب رئيس وكالة الأمن الوطني، وهو موقع على مقربة من الملك، كان مخططا له أن يكون مثابة عقل مركزي للدولة الأردنية، وناظم للحلقات الأمنية في البلاد، إلا أنه لم يعمر طويلا، ولفظ أنفاسه مع تكليف الجنرال البخيت تأليف الوزارة الجديدة خلفا لوزارة الدكتور عدنان بدران، لكن الجنرال الذي أدى مهامه الوظيفية سياسيا وأمنيا وعسكريا ودبلوماسيا بزخم سلط الأضواء عليه، انقلب حاله وهو يرأس السلطة التنفيذية، وغطى على سوء أدائه النشاط السياسي والأمني الذي أداه كلا من الرئيس السابق للديوان الملكي باسم عوض الله والمدير الأسبق للإستخبارات الأردنية محمد الذهبي.

الأداء البطيئ

يقول سياسي أردني ndash; طلب عدم ذكر إسمه- عمل بالقرب من الجنرال البخيت في عهد وزارته الأولى التي غادرت المشهد السياسي في شهر تشرين الثاني- نوفمبر 2007 إن الجنرال البخيت يؤخذ عليه بشدة نهجه البطيئ جدا في إتخاذ القرار، ومعالجة الأزمات، وهو أمر كان يفاجئ القصر الملكي الأردني بشدة، إذ أن التوجيهات العليا كان يتعاطى معها الجنرال البخيت بتريث كبير، ربما نظرا لطبيعة شخصيته الميالة في سائر الوظائف التي تقلدها الى التأني والتفكير الإستراتيجي المعمق، وصولا الى القرار السليم، وهو نهج يصطدم مع النهج السريع لإيقاع السياسة الأردنية في العهد الجديد الذي بدأ في شباط- فبراير 1999 حين اعتلى الملك عبدالله سلطاته الدستورية خلفا لوالده الملك الراحل حسين بن طلال الذي توفي في اليوم ذاته.

ويتابع السياسي الأردني: أمام وزارة البخيت الأولى تراكمت الأزمات الداخلية على نحو غير مسبوق، على وقع شكوك بأن جهات في الداخل تعمدت وضع أكياس رمل أمام حكومة البخيت البطيئة، والمترددة أساسا، فمشاكل صغيرة مثل تلوث بعض محطات مياه الشرب، وكذلك إثبات تسمم مواد غذائية في بعض المطاعم، تضخمت فجأة وأصبحت مدعاة لأن تطالب نخب أردنية بإقالة حكومة البخيت، وسط مهل ملكية وحقن لإطالة عمرها، للإشراف على الإنتخابات، لكن الملك في النهاية قرر إستبداله، و أبقاه كمستشار في الكواليس، إذ أدى مرارا عملية النصح في الشأن الداخلي للملك في مسائل محددة، لينسحب بعدها الى الظل، متأملا تجربته الأولى على رأس السلطة التنفيذية.

الموازنة والكازينو

وقبل أن يعلن الجنرال البخيت رسميا تشكيله الحكومي فإنه قد تعرض لوابل من النقد الشديد، والتشكيك بقدراته، بلغت حد مطالبة 50 شخصية أردنية له بالتنحي والإعتذار عن التكليف الملكي، إلا أن الرئيس المكلف يركز ذهنه بإتجاه إستحقاقين مهمين يتعين عليه الشروع بالمعالجة الفورية لهما، أهمها إقناع البرلمان بالتصويت لصالح موازنة لم تعدها حكومته، وهي موازنة بلغ عجزها المعترف به رسميا نحو مليار ونصف المليار دولار، دون حساب كلف إضافية لتنازلات أقدمت عليها الحكومة المستقيلة، لكن قبل ذلك يتعين عليه أن يقنع البرلمان بأن لا يد له في فضيحة تفجرت بعد رحيل حكومته الأولى، وعنوانها العريض إجازة حكومته لمستثمر فلسطيني إقامة أول (كازينو) في الأردن، خلافا لتجريم هذا الأمر أردنيا.

ومع الساعات الأولى لتكليف البخيت فقد أعاد خصومه نبش قضية (الكازينو) رغم تطوع ثلاث حكومات جاءت بعد حكومته للتأكيد بأن إجراءات تصويب وإلغاء هذه الإتفاقية لم تكلف الخزينة الأردنية أموالا حررت كشرط جزائي في العقد الذي أبرمته وزارة البخيت مع خالد سلام المستشار المالي لرئيس السلطة الوطنية الفلسطينية ياسر عرفات، بيد أن تقارير إعلامية قالت إن سلام قبل بتسوية بعيدا عن القضاء منح بموجبها مساحة واسعة من الأراضي الأردنية مصنفة سياحيا وإستثماريا.

وإضافة الى الإستحقاقات التي قد يواجهها البخيت فإن البرلمان الأردني الذي إنتخب قبل نحو شهرين، ومنح الحكومة المستقيلة 93% من أصوات أعضائه في موقف صادم للشارع الأردني، يخطط لأن يوغل بالخصومة مع حكومة الجنرال، لإستعادة هيبته، وللإبتعاد عن نذر حله، التي يقال إنها تراكمت في فضاء المشاورات التي أجراها لتأليف وزارته، الأمر الذي يعني أن الجنرال البخيت سيواجه عواصف برلمانية، ومساع لإستعراض الشعبية من قبل بعض النواب، خصوصا وأن التوقعات قد بدأت بالتكدس ومفادها أن حكومة البخيت الثانية لن تعمر على وقع الصدامات مع البرلمان.

من هو البخيت؟

ولد البخيت في ماحص إحدى القرى التي تتوسط العاصمة ومحافظة البلقاء، وسكن عمان، والتحق بالقوات المسلحة الأردنية في 1964. خلال عمله في القوات المسلحة حصل على شهادة البكالوريوس في الإدارة العامة والعلوم السياسية من (الجامعة الأردنية). ومن ثم تابع دراسته فحصل على ماجستير بالإدارة العامة من جامعة جنوب كاليفورنيا، والدكتوراه من (كبنغر كوليج) التابعة لجامعة لندن. ينتمي معروف البخيت إلى فخذ (الشياب) من قبيلة (عباد) العريقة.

كان الجنرال البخيت عضو في الوفد الأردني المفاوض لمعاهدة السلام بين الأردن وإسرائيل التي تم توفيعها في 26 أكتوبر 1994، وعمل استاذا للعلوم السياسية في جامعة مؤته ما بين 1997 إلى 1999، ثم تقاعد من القوات المسلحة برتبة لواء ركن في 1999، كما عمل بعد تقاعدة كمستشار في دائرة المخابرات العامة، قبل أن يعين نائبا لرئيس جامعة مؤته للشؤون العسكرية.

وفي فترة لاحقة عين سفيرا في تركيا خلال الفترة من 2002 إلى 2005، وهو العام الذي انتقل فيه للعمل سفيرا لدى إسرائيل، ثم عين مديرا لمكتب العاهل الأردني، ولاحقا نائبا لرئيس جهاز الأمن الوطني، ثم مديرا للجهاز.

وفي 16 نوفمبر 2005 عيّن مديرا للامن الوطني ومديرا لمكتب عبدالله الثاني بن الحسين، ملك الأردن، بالوكالة.

وفي 24 نوفمبر 2005 كلف بتشكيل الحكومة رقم 90 منذ قيام عبدالله بن الحسين بتأسيس امارة شرق الأردن عام 1921. و أصبح الرئيس الخامس الذي يشكل حكومة في عهد عبد الله الثاني.