أخلت إسرائيل قصر سيرجي التاريخي الذي كان يضم واحداً من أشهر المعتقلات للفلسطينيين، وذلك لإعادته إلى الحكومة الروسية مالكته الأساسية، بعد قرابة نصف قرن على المطالبة به. وتأتي هذه الخطوة في إطار التقرب الإسرائيلي من روسيا ومحاولة الإلتفاف على صفقة روسية سورية لإلغائها.
المسكوبية قديماً
نقلت السلطات الإسرائيلية سيادتها على قصر سيرجي التاريخي الذي يضم المجمع وكنيسة وقنصلية ومستشفى ومركزاً تجارياً وكنيسة ونزلين كبيرين للحجاج الروس، في القدس الغربية، إلى الحكومة الروسية بعد أن استغلته معتقلا للفلسطينيين أكثر من نصف قرن.
اخلاء قصر سيرجي التاريخي شكل بالنسبة للروس شرطا أساسيا يسبق زيارة، بينيامين نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية إلى موسكو، التي أجلت بسبب العملية التفجيرية التي حدثت في القدس مساء الأربعاء الماضي. في حين كان من المتوقع أن يناقش نتنياهو مع الرئيس الروسي دميتري مدفيديف تطورات الأوضاع السياسية في الشرق الأوسط.
لكن قرار نتنياهو القيام بزيارة خاطفة لموسكو، الأسبوع الماضي، لاقى ترحيبا مشروطا من قبل الروس quot;بالحصول على قصر سيرجيquot;. مما دفع اسرائيل للإسراع في عملية إخلاء القصر لنقله لأيدي الروس قبل هبوط طائرة نتنياهو في موسكو، وذلك في خطوة تشير إلى مدى الأهمية التي توليها إسرائيل لهذه الزيارة.
تعهدات إسرائيلية بإرجاع المبنى
كان نتنياهو قد تعهد بنقل السيادة على المسكوبية إلى الروس قبل زيارة الرئيس الروسي لإسرائيل، التي كانت مقررة بتاريخ 17 كانون الثاني يناير الماضي، لكنها ألغيت بسبب إضراب موظفي وزارة الخارجية الإسرائيلية، وباءت محاولات تنسيق زيارته الثانية بالفشل.
المسكوبية
وطلب نتنياهو في أعقاب تأجيل زيارة الرئيس الروسي في موسكو لبحث قضايا هامة لإسرائيل منها مطالبة روسيا بعدم بيع صواريخ (أرض ndash; بحر) جديدة إلى سوريا، إلا أن روسيا صممت على استعادة الكنيسة والنزل أولاً قبل التفاوض. ونظرا لشعور إسرائيل بالقلق الكبير من عقد الصفقة، وخوفا من احتمالات وصول هذه الصواريخ إلى quot;حزب اللهquot; اللبناني. كما حاولت إسرائيل إقناع روسيا بإلغاء عدة صفقات بيع أسلحة مع سوريا وإيران، فقد عجلت بنقل ملكية وتفريغ مقر المسكوبية تمهيدا لتسلمه للسفير الروسي.
مراسم تسليم القصر
المعتقل داخل المسكوبية
تعهدت إسرائيل بتسليم هذا المبنى التاريخي الذي يرجع إلى القرن التاسع عشر قرب المدينة القديمة في القدس، لروسيا قبل عدة سنوات، لكن التنفيذ تأجل مرات عدة.
وصاحبت مراسم نقل الملكية احتفالات رسمية ترأسها السفير الروسي في إسرائيل ايدي بيوتر، اذ أنه من المتوقع زيارة الرئيس الروسي إسرائيل خلال شهور حيث سيسلمه رئيس الوزراء نتنياهو مفاتيح القصر وسط احتفالات رسمية للإشارة إلى نقل السيادة على القصر بصورة نهائية إلى روسيا.
وزادت العلاقات الإسرائيلية الروسية تقاربا في السنوات القليلة الماضية، وخصوصا مع جلب أكثر من مليون روسي من الاتحاد السوفياتي السابق الى إسرائيل منذ أوائل التسعينيات.
ويجدر التركيز هنا، على أن قادة اليهود الروس يلعبون دورا مهما في إنجاح هذه العلاقات، وأولهم ليبرمان الذين يسعى الى ترسيخ وتدعيم العلاقات الاسرائيلية الروسية وتوسيع علاقات إسرائيل في محيط تركيا وإيران.
ذاكرة المكان بالنسبة للفلسطينيين
ارتبط اسم المكان في ذاكرة الآلاف من الفلسطينيين على مدى عقود مضت، بمركز توقيف واعتقال quot;المسكوبيةquot; الذي يضم غرفا للتحقيق والاستجواب و(المصطلح ndash; المسلخ) في الجزء الغربي من القدس يستخدمه جهاز الأمن الداخلي الغربي quot;الشين بيتquot; والشرطة الإسرائيلية للتوقيف والتحقيق مع معظم المعتقلين الفلسطينيين.
ومركز الاعتقال هذا جزء من مجمع روسي، مبني على الطراز الكلاسيكي، بنته الجمعية الإمبراطورية الأرثوذكسية الفلسطينية بدعم من قيصر روسيا لخدمة الحجاج الروس الذين يأتون إلى الأرض المقدسة في العام 1864. وهو يمتد على مساحة سبعين دونما على بعد مئات الأمتار من سور القدس.
يذكر ان المسكوبية من معالم القدس الغربية بنيت على الحدود بين شطري المدينة ووضعت الشرطة البريطانية يدها على كل المسكوبية (المجمع الروسي) فور سيطرتها على القدس عام 1917، وحولت نزل الرجال فيه الذي يتسع لحوالي 300 شخص إلى مقر لها ولاستخباراتها والى مركز للتوقيف. والذي تعرض لعمليتي تفجير من قبل الميلشيات اليهودية عامي 1944 و1945. وأبقت إسرائيل مقر الشرطة ومركز التوقيف كما هو حتى يومنا هذا.
أما النزل الخاص بالنساء الذي يتسع للعدد نفسه من الحجاج، فقد حولته الشرطة البريطانية إلى سجن القدس المركزي، قبل أن تقوم وزارة الدفاع الإسرائيلية بتحويله إلى متحف لتخليد ذكرى أعضاء الميليشيات اليهودية التي قامت بتفجيرات ضد أهداف بريطانية. وكانت بريطانيا تعتبرهم quot;إرهابيينquot;. وتتوسط النزلين الكاثدرائية الروسية quot;الثالوثquot; التي افتتحها الأمير نقولا في العام 1882.
المسكوبية في التاريخ
ذكرت مرشدة المكان quot;لإيلافquot; بأن المكان شيد نهاية القرن التاسع عشر على يد قيصر روسيا، وقامت إسرائيل بالاستيلاء عليه بعد احتلالها القدس عام 1967، وقد رفضت المطالبات الروسية كافة باستعادة هذا الحي، حتى أبدى رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود اولمرت عام 2008 موافقته لإعادة الموقع للحكومة الروسية، وقد حاولت بعض الأطراف الإسرائيلية منع قرار اولمرت بالتوجه إلى المحكمة العليا التي رفضت الطلب.
واوضحت المرشدة ان اسرائيل اشترت هذه المباني من الاتحاد السوفيتي السابق في 1964 فيما عرف quot;بصفقة البرتقالquot; اذ ان اسرائيل سددت الجزء الاكبر من ثمنها بصفقات تصدير برتقال يافا الى الاتحاد السوفيتي السابق.