بغداد: ما زالت آراء العراقيين تتباين في التعاطي مع التظاهرات التي صارت تشكّل ظاهرة يومية اعتيادية تجري في المدن والقصبات العراقية، وتختلف في مراميها، وإن كان الغالب منها يشير إلى ضرورة الإصلاح وتغيير الواقع الخدماتي الذي أصبح مريرًا.

وإذا ما كانت الاحتجاجات قبل نحو شهرين خجولة ونادرة، فهذه الأيام أصبحت جريئة ويومية، وربما صار من المستغرب أن لا ترى تظاهرات عدة في أمكنة مختلفة أو تسمع بها، ومع الاتفاق على مشروعية التظاهر، إلا أن وجهات النظر تختلف في التفاصيل، وأحيانًا في الشكل العام، حيث يرفع المتظاهرون شعار (الشعب يريد إسقاط النظام) محاكين به التظاهرات التي خرجت في تونس ومصر على أقل تقدير، فيما يرى آخرون أن الأفضل والأصح هو (الشعب يريد إصلاح النظام) وبتشخيص الخلل.

من أجل الوقوف على حقيقة ما يدور في الشارع العراقي، استطلعت quot;إيلافquot; آراء عدد من الشخصيات المعروفة وفي اختصاصات مختلفة، حيث يقول مفيد الجزائري وزير الثقافة العراقي السابق quot;أنا أنظر إلى هذه التظاهرات باعتبارها حقًا مشروعًا للناس من أجل التعبير عن مطالبهم وهمومهم، وهي أيضًا محاولة للتنفيس عن هذا الحنق الذي يتملكهم بسبب هذا الإهمال المريع الذي يعانونه في ميادين مختلفة، كالخدمات والبطالة والكهرباء ومصائبها، وفي ميادين الصحة وقضايا الفساد، فالسنين تمر ولا يشعر الناس بتحسن، لذلك لم يجدوا غير أن يرفعوا صوتهم، وهم يمارسون حقهم الدستوري.

وأضاف quot;قد يكون هناك تسييس للمظاهرات، أقول ربما، ويجب أن لا نستبعد ذلك، فهناك إمكانات واحتمالات أن يحاول البعض استغلالها لمصالح حزبية او سياسية وغيرها، لكن الجو العام جو تعبير عن مطالب مشروعة، ومطالبة باصلاح اوضاع، وهذا حق، فهناك امور كثيرة تحتاج معالجة واصلاح.

حول إذا ما كانت هنالك جهات خارجية تدفع نحو قيام هذه التظاهرات، أوضح أنه في تونس قالوا إنها أياد خارجية تحركهم، وفي مصر قالوا الشيء نفسه، الآن في البحرين واليمن يقولون أياد خارجية تحرك المتظاهري ، أنا ارى ان الايادي الخارجية لا تستطيع ان تفتعل شيئا، ربما تستغل واقعا قائما، ربما .. وهم يستغلون هذا بطرقهم المختلفة، ولكنني اقول هناك واقع والناس تعبّر عن احتجاجها على هذا الواقع الذي لا يسرّ.

أما المحامي طارق حرب رئيس جمعية الثقافة القانونية للجميع فقال إن quot;المبدأ العام ان حق التظاهر والاحتجاج والاعتصام مسألة مشروعة شرعًا ودستورا وقانونا واخلاقا، لكن علينا ان نفرق مثلا هل نقبل التظاهر من قبل مرتكبي جريمة الخطف وجرائم التسليب الموجودين في السجون والذين تظهرهم وسائل الاعلام على اساس (المعتقلون يحتجون)، هل تقبل لو كان ابنك احد المجني عليهم ان يصدر عفوا بحقه؟، أو هل تقبل ان جماعة quot;الحواسمquot; الساكنون في الشقق الحكومية لثمان سنوات يتظاهرون؟..، والمقبول ان اتظاهر على الموظف الفاسد، على تردي الخدمات، على الكهرباء، الماء، البطالة وغير ذلك.

لكن على التظاهرات ان لا تبقى في العموميات لان المجنون هو من يقول عموميات والعاقل يقول خصوصيات، يقول الموظف الفلاني هو السبب في رداءة ذلك، الجهة الفلانية، اقول المجلس البلدي، او فلان المحافظ، فلان الامين او مدير البلدية كي تكون المسألة واضحة ومحددة، هذا الاساس، وعلينا ان ننظر نظرة جديدة لحق التظاهر بحيث نكسبه الصفة التي تلاءم طبيعته وجوهره وعلينا ان نبتعد في التظاهر عن حرق الممتلكات العامة والخاصة وايذاء الاخرين.

وأضاف quot;يقال ان شعارات رفعت على quot;فايسبوكquot; قل لي من يقرأ فايسبوك؟ كم عدد العراقيين الذين يقرأونه، هل تعتقد ان هناك 100 الف عراقي يقرأونه؟ انا اعتقد ان في كل طائفة هناك جماعة التظاهر، يعني قبل ايام حدثت تظاهرة في شارع المتنبي، اجتمع 28 شخصا انا حسبتهم بالضبط، على مسألة فتح النوادي الثقافية والاجتماعية وهي مسألة مشروعة، احدهم رفع صورة (جيفارا)، ما علاقة جيفارا بالموضوع ؟، وهناك جماعة يحبون التظاهر وهناك جماعة يحبون الظهور بوسائل الاعلام وهناك جماعة محقون في التظاهر، يعني ان الغالبية تظاهراتهم مشروعة ومقبولة، وعلى الموظف العمومي مهما بلغت درجته الوظيفية ان ينصاع ويخضع لمطالبهم.

أما الاعلامي خالد الوادي من قناة الديار الفضائية فقال إن الخلل كان منذ البداية، بداية تأسيس دولة العراق الجديدة، حين سقط النظام وبدأنا بمرحلة جديدة بكل تفاصيلها، البداية ان هناك تراكمات ظلت كما هي لم تتغير منها البطالة والكهرباء والخدمات بشكل عام، وانت تعلم ان اي مجتمع ان لم تتوافر فيه الخدمات سيكون مجتمعا مضطربا.

وتساءل quot;لماذا حدثت المظاهرات في الشرق الأوسط ولم تحدث في الغرب؟ هذا السؤال لابد ان نسأله لانفسناquot;، بالتأكيد ان الاستقرار الاجتماعي والوظيفي والسياسي عوامل مهمة لاستقرار المجتمع ككل، نحن نفتقر هذا الاستقرار لكوننا كما اعتقد دولة حديثة، والسياسي فيها ما زال مبتدئا لا يعلم ماذا يفعلquot;.

ولفت الوادي إلى أنه في العراق هناك من يدّعي أن البلاد تغيرت، اختلفت عما كانت عليه في السابق، ما هو التغير؟ بغداد عبارة عن ثكنة عسكرية، عبارة عن مدينة لبست رداء ليس رداءها، بغداد في حقيقتها متعددة الاطياف والافكار وفيها احزاب كثيرة، حتى إن جلست في الباص الصغير لسمعت ان ما يثار فيه هو الجدل السياسي، لذلك جاءت هذه المظاهرات، وهناك اخرى يدعي البعض انها ستكون كبيرة، لا اعتقد ان ملامحها اسقاط نظام في العراق، لان النظام في العراق حسب الدستور هو نظام ديمقراطي جاء عبر الانتخابات، من انتخب هؤلاء. الجواب هو المجتمع، مهما يكون شكل هذا الانتخاب.

وأكد quot;نحن نفتقر إلى الهوية الوطنية في المجتمع العراقي، هناك هوية فرعية هي الهوية هي الاساس في المجتمع، ربما ما حدث في تونس ومصر وما يحدث الان في المنطقة سيغير من اراء الناس، لانهم الان علموا انهم مغبونون، وانهم لايمتلكون حق المواطنة حتى، لذلك المظاهرات في العراق تختلف تماما عن المظاهرات في المناطق المجاورة لكونها تطالب بالخدمات وفرص العمل، لكن ان لم ينفذ الحاكم متطلبات المجتمع ربما ستتغير الامور.

وذكر أنه quot;أشعر ان بعض هذه التظاهرات مسيس، والتسييس حق مشروع، فبعض الاتجاهات السياسية ربما وجدت نفسها قد غبنت، او سرق حقها فتحاول من خلال مؤيديها وكوادرها ان تثير قضايا حتى تحصل على ما تريد.

فيما قال الصحافي في جريدة المؤتمر مؤيد عبد الوهاب إن التظاهرات التي انطلقت في بغداد والمحافظات هدفها الخدمات والفساد الاداري، وهذا الحق لن يختلف عليه اثنان، فمن حق الانسان الاحتجاج على سوء الواقع من اجل اصلاحه، ولكن بعض الجهات تحاول استغلال هذه التظاهرات وحماس المواطن وتسييسها لمصلحتها الخاص، وقد سمعنا أخيرا عن منظمة او حزب جديد او تجمع اسمه quot;كفىquot;، لم نسمع عنه من قبل، ويحاول ان تثير القلاقل والفتن داخل المجتمع العراقي، والمفروض من الحكومة العراقية ان تتلافى هذا الموضوع وتقدم التسهيلات والخدمات للمواطن وتقدم المفسدين الى المحاكم، ولا يمكن ان يتجاهل مجلس الوزراء هذه القضايا، لاسيما محاسبة المفسدين.

في النهاية، شدد على أنهم quot;كلنا مع التظاهرات السلمية التي تهتف وتنادي بإسقاط المفسدين وتحسين الخدمات، ومع ان يكون الصوت واضحا ومؤدبا ومعبرا وقويا، وان يهزّ كراسي الذين يستخفون بالشعب، ولكن ضد التخريب والتدمير، وهو ما تسعى اليه جهات، سواء داخل البلد او خارجهquot;.