إعتبر المفكر المصري صالح الورداني ما يجري في مصر أزمة شعب وليس أزمة حكم، معتبرًا أن معظم شعوب العالم تنتج جبابرة ومستبدين، وهؤلاء يدوسون على شعوبهم، ومنهم المصريون الذين يصنعون المستبد ثم يلعنونه وما حسني مبارك إلا صناعة مصرية بحتة.

صالح الورداني

قال المفكر المصري صالح الورداني إن ما يجري في مصر اليوم هو أزمة شعب وليس أزمة حكم، معتبرًا في حديث مع quot;إيلافquot; أن معظم شعوب العالم تنتج جبابرة ومستبدين وهؤلاء يدوسون على شعوبهم.

ورأى الورداني الذي يعيش خارج مصر بعد ملاحقته من قبل نظام الرئس السابق حسني مبارك أن المصريين يصنعون المستبد ثم يلعنونه وما حسني مبارك وسواه إلا صناعة مصرية بحتة، حسب وصفه.

وأرجع السبب الى التركيبة المصرية السيكولوجية التي قال إنه اوضحها وتوسع بها في كتابه quot;فراعنة وعبيد، مصر الوجه الآخرquot;، وقال إن ذلك واضح في quot;الأمثال المصرية التي تعبر عن حقيقة الشعب مثل: البلد اللي يعبد العجل حشه وأرمي له.. أو اللي يتزوج امي أقول له يا عمي.. وضرب الحاكم شرف.. وارقص للقرد في دولتهquot;. واستذكر الورداني قصة حصلت حين تحفظ الرئيس المصري الراحل أنور السادات عام 1981 على عدد من المثقفين حيث quot;همس في أذني شاويش مصري قائلًا انتو مالكم ومال الحكومة؟ البلد اللي تعبد العجل حشه وارميلهquot;.

وأضاف الورداني أن الشعب المصري يختلف عن الشعب العراقي الذي تم تنصيب حاكم مستبد عليه من قبل غير العراقيين، بينما أتى المصريون بمستبد مثل عبد الناصر أو حسني مبارك ليدوس عليهم ويمتهن حقوقهم هو وحاشيته. معتبرًا ان المكون التاريخي للشخصية المصرية جعلها تهادن الحاكم المستبد وتقف موقفا غير جذري منه.

ليس ثورة

رأى الورداني أن ما جرى في تونس ومصر ليس بثورة بل انتفاضة، ولو وصفناها بثورة فهي ثورة بلا رأس، غير أن ما يجري في ليبيا هو الثورة، لأن تركيبة الشخصية الليبية تختلف عن التركيبة المصرية أو التونسية، فهي عبارة عن مجتمع بدوي قبلي ومؤمن بالعنف.

- وهل الثورة تقترن لديك بالعنف فقط؟

bull; كلا، لكن المجتمع المصري افتقد مكونات الثورة لأنه مجتمع نهري، بينما المجتمع الليبي مجتمع صحراوي مهيأ للإنفجار.

- لكنه تحمل حكم القذافي 41 سنة فلماذا لم ينفجر؟

bull; لكنه بعد ذلك تجازو التظاهرات والانتفاضة السلمية الى الثورة، اذ ان طبيعة الشعب المصري تتلائم مع الإنتفاضة السلمية بينما طبيعة الشعب الليبي تتلائم مع الثورة المسلحة.

- لكن الإنتفاضة السملية في مصر وقبلها في تونس جعلت الحاكم يرحل.

bull; بل ظل يحكم وما زال! من خلال رجاله الذين يتبعون أوامره الى الآن. أما في ليبيا فلو خرج الحاكم لانهار النظام. بينما في مصر خرج الحاكم وما زال النظام. فحسني مبارك ديكتاتور ومثله القذافي، لكن مطلب الشعبين يختلف هنا. ففي ليبيا يأخذ القذافي الأموال له ولحاشيته ويصرفها على نظريات وأحلام الحاكم، والشعب يشعر بأن الحاكم يسرق ثروته الكبيرة وهو جائع فلو تنعم الشعب الليبي، قليل العدد، بثروته بشكل عادل لعاش برفاه وقد وعى الشعب ذلك فثار ولن يتراجع. أما في مصر، فإن الشعب يشعر بأن دولته فقيرة ولن تحوله هذه الدولة لشعب غني لذا هو راض بالفتات. ولا يطالب إلا بها. ولم يطالب برحيل النظام بشكل فعلي بل بالخبز والسكن، فلم يرحل النظام بل توارى الحاكم المستبد وراح يدير الحكم من خلال المجلس العسكري الذي يديره وزير دفاع حسني مبارك المطيع له.

أزمة عقل

- لكن هناك عمل الآن على تغيير الدستور وتداول السلطة.

bull; كل ذلك لا ينفع مصر.

- لماذا؟

bull; لأن الأزمة في مصر أزمة عقل. فتركيبة العقل المصري تبين أن المجتمع المصري لا يصلح له نظام الحرية. بل لشرائح معينة من الشعب فقط. فالشعب المصري لا يحب السياسة ولا يمارسها. ولا ينفعه فتح باب حرية الأحزاب. المصري يريد أن يسكن في بيت بسيط ويتزوج. ولو أجريت الإنتخابات الآن في مصر لفاز نفس الأشخاص الحاكمين الآن.
عبد الناصر مسؤول

حمل الورداني الرئيس الراحل جمال عبد الناصر مسؤولية ما حصل ويحصل في مصر لأنه أجاع الشعب المصري بحروبه الخاسرة وترك حاشيته تتنعم على حساب جياع مصر، التي رأى أن شعبها انتفض في الخامس عشر من يناير انتفاضة جياع بينما ثورة ليبيا في السابع عشر من فبراير كانت ثورة أحرار.

وبين الورداني أن عقيدة المصريين في بطونهم وليس في عقولهم، فالمصري يريد ان يأكل ويعيش فقط. ومشكلة الحكام في مصر انهم يرمون للشعب الفتات القليل.

خطاب شعاري

كما قال الورداني إن خطاب المثقف المصري هو خطاب شعاري مثل أن مصر أم الدنيا ومصر المحروسة. وقد انسحب الخطاب الشعاري المصري على الجميع في مصر فباتت لغة الإستعلاء هي السائدة، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال القنوات الفضائية المصرية التي تغني كلها الآن لمصر، وكأن مصر منزلة من عند الله.

واعتبر أن quot;اليوم كل من في مصر يلهو بحديث السياسة حتى نساء الليل صرن ضيوف الفضائيات المصرية كمتحدثات في السياسة، إضافة إلى القوادين والنصابين الذين باتوا يتحدثون عن التغيير وربما سيفوزون لو رشحوا انفسهم للرئاسةquot;، حسب تعبيره.

وبين الورداني أن مشكلة الجيش في مصر أنه جيش الحاكم فعدد الذين يحمون الحاكم من الجيش هم مليون و400 ألف عسكري، بينما من يحمي الشعب هم 400 ألف فقط.

ورأى أن المشكلة الاقتصادية باقية في مصر كما هي. بسبب صعود شخصيات لا باع لها في السياسة ولا تاريخ في السلطة مثل عصام شرف أو حين أتى عمرو سليمان بوزير الطيران رئيس وزراء كوريث له. ولم يجر البحث في مؤهلات هؤلاء. فعندما نزل عصام شرف رئيس الوزراء الحالي لميدان التحرير ليصنع شعبية لنفسه بين الناس قال انه يستمد شرعيته من المتظاهرين وقد أتى بمراسل قناة الجزيرة معه وهو ناصري سابق وكان يسكت الناس ليسمعوا حديث رئيس الوزراء وهو ليس دوره إسكات المتظاهرين او الوقوف إلى جانب رئيس الوزراء.

تصفيق لكل حكومة

ووصف الورداني تصفيق المتظاهرين في ميدان التحرير لشرف بأنه أشبه بتصفيقهم لزعيم سياسي مصري قديمًا حين قال للناس الذين يصفقون له: أهلا بمن يصفقون لكل حكومة.

وأضاف أن الصورة quot;تمثل كذلك قول الشاعر أحمد شوقي في مسرحية مصرع كيلوباترا على لسان انطونيو: هداك الله من شعب بريء.. يظلله المظلل كيف شاء، وهكذا تتلاعب الحكومات بالشعبquot;، حسب قوله.

وأوضح الورداني ان ما يقوله عن المصريين ليس من اختلاقه بل قاله إبن خلدون بأن المصريين كأنهم فرغوا من الحساب! أي ان حياتهم كلها لعب. ويمكن معاينة ذلك الآن في مصر من لعب في لعب، على حد وصفه.

ورأى أن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ومن جاؤا بعده قد استخفوا بالشعب المصري فأطاعهم. وما يحصل الآن من استخفاف وطاعة خير دليل. فالمجلس العسكري كان قد أعلن انه سيحاكم أسرة مبارك، بينما تم تهريب هؤلاء للخارج وسط تهليل الشعب، فهل هناك أكثر من هكذا استخفاف؟ حسب تعبيره.

وقال الورداني أن عبد الناصر قضى على كل ما هو جميل في مصر كان في عهد الملك، واستدرك بأن عبد الناصر كاد ان يخلق ثورة في مصر كما خلقها محمد علي باشا، لولا انشغاله بالخطاب الشعاراتي والحروب الجانبية التي أجاعت الشعب.

محمد علي جديد

كما أكد الورداني أن مصر اليوم بحاجة إلى محمد علي جديد لكن مصر لا تفرخ قيادات، والقيادات المصرية كلها وافدة من الخارج مثل محمد علي باشا الألباني وجمال الدين الأفغاني والخديوي. quot;لكن للأسف فقد تم ظلم هؤلاء من قبل ذوي الخطاب الشعاراتي في مصر مثل عبد الناصر الذي كان يصف الخديوي بـquot;بتوع نسوانquot;، بينما عبد الناصر نفسه كان محاطا بحاشية كلها بتوع نسوانquot;، حسب وصفه.

واستشهد الورداني بثورة عمر مكرم الحسيني الذي قاد ثورة ثم سلمها لمحمد علي باشا الذي أطاح به وبنى مصر الحديثة وطورها.

وقال الورداني ان ما هو مستغل من مساحة مصر هو 10% فقط والـ 90% خالية. والإعتماد كله على صيد السمك من النهر. ورأى أن مصر بحاجة لإنتفاضة في العقل المصري. فالمصريون جالسون اليوم في مكانهم بلا حراك معتمدين على المعونة او quot;الشحاتةquot; من الخارج، ويجب أن يتحرك هؤلاء، واصفًا من بيده ثورة ولا يستثمرها بالسفيه.

واقترح الورداني تفريغ طائرات الشحن في مصر وحشدها بالجماعات الإسلامية وباعة الورق والممثلين وإلقائهم في الصحراء، ويقال لهم هنا تموتون وهنا تحيون. لأنهم غير منتجين.

وقد فعل ذلك محمد علي باشا حسب ما يذكره المؤرخ الحبشي الجبارتي الذي يعتبر عدوًا لمحمد علي باشا لأنه كان قد اعتقل ابنه، ويقول: quot;كانت لدى محمد علي باشا فرق مهمتها خطف الناس بالقوة لإجبارهم على العمل في المعامل أو في الجيش، وقد ابتكر الناس حيلة ليتخلصوا من العمل في الجيش ببتر إصبع السبابة فعمد محمد علي لتشغيلهم في المدفعية، فما كان منهم الا ان فقأوا عيونهم فأسس محمد علي فرقة في الجيش باسم فرقة العوران، كي يجبرهم على العمل. وقد تحولت على يده مصر لقوة كبرى حدت تآمر تركيا وأوربا ضدها وقد وصل الجيش المصري في عصره وهو ألباني إلى فيينا.

وتوقع الورداني ألا يحقق الاسلاميون فوزًا في الإنتخابات المصرية المقبلة بسبب عدم وجود قاعدة شعبية لهم، ولن يتعدى عددهم الثلاثة مقاعد في البرلمان ومن سيفوز بالرئاسة هو شخصية إعلامية حققت نجومية، واعتبر أن جميع المرشحين للرئاسة الآن من عمرو موسى ومحمد البرداعي وعبد الله الأشعل لا يمتلكون أدوات الحكم والقيادة وستكون النتيجة الفشل.