ينتابني شعور بالقلق على ثورة الخامس والعشرين من يناير التي يراقبها العالم كله باهتمام كبير، وسبب قلقي التباطؤ الشديد في الاستجابة لمطالب الثورة، ومنها حل الحزب الوطني الذي افسد الحياة السياسية على مدى أكثر من ثلاثين عاما، ومحاكمة الرئيس المخلوع quot;حسني مباركquot; وثلاثي مرح لعب الدور الأكبر في إفساد الحياة السياسية وهم رئيس مجلس الشعب السابق quot;فتحي سرورquot;، ورئيس مجلس الشورى السابق quot;صفوت الشريفquot;، ورئيس ديوان رئيس الجمهورية quot;زكريا عزميquot; أمام محاكم عسكرية وراودني احساس بأن المجلس الأعلى جامل هؤلاء مدة كافية قبل فرض الحراسة على أموالهم ومنعهم وأسرهم من السفر، فالأول احد اكبر quot;ترزية القوانينquot; والثاني والثالث كانا ضابطين في القوات المسلحة، وإلا ما معنى أن يبقى quot;زكريا عزميquot; بعد تنحي مبارك في ديوان الرئاسة قبل أن يتم عزله وتفرض على أمواله الحراسة، ويمنع من السفر؟ وهل يمسك quot;صفوت الشريفquot; على أعضاء المجلس الأعلى quot;زلةquot; ليتركوه يعيث فسادا في الأرض على الرغم من أن التحقيقات أثبتت أنه متورط في حرق مقر الحزب الوطني على كورنيش النيل بالقاهرة حتى لا تفوح رائحة الفساد من quot;غرفة جهنمquot; التي تدين العصابة الحاكمة؟

يصاحب شعوري بالقلق حالة من العجب إزاء تحركات أمين عام الحزب quot;محمد رجبquot; الذي يطل علينا في وسائل الإعلام بطلته البهية الشبيهة بطلة الراحل quot;كمال الشاذليquot; متحدثاً عن استعداد الحزب للانتخابات البرلمانية المقبلة، وأقول في نفسي quot; صحيح اللي اختشوا ماتواquot;، واسأل: ألا يكفي أن حزبك كان أداة فساد وإفساد للحياة السياسية بتزييف إرادة المصريين، وتزوير الانتخابات، ورعاية الفساد المالي الذي أدى إلى نهب منظم لخيرات البلد وتقسيم أراضيها على المنتفعين، ليبلغ حجم الفساد الذي بتم الكشف عنه مدى لا يتخيله عقل، والفساد السياسي قد يكون اشد خطرا وأعظم من الفساد المالي، فلم يكن ممكنا سرقة كل هذه الأموال بدون نخبة سياسية فاسدة. ثم الم تثبت التحقيقات أن أعضاء من الحزب الوطني في الهرم والجيزة هم من قاموا بأوامر من quot;صفوت الشريفquot; وquot;فتحي سرورquot; وquot;أحمد عزquot; بالاعتداء على الشباب العزل في ميدان التحرير في واحدة من أكثر مواقع الثورة دموية quot;موقعة الجملquot; وهي الواقعة التي راح ضحيتها عشرات الشهداء. ألا تكفي هذه الجرائم لحل هذا الحزب المسمى quot; الوطني الديمقراطيquot; ومحاكمة الرئيس المخلوع وتطهير البلاد من كل الفاسدين وبدء مصر جديدة خالية من اللصوص والفاسدين.

ما يثير مخاوفي أيضا ما أثير في quot;الحوار الوطنيquot; الذي يفتقر للأسف لآليات الحوار المتعارف عليها في النظم الديمقراطية وأصبح برئاسة دكتور quot;يحي الجملquot; عبارة عن quot;مكلمةquot; لا جدوى منها، هذا المقترح البائس يقضي بالمصالحة الوطنية مع رموز النظام البائد، واحمد الله أن المشاركين رفضوا هذا المقترح، فلا يمكن التصالح مع رموز الفساد ومع عصابة من المجرمين كانت تحكم بلد حضاري كبير بحجم مصر، فهؤلاء جرفوا quot; بتشديد الراءquot; الحياة السياسية في مصر، وقد حان الوقت ليتواروا عن الأنظار خلف القضبان.

إن الشعب لن يستريح والرئيس المخلوع quot;حسني مباركquot; لا يزال حرا طليقاً، لقد أصبح مثوله أمام القضاء ضرورة ً ملحةً وعاجلةً لإزالة القداسة المزيفة على منصب الرئيس، فالشعب يريد معرفة حجم أمواله المهربة إلى الخارج، لأن مصر بحاجة ملحة إلى هذه المليارات، وتنتظر من الحكومة عدم البطء في استرداد الأموال المسروقة فوراً، ولن تطلب مصر مساعدات من الأشقاء،إذا كانت بعض الدول العربية تربط هذه المساعدات بعدم محاكمة مبارك، إن ما أسعدني حقا أثناء حضوري مؤتمر مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية في أبو ظبي في الفترة من 21 إلى 23 مارس الماضي حول quot;التطورات الإستراتيجية العالميةquot; أن الثورة المصرية كان لها حضور بارز في معظم الجلسات، وفي الجلسة الختامية تحدث وزير الإعلام الكويتي السابق سعد بن طفلة العجمي عن مشروع مارشال خليجي يقضي بمنح مصر 100 مليار دولار لتنهض من الأزمة الراهنة وقال quot; إن العرب بدون مصر لا شيءquot; وعبر الرجل عن مشاعر عفوية شعبية لا ترتبط بمصالح.

إن الحياة السياسية في مصر تموج بكثير من الألغاز، وتضارب الأخبار مع بعضها البعض، وهذا يزيد من حجم المخاوف وحالة الاضطراب، وعدم الاستقرار التي تشهدها البلاد، حاليا، ولابد أن يدرك المجلس العسكري وحكومة دكتور quot;عصام شرفquot; أنهم هم السبب في زيادة المخاوف بتباطئهم في الاستجابة لمطالب الثورة.

إعلامي مصري