لم تمنع إعاقة أيمن محمد حسين البطل الرياضي من المشاركة بقوة في أحداث الثورة التي أطاحت بنظام حكم الرئيس المصري السابق حسني مبارك في 11 فبراير/شباط الجاري.


شارك أيمن محمد حسين البطل الرياضي الحائز ميدليات ذهبية وفضيةعدةفي التظاهرات في ميدان التحرير. كان أيمن يحلم بذلك اليوم منذ أنأدرك الدنيا، لاسيما أنه لم ير رئيساً آخر سوى مبارك، ولم ير شيئاً من خيره، بل وجد منه ومن مسؤولي نظامه كل التجاهل لحقوقه هو وأقرانه من المعوقين.

فرغم أن الدستور يخصص لهم نسبة 5% من الوظائف والخدمات العامة، إلا أنهم لم يحصلوا عليها. من هذا المنطلق، كان المعوقون حاضرين في ثورة الغضب. quot;إيلافquot; التقت أيمن حسين، وعادت بالحديث الآتي:

ـ ما دفعك للإشتراك في الثورة، رغم أنك معوق؟

منذ سنوات طويلة وأنا أحلم بوطننتمتع فيه بالحرية، ونحصل فيه على حقوقنا بدون إذلال أو وساطة، كنت أحلم بمصر بدون فساد،أو تعذيب أو إعتقالات بلا جريمة. كنت أحلم بمصر نعيش فيها نحن المعوقون حياة آدمية، نركب فيها وسائل النقل العام من دون أن ينظر إليَ المحصل وكأنني متسول، وأحصل فيها على فرصة عمل تناسب ظروفي الخاصة، وشقة ضمن مشروعات إسكان الدولة التي يفوز بها دائماً من لا يحتاجونها، ويقومون ببيعها أو تأجيرها للبسطاء أمثالنا. كنت أنتظر اللحظة التي يثور فيها المصريون، وكنت أعلم أنها ليست ببعيدة، فجميعنا يعاني الظلم والإستبداد والقهر والفقر والبطالة.

ـ ألم تخش التعرض للأذى من قبل قوات الأمن أو البلطجية؟

لا أخفيك سراً لقد كان لدي هذا الشعور في البداية، ولم أخرج من منزلي في منطقة إمبابة، خلال الأيام الثلاثة الأولىمن عمر الثورة، لكن صديقًا لي معوق أيضاً ـ مبتورة إحدى ذارعيه ـ شارك فيها منذ اليوم الأول، واعترف بأنه كان شجاعًا أكثر مني، وطلب مني المشاركة، وقال لي quot;مكاننا نحن المعوقون في ميدان التحرير يا أيمن، من الأفضل لنا أن نكون هناك، إنها فرصتنا لكي نحصل على حقوقنا بدون مذلةquot;.

لكني لم أمتلك الشجاعة في البداية، لأنني أسير بكرسي متحرك، ولا أستطيع الجري في حالة ضرب الشرطة لنا بالقنابل المسيلة للدموع أو الرصاص. إلى أن إتصل بي صديقي من ميدان التحرير يوم جمعة الغضب. وأخبرني أن البلطجية والمساجين والمجرمين يحرقون مصر، وأنه يقف مع مجموعة من الشباب لحراسة المتحف الوطني. وكان الوقت ليلاً، إنتابتني حالة من القلق الشديد على مصر وعلى صديقي، وقررت المشاركة، ونزلت إلى ميدان التحرير. وقلت في نفسي إما أن نحيا وهامتنا مرفوعة أو أن نموت شهداء. أنا فخور بصديقي الذي حمى المتحف وآثارنا من النهب بذراع واحدة.

ـ ما البطولات الرياضية التي حصلت عليها، وهل كرّمتك الدولة؟

حصلت على بطولات عدةعلى مستوى الجمهورية، منها بطولة رفع الأثقال في العام 2002، وبطولة كرة السلة في العام 2005، و كرّمتني جامعة القاهرة، ومحافظة بورسعيد، بشهادة تقدير ومبلغ ألف جنيه.

ـ أنت حصلت على التكريم من الدولة، ما جعلك ناقماً عليها بهذا الشكل؟

لم أكن ناقماً على الدولة، بل على ذلك النظام البوليسي الذي حكمنا أكثر من ثلاثين عاماً، فهل تصدق أنني تعرضت للإعتقال رغم أني معوق. أنا حافظ بعض آيالقرآن، وذات مرةألقيت محاضرة في المسجد القريب من بيتي، بعد صلاة العصر، ولم أتحدث فيها عن أي شأن سياسي، بل تحدثت عن الإسلام، الذي يدعو إلى الود والتراحم بين الناس.

وفي الليل فوجئت بإستدعائي من قبل جهاز أمن الدولة، وأصبت أنا وجميع أفراد أسرتي بالذعر، فقد كان الجميع يعلم أن الداخل إلى مقرّ مباحث أمن الدولة مفقود.

هناك خضعت لإستجواب شديد، وأنا معصوب العينين، وكأنني إرهابي. ثم تركوني أعود إلى بيتي، لكن شريطة ألا ألقي أية دروس في المسجد مرة أخرى. ليس هذا فقط، بل كنت أشعر أننا نعيش في دولة بلا قانون، فالسائد فيها هو قانون الغابة فقط، القوي يأكل الضعيف، فمثلاً لدي صديق كان صحيحاً معافاً في بدنه، لكنه صار من المعوقين، بسبب خطأ طبيب، ورغم أنه قدم بلاغاً إلى النائب العام، وأقام دعوى قضائية، إلا أنه لم يحصل على حقه من ذلك الطبيب منذ عشرة أعوام، لأن الطبيب من أصحاب النفوذ، وعضو في الحزب الوطني الحاكم.

ـ كيف كان الإعتصام في ميدان التحرير؟ وكيف كانت تسير حياتك طوال أيام الثورة؟

كان المتظاهرون في ميدان التحرير منذ 25 يناير/ كانون الثاني، يتسمون بالإيجابية، وأنا كذلك، فكل إنسان شارك في الثورة، لم تكن له أية أهداف سوى الإنتصار لمصر، ووضعها في مكانتها التي تليق بها وبشعبها. ولم تكن لهم أجندات خارجية، كما يقول بعض عناصر النظام السابق. ولم تكن جهة داخلية أو شخص يسوقهم، كانت دوافعهم وطنية.

وفي ميدان التحرير، كنت في النهار أساعد في أعمال النظافة والريّ، وأهتف مع المتظاهرين، وفي الليل أنام على الكرسي الخاص بي متغطياً ببطانية صغيرة، وكنت أحصل على طعامي من خلال الأصدقاء، حيث كنا نجمع المال من بعضنا ويشتري أحدهم الطعام من المحال المجاورة. ولم يكن الطعام من مطاعم quot;كنتاكيquot; الأميركية، كما كان يروّج أبواق النظام السابق.

ـ في إعتقادك، هل ستتحسن أحوال المعوقين بعد إنتصار الثورة ورحيل مبارك؟

بالطبع، سوف تتحسن أحوالنا. إن الثورة الشعبية قامت من أجل حصول كل فرد في الوطن على حقوقه بدون وساطة أو محسوبية، إنها إندلعت إحتجاجاً على الفساد وإنتشار البطالة والفقر والقمع. وأعتقد أن الأيام المقبلة ستكون أفضل لجميع المصريين، والمعوقين جزء منهم.

كما أعتقد أنه سوف يتم سنّ قوانين في مصلحتنا، تخفف عنا أعباء الحياة، وتمنحنا حقوقنا بكرامة، نحن نريد وظائف ووحدات سكنية ميسرة. وبإمكان أية حكومة مقبلة أن تحقق لنا تلك المطالب المشروعة، لاسيما أن تحقيقها سهل، إذا ما جرى مكافحة الفساد، الذي كان يلتهم نحو سبعة مليارات دولار سنويًا من ثروتنا. هذا مبلغ ضخم جداً يمكن أن يحقق إنتعاشة في إقتصادنا لو تم توفيره. الحياة ستكون أفضل بدون إستبداد أو ظلم من الحاكم، ستكون أفضل لجميع الشعوب العربية إذا ما علموا أن عليهم دفع فاتورة الحرية، ومواصلة ثوراتهم.