أين حسني مبارك حالياً؟ سؤال يشغل بال المصريين جميعاً، ولا يجدون له إجابة منذ تنحّيه في 11 فبراير/شباط الماضي، إذ يزعم البعض أنه في السعودية تارة وفي دبي طورًا، وأخيراً في ألمانيا، وفي كل مرة يخرج المجلس العسكري نافياً، ومؤكداً أن مبارك وأسرته يقيمون في منتجع شرم الشيخ.


القاهرة: في الحادي عشر من شهر فبراير/شباط الماضي، أعلن تنحّيه عن منصب رئيس الجمهورية، وخرجت الجماهير المصرية، بل والعربية للشوارع تحتفل بانتصار ثورة الغضب، وبينما الجميع في حالة من النشوة، خرجت تقارير صحافية في اليوم التالي مباشرة، تقول إن الرئيس المصري السابق حسني مبارك مريض جداً، ومنذ ذلك التاريخ، تصدر تقارير إعلامية متضاربة حول حالته الصحية، بل ومقر إقامته، حيث يزعم البعض أنه خارج البلاد في السعودية تارة وفي دبيطورًا آخر، وأخيراً في ألمانيا، وفي كل مرة يخرج المجلس العسكري نافياً، ومؤكداً أن مبارك وأسرته يقيمون في منتجع شرم الشيخ في جنوب سيناء.

في يوم الجمعة الماضي، إحتشد عشرات الآلاف من المصريين في ميدان التحرير، فيما أطلقوا عليها quot;جمعة إنقاذ الثورةquot;، ورفعوا لافتات، وهتفوا مطالبين بمعرفة مكان الرئيس ومحاكمته. لكن ما الذي يجعل السلطات في مصر تفرض تعتيماً إعلامياً شديداً على الرئيس السابق وأفراد أسرته، وتترك الأمر للشائعات؟ هل هناك صفقة عقدها الرئيس السابق ضمن بمقتضاها الإفلات من المحاكمة؟.

في تاريخ 12 فبراير الماضي، زعمت تقارير إعلامية أن مبارك مريض جداً، وفي يوم 17 من الشهر نفسه، خرجت تقارير أخرى تقول إن مبارك أصيب بغيبوبة طويلة، فيما أشار آخرون إلى أنه يُحتضر، وأن حالته تتطلب السفر إلى الخارج من أجل العلاج.

غير أن تلك التقارير لم تكن بالقوة نفسها التي كانت عليها قوة تقارير جريدة الأخبار الرسمية، التي تستمد تلك قوتها من رئيس تحريرها الصحافي ياسر رزق المعروف بعلاقاته الوطيدة بالمؤسسة العسكرية في مصر التي تتولى الآن مقاليد الأمور في البلاد.

حيث نشرت الصحفية تقريراً بتاريخ 3 مارس/ آذار الماضي، قالت فيه إن الرئيس السابق موجود حالياً في مدينة تبوك السعودية، وأنه يتلقى العلاج من سرطان البنكرياس في مستشفي في قاعدة تبوك العسكرية، مشيرة إلى أنه يتلقى جلسات علاج كيماوي لمدة ساعة كل خمسة أيام، وأنه أسرته المكونة من زوجته وابنيه علاء وجمال وزوجتيهما وأطفالهما يرافقونه في رحلته العلاجية. وما لبث المجلس العسكري أن نفي تلك التقارير، مؤكداً أن مبارك وأسرته ما زالوا في مدينة شرم الشيخ.

ولم يكد يمضي أقل من شهر على التقرير الأول، وبالتحديد في تاريخ 28 مارس/آذار الماضي، حتى نشرت الصحيفة تقريراً جديداً في صدر صفحتها الأولى، وكان المانشيت الرئيس منسوباً لمن وصفته بـquot;المصادر المطلعةquot;، وأكدت فيه ما نشرته في السابق، وقالت إن الرئيس السابق وجميع أفراد أسرته يقيمون في تبوك، وأنه يخضع للعلاج من السرطان.
لكن جاء رد المجلس العسكري هذه المرة بشكل قاطع، مؤكداً أن مبارك وأسرته يخضعون للإقامة الجبرية في مدينة شرم الشيخ.

بالأمس، في الثالث من أبريل/نيسان 2011، بثت قناة الجزيرة خبراً، مفاده أن مبارك سافر لتلقي العلاج في أحد مستشفيات ألمانيا، و كالعادة نفى المجلس العسكري ذلك الخبر.

أين مبارك حالياً؟ سؤال يشغل بال المصريين جميعاً، ولا يجدون له إجابة منذ تنحّيه في 11 فبراير/شباط الماضي، ولم يبق سوى أن يطالبوا بـquot;مظاهرة مليونيةquot; يهتفون فيها quot;الشعب يريد معرفة مكان الرئيس السابقquot;.

السؤال طرحناه على الدكتور عمار على حسن رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات السياسية والإستيراتيجية، وجاءت إجابته حاملة الكثير من المعلومات الخطرة، وقال إن سيناريو خروج مبارك، مقابل تأمين حياته هو وأسرته وضمان عدم محاكمته كان مطروحاً منذ إشتداد ثورة 25 يناير.

وأضاف: بتاريخ 7 فبراير الماضي، أي قبل تنحّي مبارك بخمسة أيام فقط، عقد السفير الألماني في القاهرة لقاء مع عدد محدود من المثقفين المصريين، ووجّه إليهم سؤالاً واحدًا فقط: هل ستتأثر صورة ألمانيا بالسلب في مصر والشرق الأوسط لو استضافت مبارك؟.

وكانت الإجابة أن مثل هذا الإجراء مرحّب به للخروج من الأزمة، ولكن قد يؤثر في صورة ألمانيا سلبياً بالطبع، وفي اليوم التالي مباشرة التقى السفير الألماني بالفريق أحمد شفيق رئيس الوزراء في ذلك الوقت، ونقلت إليَ معلومات حول اللقاء تفيد بأنه جرى الإتفاق على أن يرحل مبارك إلى ألمانيا بحجة العلاج، ثم يخرج منها إلى دبي ليستقر بها، وعزز من ذلك الإحتمال زيارة وزير الخارجية الإماراتي لمصر في اليوم نفسه أو في اليوم التالي.

وأضاف حسن: كان هذا السيناريو هو المعد لخروج مبارك من السلطة، بحيث يتنازل عن صلاحياته لنائبه عمر سليمان، ويغادر البلاد، وقد تضمن خطابه الأخير الذي أذيع في يوم 10 فبراير تنازله عن صلاحياته لسليمان، لكن يبدو أن هناك أموراً حالت دون تنفيذ ذلك السيناريو، حيث أجبر في اليوم التالي على التخلي عن منصب رئيس الجمهورية، وجرى نقله إلى مدينة شرم الشيخ.

وتابع حسن قائلاً: تلقيت معلومات من مصدر مقرب من المجلس العسكري في بداية شهر مارس الماضي تفيد بأن مبارك يخضع للعلاج من سرطان البنكرياس بمستشفى تبوك العسكري في السعودية، وأنه يجيء ويروح بين مصر والسعودية أسبوعياً، وجاء ذلك متزامناً مع نشر جريدة quot;الأخبارquot; المقرب رئيس تحريرها من المجلس العسكري الخبر نفسه. وتكرار الخبر معناه أنه صار معلومة مؤكدة رغم نفي المجلس العسكري.

ويرجح حسن أن يكون مبارك موجودًا بالفعل منذ تنحيه عن السلطة في تبوك للعلاج، ولكن يبدو أن حالته تدهورت بما يستدعي نقله لتلقي العلاج في ألمانيا، ورغم نفي العسكر، إلا أن الأمر يبدو قريباً إلى الحقيقة في ظل عدم تعامل المجلس العسكري بشفافية مع تلك القضية، وستظل الأمور تزداد تعقيداً ما دام من في السلطة حالياً، وكأنه ما زال رأس النظام، حتى ولو من باب التعاطف معه بإعتباره أحد أقطاب المؤسسة العسكرية.

من جانبه، يقول محمود سليمان أحد العاملين السابقين في رئاسة الجمهورية، إن السيناريو الذي ذهب إليه عمار على حسن، كان قائماً بالفعل. وقال لـquot;إيلافquot; إن قرينة الرئيس السابق ونجله الذي كان يطمح لتولي الرئاسة أجبرا مبارك على عدم الوفاء بتنفيذ الصفقة بالتخلّي عن صلاحياته لنائبه عمر سليمان، والسفر لألمانيا ومنها إلى الإمارات العربية المتحدة، وهي الصفقة التي أحيط بها الرئيس الأميركي بارك أوباما علماً، لاسيما أن مبعوثه الشخصي فرانك ويزنر كان أحد أضلاعها.

يؤكد ذلك غضب أوباما من خطاب مبارك يوم الخميس 10 فبراير الماضي، حيث شنّ مبارك هجوماً حاداً على من وصفها بالقوى الخارجية، وأعلن أن مصر لن تقبل بأية إملاءات خارجية، وقال أوباما إنه أُبلغ أن مبارك سوف يتخلى عن السلطة.

وأضاف سليمان أن مبارك لم يكن مرتاحاً للصفقة، لاسيما بعدما أقنعه نجله جمال وحاشيته بقدرتهم على القضاء على الثورة خلال ثلاثة أيام فقط، لكن الشعب أصيب بالغضب بعد خطاب مبارك الثالث، الذي بدا فيه متشبثاً بالسلطة، لافتاً إلى أن إحتمالية وجود مبارك في السعودية قائمة وبقوة، لاسيما أنه كان يدرك أنه لو إختار الإستقرار في أي من الدول الأوروبية سيكون عرضة لمضايقات من الإعلاميين والساسة المعارضين والحقوقيين هناك، وأنه يفضل الإقامة في السعودية، لأنه بلد متقدم جداً في مجال الطب والتداوي.

من جهته يؤكد المرشح للانتخابات الرئاسية الدكتور أيمن نور لـquot;إيلافquot; أن التعتيم على مكان الرئيس السابق وأفراد أسرته يؤكد أن هناك أمرًا ما قد دبّر في ليل، والدليل التباطؤ في محاكمته أو إستعادة الثروات التي نهبها هو وأسرته من البنوك الخارجية، مشيراً إلى أن هذا التباطؤ يصل إلى حد التواطؤ.

وأضاف نور أنه إذا كان مبارك ما زال رهن الإقامة الجبرية في مدينة شرم الشيخ، فلماذا لا تأمر السلطة بأن يظهر بنفسه في أية لقطات حية، لافتاً إلى أن تلك القضية لابد أن تحسم، لاسيما أن البعض يشكك في أنه ما زال يمارس الحكم من شرم الشيخ، فيما يعتقد آخرون أنه خارج البلاد، وسوف تظل تلك الحالة من الشك وأجواء الشائعات، طالما أنه لم يتم التعامل معها بمنتهى الشفافية.