تستمر عملية استهداف الصحافيين في مصر من قبل بقايا النظام السابق مستخدمين أساليب ترهيبية. ويروي الصحافي علي سعيد تجربته، إذ تعرض للضرب على يد البلطجية عقب كشفه ملابسات قضية quot;إنحرافات جهاز المخابراتquot;.

أحد quot;البلطجيةquot; يعتدي على صحافي في ميدان التحرير quot;أرشيفquot;

كان استهداف الصحافيين والإعلاميين في مصر أحد أدوات النظام السابق القمعية، التي يستخدمها من أجل إسكات أصوات المعارضة أو تلك الأصوات التي تكشف عوراته في مجال إنتهاك حقوق الإنسان.

وكانت أساليبه في إرهاب تلك الفئة تختلف بإختلاف شخصية الصحافي وإنتماءاته السياسية ومدى شعبيته، حيث كان يستخدم الضرب وتفتيش المنازل والقبض على الصحافي وبعض أفراد اسرته، إذا كان من المنتمين إلى المعارضة، وفي حالة إذا ما كان يتمتع بشعبية واضحة يلجأ إلى التعامل القانوني معه، حيث يتصيد له الأخطاء أو ينصب له فخ قانوني، ويتم إحالته إلى محاكمة جنائية، ويصدر ضده حكم بالسجن.

رغم سقوط النظام الحاكم بتاريخ 11 فبراير/شباط الماضي، إلا أن عملية إستهداف الصحافيين والإعلاميين ما زالت مستمرة، حيث ما زال بقايا النظام السابق يستخدمون الأساليب نفسها في إرهابهم، وكان آخر الضحايا الصحافي علي سعيد، الذي تعرض للضرب على أيدي مجموعة من البلطجية، عقاباً له على إجراء مقابلة صحافية مع الفنانة إعتماد خورشيد، حول فساد صفوت الشريف أحد أقطاب النظام السابق، الذي كان يعمل ضابطاً في جهاز الإستخبارات المصري في بداية الستينيات من القرن الماضي، وكان الضابط المسؤول عن تجنيد الفنانات والمشاهير والإيقاع بهن في حالات تلبس بممارسة الجنس، من أجل إستخدامهن في عمليات قذرة، وهي القضية التي أثارت الرأي العام المصري في نهاية عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وجرى التحقيق فيها من قبل محكمة الثورة في العام 1968، وصدر حكم على صلاح نصر رئيس الجهاز بالإقالة والسجن 15 عاماً كما صدر حكم على الشريف بالسجن لمدة عام والعزل من وظيفته.

وروى الصحافي على سعيد لـquot;إيلافquot; ما حدث له قائلاً إنه أجرى مقابلة مع إعتماد خورشيد كشفت فيها الكثير من الأسرار والعمليات القذرة التي قام بها صفوت الشريف، ضمن القضية المعروفة باسم quot;إنحرافات جهاز المخابراتquot;، و أن صلاح نصر أجبرها على الطلاق من زوجها أحمد خورشيد، وتزوجها عرفياً في حضور الشريف، بعدما هددها بوضعها في الغلاية هي وزوجها، وهي عبارة عن مكان أشبه بحمام السباحة يوجد فيه أحماض بدلاً من الماء، قادرة على أن تذيب أي إنسان خلال دقائق.

وأشارت إلى أن الشريف كان يستغل الأفلام الجنسية للفنانات اللاتي يتم الإيقاع بهن لحسابه الخاص، وكان يبيعها في بيروت، وأنه كان يستغلهن في إقامة علاقات غرامية معهن، إضافة إلى الكثير من عمليات الفساد المالي.

وأضاف سعيد: بعد نشر المقابلة في مجلة الإذاعة والتلفزيون، توجهت إليها في منزلها في حي الزمالك من أجل إعطائها نسخة من المجلة حسب طلبها، وبعد مغادرتي منزلها فوجئت باربعة اشخاص يتعقبونني، وتعمد أحدهم الإحتكاك بي، ثم إنهالوا عليّ ضرباً، حتى سقطت على الأرض، وقال أحدهم لي quot;دي رسالة ليك وليهاquot;، ثم إختفوا في لمح الطرف، وتعرضت للإصابة بنزيف من الأنف وإصابة أسفل العين، وحررت محضراً في قسم شرطة قصر النيل إتهمت فيه صفوت الشريف رئيس مجلس الشورى السابق بالتحريض على ضربي.

وأشار سعيد إلى أن تلك الأساليب كان النظام السابق يستخدمها في إرهاب الصحافيين والإعلاميين، ضارباً نماذج بالصحافي عبد الحليم قنديل، الذي تعرض للإختطاف والضرب بوحشية في الصحراء، وجردوه من ملابسه وتركوه وسط الصحراء عارياً بعد منتصف الليل في العام 2004، كما تعرّض الصحافي الراحل عادل حسين رئيس تحرير صحيفة الشعب للضرب أيضاً، وكذلك الصحافي الراحل جمال بدوي رئيس تحرير صحفية الوفد.

ولفت سعيد إلى أن رموز النظام السابق مازالوا يصرّون على التعامل بالطريقة نفسها، ويبدو أنهم مازالوا يتمتعون بنفوذ واضح، والدليل أنه لم يتم استدعاء الشريف للتحقيق، بل لم يمثل للتحقيق في جرائم الفساد المتهم فيها، فضلاً عن جريمة الإعتداء على الثوار في ميدان التحرير في يوم الأربعاء الدامي المعروف إعلامياً بـquot;موقعة الجملquot;، حيث أكد جميع الشهود وتقارير لجنة تقصي الحقائق أنه هو من خطط وأشرف على تنفيذ خطة ضرب المتظاهرين باستخدام البلطجية وعناصر من الشرطة، من أجل طردهم من الميدان وفضّ إعتصامهم بالقوة. وتساءل سعيد: هل مازال صفوت الشريف يتمتع بنفوذ رغم سقوط النظام، ولماذا لم يقدم إلى المحاكمة حتى الآن؟.

الصحافي محمد شكري تعرّض أيضاً للإعتقال والضرب بعد الثورة، وقال لـquot;إيلافquot; إنه كان حاضراً في ميدان التحرير منذ نحو الشهر، وشاهد إعتداء بعض القوات العسكرية على المتظاهرين وفضّ إعتصامهم بالقوة، وأضاف أنه أثناء تصوير تلك المشاهد، ألقي القبض عليه من قبل ضابط يرتدي ملابس مدنية، ونقل إلى مقر المتحف المصري، وكان معصوب العينيين، وموثق اليدين من الخلف، وتم الإعتداء عليه بالضرب بالعصي الكهربائية، والركل بالأحذية، حتى أصيب بخلع في الكتف ومتاعب في القفص الصدري، مازال يعانيها حتى الآن.

وأشار شكري إلى أنه تعرض للضرب رغم كشفه عن هويته الصحافية وأنه كان يقوم بعمله، بل إن الكشف عن تلك الهوية تسبب له في الحصول على نصيب أكبر من الضرب.

وأبدى شكري إندهاشه من طريقه تعامل السلطات مع الصحافيين بعد الثورة، رغم أنها قامت من أجل الحرية والديمقراطية ومحاربة القمع، وأتهم بعض من يصفهم بأنهم ينتمون إلى العقلية القديمة بالوقوف وراء تلك الإعتداءات، مشيراً إلى ضرورة أن يستوعب الجميع، سواء من في السلطة أو من خارجها، أن هناك عهدًا جديدًا قد بدأ في مصر، لا مكان فيه للعنف ضد أي مواطن، وليس الصحافيين فقط.

وأكد شكري أن مصر في حاجة إلى ثورة على العقول أو ثورة فيها، بعد نجاح الثورة في الإطاحة بالنظام الحاكم السابق الذي كان يتسم بالإستبداد والقمعية، مشيراً إلى أن ذلك يتطلب بعض الوقت، وإلى أن يحدث ذلك، ينصح شكري الصحافيين بتوخي الحذر في التعامل مع رموز النظام السابق الذين أشبه ما يكونون بالأسود الجرحى الذين سيحاولون الفتك بأي شخص يقترب منهم.

إلى ذلك، أدان محمد عبد القدوس رئيس لجنة الحريات في نقابة الصحافيين استمرار الإعتداء على الصحافيين، مشيراً إلى ضرورة إتخاذ الحكومة التدابير اللازمة نحو حمايتهم، والتحقيق الفوري مع المتهمين الإعتداء عليهم أو المحرضين على ذلك.

وقال لـquot;إيلافquot; إنه من غير المقبول إستمرار الممارسات التي تضر بحرية الرأي و التعبير بعد ثورة 25 يناير، مشدداً على أهمية تصدي جموع الصحافيين للممارسات القمعية وفساد النظام السابق، وألا ترهبهم محاولاته إسكات أصواتهم، معتبراً أن المرحلة الحالية سوف تشهد تعرض الصحافيين والإعلاميين لضغوط شديدة والضرب على أيدي بلطجية يستأجرهم رموز النظام السابق وأركانه المتورطين في الفساد، لإجبار الصحافيين على عدم الكشف عن جرائمهم، لاسيما أن الحصول على مستندات ووثائق الإدانة صار أمراً متاحاً بعد سقوط نظام الحكم، وسقوط الحماية عنهم.

في سياق ذي صلة، كشف مصدر مطلع لـquot;إيلافquot; عن تلقيمكتب قناة quot;بي بي سيquot; في القاهرة، رسالة شفاهية تطالبه بتصفيه عمله في مصر، وذلك في أعقاب بث تقرير حول تعرض بعض الثوار للتعذيب والضرب، والكشف عن عذرية الفتيات بالقوة، في أحد مراكز الإحتجاز بعد فضّ مظاهرة بالقوة في ميدان التحرير في وسط القاهرة في منتصف الشهر الماضي، وأضاف المصدر أن المكتب يدرس إمكانية التصفية والإكتفاء بمراسلين للقناة فقط.