يمكن النظر إلى المدن الليبية المحيطة بالعاصمة طرابلس من مختلف الجهات. لكنوصف الوضع بأنه زحف على العاصمة يقوده الثوار ليس وصفا دقيقا في الوقت الحاضر. فالإنتفاضات تندلع في مدينة تلو أخرى مقتربة بإطراد من عاصمة بلد يقف على الحافة. ومن هذه المدنالزاوية التي يسيطر عليها المحتجون الليبيون، لكنها مطوقة بقوات عسكرية موالية للزعيم الليبي معمر القذافي عاجزة عن استعادتها.
تعتبر مدينة الزاوية التي يسيطر عليها المحتجون الليبيون على بعد نحو 30 كلم غربي طرابلس، تجسيدا للوضع الحالي في ليبيا الذي يمكن ان يُحسم في أي لحظة. فهي الآن مطوقة بقوات عسكرية موالية للزعيم الليبي معمر القذافي تسيطر على جميع الطرق المؤدية الى المدينة لكنها بدت عاجزة عن إستعادتها.
من جهة أخرى يرى مراقبون ان معقل القذافي في طرابلس هو الذي تُضيِّق قوى المعارضة الخناق عليه مع كل مدينة تنتقل الى جانب الثوار. لكن يبدو ان المعارضة تفتقد في الوقت الحاضر الى الزخم المطلوب لتحرير العاصمة من قبضة القوات الموالية للقذافي. لذا يبقى الوضع متحركا يمكن ان يتغير في أي لحظة.
ينقل مراسل صحيفة الغارديان عن مواطن ليبي على ظهر دبابة قوله ان الزاوية أصبحت بيد المعارضة وهي الآن تتبع الحكومة المؤقتة في بنغازي. وما ان أنهى عبارته حتى تعالت هتافات الليبيين الذين تجمعوا من حوله مرددين quot;نحن الزاويةquot;.
فوجئ المراسلون الأجانب بهذا التطور وهم الذين غادروا طرابلس صباح الأحد في جولة نظمتها لهم السلطة ليروا بأنفسهم ان مدينة الزاوية لا تزال تحت سيطرة النظام وانها لم تسقط. وكانت لدى مرافقي المراسلين الأجانب مهمة واضحة وهي ان يؤكدوا لهم ان ليبيا ليست غارقة في فوضى عارمة وأنها لا تزال مكانا آمنا.
وعلى بعد 6 كلم أو نحو ذلك من الزاوية توقف موكب سيارات المراسلين وأشار مرافقوهم الى عربتين مصفحتين على مبعدة قائلين انه الخط الأخير لقوات النظام. وتوقف رجلان في سيارة سوداء قادمين من الزاوية ناقلين الى المراسلين وجهة النظر الرسمية بأن الموجودين في مدينة الزاوية أجانب، مقاتلون مصريون وتونسيون ملتحون من تنظيم القاعدة.
لكن الرجال الذين رآهم المراسلون في الزاوية لم يكونوا من الأجانب أو مخدرين بحبوب الهلوسة كما زعم القذافي. ولا هم من الإسلاميين الملتحين أو حتى من المتمردين الذين جاؤوا من مدن أخرى، بل هم أهل المدينة من أطباء ومهندسين ومعلمين وشبان وشيوخ محليين. وكانوا كلهم متحمسين للكلام رغم ان مخاوف ما زالت تساور كثيرين من ان تحاول القوات الموالية للقذافي دخول الزاوية من جديد.
داخل مسجد صغير في شارع يؤدي الى الميدان الرئيسي قاد بعض الأهالي مجموعة المراسلين الأجانب الى غرفة مخزن صغيرة حيث رأوا جنديين مراهقين أسيرين، عائلة احدهما جاءت من تشاد.تم اقتياد المراهقين الخائفين خارج غرفة المخزن، احدهما بضمادات على جرح في وجهه. وقيل للمراسلين الأجانب انهما سيُسلمان الى والد أحد الشابين.
قال الدكتور يوسف مصطفى الذي يعمل في مركز إسعاف انه يعتقد ان 24 شخصا قُتلوا في المواجهات التي بدأت في الزاوية مساء الخميس الماضي واستمرت نحو اربعة ايام. واضاف: quot;رأينا كل صنوف الإصابات. أشخاص مصابون في الرأس والعنق. إصابات ناجمة عن بنادق وإصابات سببها أسلحة ذات عيار ثقيل. وكان إطلاق النار يأتي دائما من الجنوب والشرقquot;. ثم سأل: quot;هل رأيتم المقابر؟quot;.
أعرب غالي احمد وهو مهندس كومبيوتر عن قلقه من الجنود المتمركزين خارج المدينة. وقال quot;انهم يسيطرون على كل الطرق الرئيسية المؤدية الى المدينة. وان قرويين من حول المدينة يريدون المجيء لكن الجيش يمنعهم. أخشى ان يحاولوا القيام بهجوم جديدquot;.
رغم قرب الزاوية من العاصمة الليبية فإن المشهد مختلف عنه في طرابلس حيث الدبابات وحواجز التفتيش تحرس الطرق السريعة المؤدية الى المدينة في حين تبدو حركة المرور طبيعية. ما ليس طبيعيا هو المتجمعون خارج كل متجر لتخزين المواد الغذائية أو امام المصارف لسحب الأرصدة، ومواكب العمال الصينيين والمصريين والتونسيين في حافلات وسيارات محملة بالأمتعة.
أشد ما أثار حيرة المراسلين الأجانب هو السبب الذي جعل مرافقيهم المعينين من نظام القذافي نفسه يأخذونهم الى مدينة تسيطر عليها المعارضة قرب مقره. وحين سُئل أحد المرافقين عن سبب أخذهم الى الزاوية أجاب quot;لم نكن نريد ان نحجب اي شيء عنكم. قيل لنا أن نريكم كل شيءquot;.
بعد ذلك أُخذ المراسلون الى قرية ليست بعيدة عن الزاوية ليروا الوجه الآخر من العملة. وهنا تجمع خارج أحد المراكز الاجتماعية نحو مئة شخص غالبيتهم من النساء والأطفال يغنون ويصفقون ويرددون هتافات بحياة القذافي.
بدا أن الأهالي في هذه القرية ليسوا راغبين في الكلام. وكان المسؤول في دائرة التربية المحلية محمود عبد كريم الذي لف وشاحاً اخضر على رأسه لا يريد الكلام، لكنه عندما نطق قال ان الموجودين في الزاوية أعضاء في القاعدة أُفرج عنهم من معتقل غونتانامو. وأعرب عن أمله بأن تستعيد قوات الجيش السيطرة على المدينة.
كانت هناك بلدة أخرى أرادت السلطة ان تريها للمراسلين الأجانب، بلدة اسمها سلمان تقع قليلا الى الغرب بإتجاه تونس. ولاحقت بعض السيارات في القرية موكب المراسلين مرددة هتافات مؤيدة للقذافي ومزمرة بضوضاء شديد.
السؤال الذي تثيره هذه المشاهد وتتعذر الاجابة عنه فورا هو أي منها يعبر عن حقيقة الوضع، الزاوية أم قرية سلمان. الواقع، بحسب مراسل الغارديان، ان سكان عمق طرابلس وساحلها لم يحسموا موقفهم على ما يبدو. فكلا الجانبين موجودان بشكل ظاهر وكلاهما يريدان إسماع صوتهما. لكن وصف الوضع بأنه زحف على العاصمة يقوده الثوار ليس وصفا دقيقا في الوقت الحاضر. فالإنتفاضات تندلع في مدينة تلو أخرى مقتربة بإطراد من عاصمة بلد يقف على الحافة.
التعليقات