فيما تتعالى في أرجاء بغداد والمحافظات العراقية أصوات الاحتجاجات على التردي الواضح في الخدمات والحريات العامة، يبرز السؤال الذي لابدّ منه، وهو quot;أين المثقف العراقي مما يحدث؟ .. هذا التساؤل يجرّ وراءه علامات استفهام واستغراب ودهشة.


بغداد: لأن المثقف يمتلك الدور القيادي والمؤثر على الشارع العراقي، وبإمكانه ان يقوم بالتنظيم والتنسيق والترتيب وتحويل الهتافات الفوضوية الى اخرى فصيحة وبليغة، وان تكون النداءات واحدة ومعبّرة عما يجيش في النفوس... من هنا لا بدّ من معرفة مكان المثقف العراقي في التظاهرات التضامنية مع الأشقاء العرب وما وجهة نظره الخاصة، ولا يخفى أن المثقف العراقي بدأ حركته المدافعة عن الحريات العامة منذ وقت ليس بالقصير، كما انه التحم بالجماهير ليكون معهم في المطالبة بتحسين الخدمات.

القاصة والكاتبة ايناس البدران، رأت أن المسيرات السلمية التي ينظمها شعبنا للتعبير عن رأيه بطريقة حضارية وسلمية هي مسألة مشروعة ويؤيدها ويدعمها الدستور العراقي، فالشعب طال صبره وانتظاره للكثير من الخدمات ولتحقيق الكثير من امانيه المشروعة quot;ولا اريد ان اقول الصغيرة والبسيطة والمتواضعة قياسا غلى ما يحصل عليه المواطن في دول نفطية اخرى، فالمقارنة بالتأكيد لا تأتي في مصلحة العراق ولا القائمين على شؤونه واموره من مؤسسات حكومية وغيرهاquot;.

البدران ضمت صوتها الى اصوات المتظاهرين quot;لان المواطن العراقي صبر كثيرا، ومن حقه ان يتمتع بخيرات بلده، وان ينعم بالهدوء والامان والاستقرار وبأبسط حقوقه، فالتظاهر مسألة مشروعة، ونتمنى من الجهات المسؤولة، سواء كانت امنية او الجيش او المؤسسات الاخرى، ان يتفهموا هذه المسألة ويحترمون رغبة المواطن وخياراته، وان يصغوا الى صوته، وبالتالي ان يحققوا مطالبه المشروعةquot;.

واضافت quot;للمثقف العراقي دور في هذه التظاهرات، قبل مدة اعتصم الادباء قرب تمثال شهريار في شارع ابو نؤاس وطالبنا بالحريات وحقوق المواطن العراقي، وبالتأكيد فدور المثقف واضح، وعطاءاته واضحة في المدونات والصحف والمجلات والمواقع الالكترونية والقنوات الفضائية، دور مميز طبعا، ونتمنى ان يفعّل دوره اكثر ويقدم اكثرquot;.

أما الفنان المسرحي والأستاذ في كلية الفنون الجميلة الدكتور خالد احمد مصطفى فلا مانع لديه من اقامة التظاهرات لكون quot;مشاركة المثقف العراقي ضرورية فيهاquot;، مؤكدًا أن هذه المظاهرات ليست سياسية، بل تطالب بخدمات فقدناها ولا نسمع الا بوعود كثيرةquot;، وأضاف quot;بالنسبة إلي بشكل شخصي سأكون موجودًا في هذه التظاهرة، وسوف اطلب فصل الدين عن الدولة، فقد اصبح تدخل الدين بصراحة مبالغًا به في امور كثيرة، من ضمنها الحريات الشخصية والمنظومة الفكرية للمبدع العراقيquot;.

وينتقد المحسوبيات السياسية قائلا quot;حدث تدخل كبير في اجهزة الاعلام ووسائل الاتصال المختلفة حتى في المعارض الفنية والفعاليات الشخصية التي يقدمها الفنان العراقي، وابسط مثال انك لو اردت ان تقدم عملا مسرحيا وانت خارج العراق عليك من اجل الحصول على دعم من منظمات المجتمع المدني ان تطرح اسم الحزب الفلاني او المنظمة الفلانيةquot;.

ورأى أن التظاهرات هي ابسط حق وابسط مطلب، من المهم ان تعلن عمّا في داخلك، هي حق مشروع جدا، ولا يوجد أي تقاطع مع أي شخص ومع أي حزب او كتلة، ولكن التقاطع مع كل الخدمات، ومن ضمنها والاساسي الفكر، فالفكر مصادر، ونحن كمثقفين وعراقيين لانريد ان يصادر هذا الفكر.

بدوره الكاتب والاعلامي خضير ميري أشار إلى أن quot;الشعوب العربية عاشت فترة من القمع، بل دهور من القمع، وربما كان هناك تصور قد اجهض منطق الثورة والتغيير في نفوس الشعوب، وحتى بعض الاحزاب في الوطن العربي اصبح طبقة سياسية مترفة تفكر بمصالحها داخل كراسي الحكم دون الالتفات الى حاجات الناس ومعاناتهم، من هنا يثبت الشارع خلال احداث تونس ومصر وبعض الاحتجاجات التي نشهدها في العراق ان الشعب بخير، وانه يجب ان نلتفت الى الناس البسطاء والى عامة الناس لتلبية ما لديهم، وبالتالي لم تعد الحكومات العربية تلوح بالديمقراطية من اجل مكاسبها فحسب، وانما ينبغي ان تكون على درجة كبيرة من الواقعية والالتفات الى تطبيق الديمقراطية نفسهاquot;.

واضاف quot;انا اعتقد ان العراق ليس محتاجا اسقاط النظام، لان النظام العراقي بالاساس قائم على النظام الديمقراطي التعددي، وبالتالي هناك فرصة للناس بأن تغير المصائر او الشخصيات الموجودة، ولكن اعتقد اننا نحتاج ثورة اصلاحية تبدأ من الشعب بالتأكيد، وهذه الاحتجاجات تجبر القوى السياسية بما فيها الحكومة على الانتباه والاصغاء لمطالب الناس، نحن في الدستور دولة ديمقراطية، ومن حقنا التظاهر والاحتجاج، ولكن المهم ان لا تجري هذه الاحتجاجات، وانما ينتبه اليها ويصغي لها المسؤولون.

فيما قال الكاتب مؤيد البصام quot;في العراق لا يحدث مثلما حدث في مصر وتونس، لان الشعب العراقي شعب حسي يهتم بمصلحته الذاتية قبل المصلحة العامة، ولهذا تشاهد المظاهرات تخرج بمطالب خاصة، وليست بمطالب عامة، في مدن العالم، وفي مصر وتونس وحتى الان في البحرين واليمن، يطالبون بمطالب عامة للشعب كله، اطلاق سراح السجناء السياسيين، القضاء على الفساد وغيرها.

وتابع quot;نحن لدينا يقال شارعنا مغلق افتحوه لنا، انا راتبي التقاعدي لا يعطونني اياه، اقصد انهم لم يخرجوا من اجل مصلحة العراق العامة، بل كل شخص خرج لمصلحته الخاصة، ولهذا ينفضون بسرعة ويلتئمون بسرعة، ومثل هكذا تظاهرات لا تشكل ثورة او حركة من الممكن ان تغير، والا لما جلس الذين يحكموننا الان على كراسي الحكم لمدة ثمان سنوات، فلولا ان الشعب لم يقدر على ان يعي حقيقة الاميركيين الذين احتلوا الوطن ولعنوهquot;.

وقال الرسام عبد الرحيم ياسر quot;الواضح والذي نحس به هناك اختناقات كبيرة، والحكومة يجب ان لا تتطير منها، هناك اختناقات في الكهرباء وهناك وعود كبيرة في الخدمات، شوارع بغداد لاتزال بلا بنية تحتية، هذا الوضع يدعو الى التظاهر، ومن حق الناس ان تتظاهر، كما ان موضوع الحريات العامة اساسي، فلا يمكن ليغداد ان تكون بعيدة عن المسارح ودور السينما، بغداد الان من المدن المأزومة في العالم، بل هي من اسوأ المدن، الا يدعو هذا للتظاهر؟ الا يدعو المسؤول ان يتساءل لماذا بغداد ليست فيها اماكن ترفيهية؟ لماذا بغداد ليست فيها مسارح؟ لماذا بغداد ليست فيها سينمات؟ لماذا بناء بغداد ما زال ضعيفا، بغداد تمتلك بيئة تجعلها من اجمل المدن، ويفترض ان تبنى خلال السنوات السبع الماضية، الجمهور يضيق ذرعا بكل هذا.

ولفت إلى أن العالم فيه خمسة مليارات انسان او اكثر، هؤلاء لكل واحد وجهة نظر اذا كل واحد وجهة نظره يفرضها على الاخر ستكون هناك حروب، فمن مصلحتنا نحن ان نحترم الاخر، نحترم ثقافة الاخر وان لانفرض عليه قيمنا، انا احترمك مثلما انت وانت تحترمني مثلما انا، لذلك الحريات مسألة مهمة جدا. اما اسقاط النظام فنحن دولة اختيرت حكومتها من قبل الناس وهؤلاء الناس بإمكانهم اسقاط النظام في الانتخابات المقبلة.

الناقد التشكيلي والفنان الدكتور جواد الزيدي يدعو الى المظاهرات من اجل تحسين الخدمات واعادة الاشياء الى وضعها الطبيعي، لان مسألة اسقاط النظام تكون للانظمة الدكتاتورية، وفي العراق quot;ليس هناك نظام دكتاتوري، بل منتخب، وحتى حجة السياسيين الموجودين انهم منتخبون من قبل الشعب ولديهم تفويض وصلاحيات واهية لأن الشعب قد يسقط اية حكومة سواء كانت محلية او مركزية من خلال الاستفتاء والقوانين والدستور الذي اصعد هؤلاء الى سدة الحكمquot;.

وأوضح أن المواطن العراقي يحتاج الان مجموعة الخدمات والفعاليات الاخرى مثل كبت الحريات والالتفاف على الدستور نفسه، ونحن نعرف ان الكثير من الحكومات المحلية تلتف وتحتال على الدستور لتنفذ مآربها ومصالحها الخاصة بعيدا عن مصالح الجماهير والشعب الذي انتخبهم، هذه هي المطالبات الموجودة الان التي تتمثل بإصلاح النظام والخلل الحاصل واعطاء مساحة اكبر للحريات العامة التي هي جانب من الثقافة الديمقراطية وجانب من الثقافة العامة التي يجب ان يتحلى بها نظام ديمقراطي منذ اكثر من سبع سنوات بعد حقبة دكتاتورية كانت مهيمنة ومسيطرة، هذه التظاهرات مشروعة للمواطن ومن المهم ان ينتبه اليها المسؤولون ويحددون المسار الذي يتحكم بالمسارات الخدمية والعملية السياسية نفسها واعادة الهيبة للثقافة العراقية المهمشة حاليا والتي تخدم مؤسسات الدولة القائمة.