مع إقتراب يوم حسم الجدل حول التعديلات الدستورية في مصر غداً السبت، انطلقت ما يمكن وصفها ب quot;حرب المنشوراتquot; بين جبهتي المؤيدين والمعارضين.


القاهرة: تجمع نحو 150 متظاهرا صباح الجمعة في ميدان التحرير مرددين هتافات ضد التعديلات الدستورية المطروحة على الناخبين المصريين في استفتاء سيجري غدا السبت.

وردد المتظاهرون quot;يسقط يسقط الدستورquot; وquot;الشعب يريد اعلان دستور جديدquot; وquot;يا شهيد نام وارتاح، نحن نكمل الكفاح، يا شهيد نام واتهنى، حسني في نار وانت في جنةquot;.

وسادت التجمع اجواء مرحة على الرصيف بينما استمرت حركة السير في الميدان الذي يعتبر مهد quot;ثورة 25 ينايرquot; التي ادت، تحت ضغط حشود كبيرة، الى استقالة الرئيس حسني مبارك في 11 شباط/فبراير.

وشارك في التظاهرة مواطنون من مختلف فئات المجتمع بين رجال ونساء وشباب وكهول.

ويتوقع ان يزداد عدد المتظاهرين في الميدان بعد صلاة الجمعة.

ودعي المصريون السبت الى صناديق الاقتراع للتصويت بquot;نعمquot; او quot;لاquot; على تعديل تسع مواد من الدستور والغاء مادة واحدة.

ومن بين الداعين الى التصويت بquot;لاquot; المرشحان الابرزان للرئاسة وزير الخارجية السابق الامين العام للجامعة العربية عمرو موسى والمدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية الحائز على جائزة نوبل للسلام محمد البرادعي.

بينما دعا الاخوان المسلمون الذين يعتبرون ابرز حركة معارضة الى التصويت بquot;نعمquot;.

وانتشر العشرات من الأشخاص التابعون لأحزاب الوفد والجبهة الديمقراطية وإئتلاف شباب الثورة، والجمعية الوطنية للتغيير برئاسة الدكتور محمد البرادعي، في شوارع القاهرة ومدن الجمهورية ووسائل المواصلات يوزعون أوراقاً تدعو المصريين للتصويت بquot;لاquot;، فيما نشط العديد من الشباب التابعون لجماعة الإخوان المسلمون في الأماكن نفسها، لتوزيع منشورات تدعو المصريين للتصويت بquot;نعمquot;، وساق كلا الفريقين مبرراته.

في ميدان التحرير الذي يعتبر رمزاً لثورة 25 يناير، انتشر العشرات من الشباب، ووقف بعضهم أمام مداخل ومخارج محطة مترو السادات التي تقع أسفل الميدان، بل وفي داخل المحطة وفي عربات المترو أيضاً، وكان واضحاً أن الأكثر عدداً وإنتشاراً هم أصحاب الدعوة للتصويت بquot;لاquot;، لكن بعض الأحزاب انتهزت الفرصة للإعلان عنها من خلال تلك المنشورات ومنها حزب الوفد، الذي نشط شبابه، ووزعوا منشوراً أوضح فيه أسباب رفضه للتعديلات الدستورية، ومنها quot;الترقيع لا يجدي مع ذلك الدستور الآثم، دستور 1971 يصنع من الرئيس القادم ديكتاتوراً جديداًquot;، داعياً إلى إنتخاب جمعية تأسيسية لوضع دستور جديد ديمقراطي لكل الشعب، يكفل حق المواطنة و حق الدولة المدنية العادلة.

وأشار الحزب إلى أن التخوف من إطالة فترة بقاء الجيش لتأمين الجبهة الداخلية لمصر، يخالف الواقع، لأننا سنقوم في كل الأحوال بعمل دستور جديد سواء قبلنا بالتعديلات أو رفضناها الآن. ودعا حزب الوفد المجلس الأعلى للقوات المسلحة إلى إصدار إلى إعلان دستوري مؤقت يحدد المحاور الأساسية لنظام الحكم خلال الفترة الإنتقالية، وإصدار مرسوم بقانون بتشكيل جميعة تأسيسية لوضع دستور جديد، وحل المجالس الشعبية المحلية.

وتحت عنوان quot;لا للتعديلات الدستورية.. لماذاquot;، جاء منشور إئتلاف شباب ثورة 25 يناير، وبرر الإئتلاف الرفض بثلاثة عشر سبباً، أهمها quot;ثورة 25 يناير أسقطت الدستور وطالبت بدستور جديد. التعديلات الدستورية تحافظ على صلاحيات الرئيس وتجعله فوق الحكومة والبرلمان. لا تسمح بإصلاح جهاز الشرطة. تمنع إستقلال القضاء، حيث تجعل رئيس مجلس الهيئات القضائية هو رئيس الجمهورية طبقاً للمادة 173 من الدستور. تحافظ على الطرق القديمة في إنتخاب مجلسي الشعب والشورى.

تسرق حق الشعب في صياغة دستور جديد، وتمنحه للرئيس ومجلس الشعب طبقاً للمادة 189. لم تحدد سن الرئيس وتركتها مطلقة، فهل نعود مرة أخرى لمن تجاوز الثمانين. تحرم مرشح الرئاسة من حرية إختيار زوجته.

وفي المقابل، حملت منشورات quot;نعمquot; للتعديلات الدستورية التي عمل توزيعها جماعة الإخوان المسلمون، عدة مبررات للتأييد، منها quot; قصر مدة الرئاسة على فترتين على الأكثر. إتاحة الفرصة لكل مصري جاد في الترشح للرئاسة. الإشراف القضائي الكامل على الإنتخابات. إنهاء حالة الطواريء. نقل السلطة إلى المؤسسات المدنية. وضع دستور جديد للبلاد في مناخ مناسب.

أما الحزب الوطني الذي كان يحكم البلاد طوال أكثر من ثلاثين عاماً، فقد وقف في صف quot;نعمquot;، ووزع الشباب المنتمون إليه منشورات، ولكن لا تحمل اسمه أو شعاراته تحت عنوان quot;نعم للتعديلات الدستورية المؤقتةquot;، وبرر لموقفه على طريقته القديمة بوضع كلمة نعم أمام العبارات البراقة التالية quot;للإستقرار والتنمية. للأمن والأمان. للتمثيل الحقيقي للشعب. للخروج من الفراغ الدستوري. لعودة الثقة للمستثمرين. لعودة الإستقرار للعملية التعليمية. لمجلس حرة منتخبة. فيما أنتشرت منشورات أخرى أكتفت بعرض المواد القديمة والتعديلات التي أدخلت عليها، إلى جانب عبارة quot;هاعمل حاجة إيجابية النهاردةquot; وبجوارها علامة quot;نعمquot;. وكلمة quot;صوتك أمانةquot;.

حقوقياً، أعلنت 23 منظمة تحت إسم quot;التحالف المصري لمراقبة الانتخاباتquot; مراقبتها لعملية الإستفتاء غدا السبت، وتأتي على رأس التحالف المنظمة المصرية لحقوق الإنسان والمركز المصري لحقوق المرأة ومركز أندلس لدراسات التسامح. ويتولى التحالف أعمال المراقبة في 26 محافظة.

فيما أكتفت المؤسسة العربية لدعم المجتمع المدني وحقوق الإنسان و ائتلاف ثوار يناير للحرية والمقاومة ، وهو احد الإشكال الشبابية التي كونت إثناء ثورة 25 يناير، وتضم شبابا وشابات من الذين شاركوا في فعاليات الثورة، بأعمال المراقبة في محافظات: القاهرة ، الجيزة ، الإسكندرية ، القليوبية ، بورسعيد ، الغربية ، المنيا ، أسوان.

وفي الوقت الذي يجب أن تقف فيه منظمات المجتمع المدني التي تراقب الإستفتاء على الحياد، أعلنت غالبيتها رفضها للتعديلات، حيث عقدت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان حلقة نقاشية قال فيها رئيسها حافظ أبو سعدة إن التعديلات لم تقترب من المواد الخاصة بصلاحيات وسلطات رئيس الجمهورية، فمن مجموع 55 مادة في الدستور تتضمن صلاحيات أو سلطات، يختص رئيس الجمهورية بحوالي 35 صلاحية بما نسبته 63% من إجمالي الصلاحيات والسلطات.

مشدداً أنه في حالة إجراء الانتخابات القادمة وفقاً للتعديلات الدستورية المطروحة سيجىء رئيس جمهورية لديه سلطات مطلقة مثلما كان الوضع في عهد النظام القديم. وأضاف أبو سعده أنه لم يجر حوار مجتمعي حول تلك التعديلات، يشترك فيه مختلف القوى السياسية والحزبية وفقهاء القانون ومنظمات المجتمع المدني ، فجاءت وكأنها تعبر عن وجهة نظر معينة دون الاستماع لوجهات نظر الآخرين.

مشيراً إلى أن نص المادة 189 وخاصة الفقرة المضافة للنص الأصلي يعتبر بمثابة التفاف حول حق الشعب في إصدار دستور جديد، إذ أعطت ذلك الحق لرئيس الجمهورية ونصف أعضاء مجلسي الشعب والشورى. وطالب رئيس المنظمة المصرية بصياغة دستور جديد يحافظ على إنجازات الثورة وينميها لا أن يعوقها ويرجع مصر مرة أخرى للوراء حيث الاستبداد والفساد، فدستور 1971 سقط سقوطاً بائناً بثورة 25 يناير التي أوجدت شرعية جديدة وهي شرعية الثورة، على أن يعزز الدستور الجديد حقوق الإنسان وينهض بأوضاع الديمقراطية ويرسخ لبناء دولة سيادة القانون، ويحقق الفصل والتوازن بين السلطات، ويضمن استقلالية السلطة القضائية، ويحد من الصلاحيات الواسعة لرئيس الجمهورية، ويوفر الحق في تداول المعلومات، ويعيد هيكلة السلطة بهدف تحقيق التعادل بين السلطات الثلاثة، مع هيمنة نسبية للسلطة التشريعية على السلطة التنفيذية، وتراقب أدائها وتحاسبه.

ووفقاً لمحمد فرج الأمين العام المساعد لحزب التجمع فإن قوى المجتمع المدنى بأكملها ترفض هذه التعديلات الدستورية ، مطالباً بضرورة صياغة دستور جديد يتم وضعه من خلال جمعية تأسيسية وعلى أساس هذا الدستور يتم انتخاب رئيس الجمهورية ومجلس الشعب والشورى.

مضيفاً إلى أن التصويت بنعم سيجعلنا نعود بالتبعية إلى العمل بالدستور القديم، وهذا يتعارض مع منجزات الثورة التي رفضت النظام الرئاسي الفردي، بل ورفعت شعار حرية عدالة اجتماعية ودولة مدنية. وانتقد فرج الآراء التي تعلل إدخال تعديل على الدستور بسبب العامل الزمني.

مشيراً إلى أن انتخاب رئيس جديد ثم برلمان ثم سن دستور جديد يضيع الوقت، فلماذا لا نتجه إلى دستور جديد على الفور ، مطالباً بوضع إعلان دستوري يضع لنا قواعد الجمعية التأسيسية وخطة طريق لهذه الجمعية في وضع الدستور، على أن يقترن ذلك بسن العديد من القوانين التي تنظم عمل الأحزاب والنقابات والجمعيات الأهلية، فالثورة أسقطت مناهج التفكير القديم ويجب العمل على المنهج الإبداعي.

فيما شدد فريد زهران مدير مركز المحروسة على أن الموقف الحالي ملتبس، وقال: إذا قلنا نعم للتعديلات الدستورية فهذا لن يكون كافي، وخاصة أن هناك ميل لدي أجهزة الدولة للاتجاه نحو الاستفتاء على التعديلات بالتصويت بنعم.

وأعرب زهران أنه يؤدي التصويت بلا على التعديلات الدستورية، للرغبة في تحجيم صلاحيات رئيس الجمهورية، مشيراً إلى أننا نواجه في هذه المرحلة معضلات رئيسية في صياغة دستور جديد، فإذا قمنا بتشكيل لجنة ستواجه لها الانتقادات ، وإذا قمنا بانتخاب أعضائها فكيف يتم ذلك في ظل غياب الأمن، فضلا عن وجود معضلات أخرى آلا وهي استمرار الجيش في إدارة مقاليد الأمور، لأن المطلوب هو إرساء حياة مدنية وسياسية وذلك على حد قوله.