أدىاختلاف المواقفبين بوتين وميدفيديف من العملية العسكرية في ليبيا إلى وضع المسؤولين الروس في مأزق كبير.


شهد المسؤولون الروس يوم الأثنين الماضي واقعة نادرة في السياسة الروسية تمثلت بنشوء خلاف سافر بين أقوى رجلين في البلاد. فقد وجه رئيس الوزراء فلاديمير بوتين إنتقادات لاذعة لضربات الحلفاء ضد قوات النظام الليبي، من النوع الذي واجهته التدخلات الغربية في العراق وكوسوفو. ولكن الرئيس ديمتري ميدفيديف رفض تصريحات أستاذه واصفاً لغة بوتين بأنها غير مقبولة.

وقال مراقبون إن هذا الخلاف وضع جيش السياسيين المؤيدين للكرملين في مأزق بين رئيس الدولة ورئيس الوزراء، اللذين يمكن أن يتولى أي منهما الرئاسة مجددًا العام المقبل. وكالأطفال الذين يجدون انفسهم وسط مشاجرة بين الوالدين عمل هؤلاء المسؤولون كل ما بوسعهم لتجنب اتخاذ هذا الجانب أو ذاك.

وبادر النائب الشيوعي ليونيد كالاشنيكوف الذي دعا روسيا إلى إستخدام الفيتو في مجلس الأمن ضد الضربات الجوية في ليبيا إلى مخاطبة هؤلاء المسؤولين الحائرين قائلاً إنه يتفهم موقفهم عالقين بين برجي الكرملين، ولكن هذا ينبغي ألا يضر بسمعة روسيا الدولية. وقال رفيقه اناتولي لوكوت إن بيان البرلمان الروسي الذي انتقد الزعيم الليبي معمر القذافي والغرب سواء بسواء جاء معبرًا عن quot;فن الجلوس على كرسيينquot;.

وإذ يلوح موعد الانتخابات الرئاسية بعد أقل من عام يبقى من غير المعروف ما إذا كان ميدفيديف سيرشح لولاية ثانية أو يتنحى أمام بوتين الذي ما زال أكثر السياسيين شعبية في روسيا.

وكان المسؤولون الروس دأبوا على نفي الشائعات التي تتحدث عن انطلاق منافسة محتدمة بين الرجلين ، وهذا ما فعلوه بعد خلاف يوم الاثنين. فان التلفزيون الرسمي مر على الخلاف بين ميدفيديف وبوتين حول ليبيا مرور الكرام وعادت السياسة الروسية إلى سابق غموضها الذي من المرجح أن يستمر طيلة الأشهر القادمة.

ولكن محللون يشيرون إلى اتضاح أمرين من الواقعة هما اختلاف الرجلين رغم تحالفهما حين يتعلق الأمر بالعلاقات مع الغرب، وأن المحيطين بهما يخافون من اتخاذ موقف مع هذا أو ذاك.

ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن الباحثة اوكسانا انتونينكو من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن quot;أن العقد الاجتماعي الذي يجيز لك الصعود إلى قمة النخبة السياسية ينص على امتناعك عن الإختيار وأن تكون خادم السيدين معاquot;.

ولاحظ مراقبون أن الناطق باسم بوتين كان أول الملتزمين بهذه القاعدة حيث انبرى في اليوم التالي قائلاً: quot;إن ميدفيديف يدير السياسة الخارجية ورئيس الوزراء كان ببساطة يعبر عن quot;وجهة نظره الشخصيةquot;.

ولكن يبدو من المستبعد أن تتبدد آثار الخلاف بشأن ليبيا، ويتوقع مراقبون أن يؤجج الخلاف مشاعر الإستياء الشعوبي التي ظلت كامنة تحت السطح منذ حملة القصف الجوي التي نفذها حلف شمالي الأطلسي ضد صربيا في عام 1999.

وفي يوم الخميس بدأ السفير الروسي السابق في ليبيا الذي استدعاه ميدفيديف هذا الشهر يدلي بتصريحات لوسائل الاعلام. ونفى السفير التقارير التي قالت إنه اتهم ميدفيديف بالخيانة، ولكنه اعترف بارسال برقية تحذر من أن تهديد علاقات روسيا التجارية مع ليبيا quot;يمكن أن يُعد خيانة لمصالح روسياquot;.

قال النائب الشيوعي كالاشنيكوف إن القضية الليبية كشفت عن وجود خلاف عميق بين بوتين وميدفيديف. فهما يتفقان على مبدأ الاندماج الاقتصادي بالغرب ولكن بوتين ما زال يرتاب بنيات الغرب الجيوسياسية. وأضاف أن المسؤولين الروس التزموا جانب الحذر لأنهم لا يعرفون مَنْ سيقود دفة روسيا العام المقبل وأن ذلك quot;يسبب لهم توترا عصبياquot;.