أكد شيخ الأزهر أحمد الطيب أن الأزهر الشريف مستمر في نهج تفعيل مبادرات حوار الأديان والثقافات، فيما انتقد مفتي مصر بشدة حرق المصحف، واعتبر ذلك جريمة عنصرية، بينما اعتبر رئيس الطائفة الإنجيلية في مصر أن أسلوب حرق القرآن مرفوض تمامًا.
القس جونز يشرف من خلف حاجز على عملية احراق القرآن |
رغم مرور نحو عقد من الزمن على أحداث سبتمبر/ أيلول في أميركا، إلا أن آثارها ونتائجها وتداعياتها مازالت مستمرة حتى الآن. وقد إقترحت قيادات حركات إسلامية في أميركا بناء مركز إسلامي في موقع هذه التفجيرات لبدء صفحة جديدة من التسامح والتعايش والإندماج بين المسلمين والأميركيين، ولتغيير هذه الذكرى الأليمة التي راح ضحيتها عدد من الأميركيين.
وقد توعد قس أميركي إنجيلي متطرف يدعى تيري جونز بمحاسبة الإسلام -على حد قوله- متمثلاً في محاكمة القرآن الكريم، حيث أدان القرآن الكريم، ووضع أربعة أشكال للعقاب وهي الحرق أو التمزيق أو السحق أو الرمي بالرصاص. وقد نفذ القس quot;عقوبة الحرقquot; لنسخة من المصحف الشريف في كنيسته في فلوريدا في العشرين من شهر مارس/آذار الماضي.
وقد جاء رد فعل الحكومة الأميركية مخيبًا لآمال المسلمين، وخاصة عند تناول الرئيس الأميركي هذه الحادثة ووضعها تحت بند الحريات الدينية، وليس إستفزازًا لمشاعر مليار ونصف مليار مسلم، أو إعتبار ذلك تطرفًا ومغالاة. أما الواقعة الثانية التي شهدتها بريطانيا خلال الأسبوعين الماضيين هي قيام عضو في الحزب الوطني البريطاني اليميني يدعى ساين أوينز والمرشح في إنتخابات برلمان ويلز المقبلة بحرق نسخة من المصحف الشريف في حديقة منزله أملاً في كسب المزيد من أصوات الناخبين، وقد إعتقلته الشرطة بعدما شاهدته في شريط فيديو أثناء قيامه بذلك.
كما تم إعتقال مصور الفيديو الذي صوره، وكان هناك رد فعل قوي من جانب وزارة الداخلية البريطانية، حيث صدر منها بيان أدانت فيه بشكل مطلق إحراق المصحف quot;لأن في هذا العمل إساءة بالغة لقيم التعددية الاجتماعية ولروح المجتمع المتسامح التي نتحلى بها، كما ندين بالقدر نفسه أي محاولة لزرع الشقاق بين شرائح المجتمع، ونلتزم بصيانة مبدأ أن يكون لكل شخص الحق في الحياة بدون خوف من العداء والتحرش به على أي شيء يتفرّد به مثل ديانتهquot;.
يبدو أن هذين الحدثين مرّا مرور الكرام في العالمين الإسلامي والعربي نتيجة ثورات التغيير في المنطقة، التي أطاحت برؤوس quot;أنظمة ديكتاتوريةquot;، لكن بإستثناءات محددة، حيث خرجت مظاهرات وصدرت إحتجاجات عارمة في أفغانستان ردًا على حرق القس الأميركي المصحف الشريف، وقامت إحدى المجموعات الغاضبة من المسلمين بالهجوم على مقر بعثة الأمم المتحدة في منطقة مزار الشريف، ما أسفر عن مقتل سبعة من الموظفين.
شيخ الأزهر.. أميركا وسياسة الكيل بمكيالين
أحمد الطيب شيخ الأزهر |
على صعيد الأزهر، إنتقد الإمام الاكبر د. أحمد الطيب شيخ الأزهر، في تصريحات صحافية، حديث الرئيس الأميركي باراك أوباما حول واقعة قيام القس الأميركي بحرق المصحف، معتبرًا أن تصريحات أوباما تؤكد إستمرار سياسة الكيل بمكيالين تجاه قضايا المسلمين، التي دأبت عليها الولايات المتحدة الأميركية.
لافتاً إلى أن الغرب ينتهج سياسة التمييز ضد الإسلام والمسلمين في كل مكان، ومعلنًا أن الأزهر الشريف مستمر في نهجه بتفعيل مبادرات حوار الأديان والثقافات إنطلاقًا من القواسم المشتركة للإنسانية، كما أعلن عن إنشاء وحدة تنسيق بين الأزهر ولجنة حوار الأديان والحضارات في الأمم المتحدة ووزارة الخارجية المصرية للإعداد للجنة تشارك فيها الجهات الثلاث لعقد ندوات متعددة، سواء في القاهرة أو أوروبا، للتقريب بين الحضارات وتوضيح المفاهيم الصحيحة بين الأديان المختلفة، وإظهار القواسم المشتركة بين الأديان.
جمعة: جريمة عنصرية
مفتي مصر د. علي جمعة |
من جانبه، دان مفتي مصر د. علي جمعة حرق قس نسخة من المصحف، معتبرًا ذلك quot;جريمة عنصرية تتطلب من المسلمين الوقوف سويًا ضد حملة التشويه العاتية التي تصوّر الإسلام على أنه دين يشجع العنف ويؤسس للإرهابquot;.
ودعا جمعة الجميع إلى العمل بكل جدية للتعريف بحقيقة الإسلام ولضمان عودة حقوق المسلمين إليهم، ورفع الظلم عنهم في كل مكان، مؤكدًا quot;أن منهج الدعوة إلى الله يقوم على الرفق واللين، ويرفض الغلظة والعنف في التوجيه والتعبير، ويقوم على التوازن والاعتدال والتوسط.
وشدد جمعه على أن نزعات الغلو والتطرف والتشدد ليست من طباع المسلم الحقيقي المتسامح المنشرح الصدر، كما إنها ليست من خواص أمة الإسلامquot;.
قطع العلاقات الدبلوماسية
طه أبو كريشه، نائب رئيس جامعة الأزهر الشريف سابقا |
من جهته يقول د.طه أبو كريشه، نائب رئيس جامعة الأزهر الشريف سابقًا إن الرد المناسب والواجب يجب أن يكون من خلال كل الدول الإسلامية والعربية بقطع العلاقات الدبلوماسية مع الدولة التي تم على أرضها هذا الحدث.
وأضاف: quot;يجب تنفيذ ذلك في حال لم تقدم هذه الدولة إعتذارًا إلى جميع المسلمين في أنحاء العالم كافة، وإذا لم تقدم أيضًا هذا القس أو غيره إلى المحاكمة لكي تدينه، وتوقع عليه القرار المناسب، والذي لابد أن يصل إلى أقسى مدى، نظرًا إلى ما فيه من عدم تقدير لمشاعر المسلمين في كل العالمquot;.
وتابع أو كريشه قائلاً: quot;وأعتقد أن هذا هو الرد الواحب والمناسب، وهو أمانة في عنق المسؤولين في كل دول العالم الإسلامي، يجب أن يؤدونها، إذا كانت لديهم الغيرة على دينهم وعلى كتاب ربهم سبحانه وتعالى، وإلى جانب ذلك نقول إن هذا الحاقد لن يمسّ من جوهر القرآن الكريم شيئًا، وإنما أساء إلى نفسه وإلى من ينتسب إليهم من دولته ومن أهل دينهquot;.
وأضاف: quot;أما القرآن الكريم فهو محفوظ بحفظ الله تعالى، وسوف يزداد حافظوه في صدورهم إلى أبد الدهر من دون أن ينال من ذلك ما يفعله الحاقدون الذين أعماهم التعصب وأعمتهم أهوائهم المريضة، وهذا الأمر ليس الرد عليه مقصورًا على جهة خاصة مهما كان ثقلها، ولكن يبقى أن يكون الرد جماعيًا على مستوى العالم الإسلامي، لأن ذلك فرض عين بالنسبة إلى الجميع، ولن ينوب أحد عن أحد في ذلك، لأن المسؤولية هنا عامة، وليست خاصة، لأن هذا كتاب اللهquot;.
القس د.صفوت البياضي |
رفض وإستنكار
من ناحيته قال القس د.صفوت البياضي، رئيس مجلس كنائس الشرق الأوسط ورئيس الطائفة الإنجيلية في مصر أن ماحدث ليس جديدا موضحا أنه في شهر يوليو الماضي كان هو شخصيًا في زيارة إلى ولاية فلوريدا الأميركية وسمع عن القس تيري جونز.
وأضاف: quot;وأرسلت له رسالة عبر بريده الإلكتروني، وهو ينتمي إلى الكنيسة الإنجيلية، كما أرسلت رسالة إلى مجلس الكنائس العالمي، وقلت فيها إننا نرفض ها الأسلوب لأننا نحترم كل الديانات والقيادات والرموز، وأن الإساءة إلى الرموز هي إساءة إلى الجنس البشري، وإستنكرت ما قال، وجاءني الرد من مجلس الكنائس العالمي بأن هذا القس ليس له هيئة أو مرجعية، وهو شخص مرفوض من كل الهيئات، وله كنيسة مستقلة، ولا يوجد فريق يدعمه، وإنما هدفه لفت الإنتباه ونغمة نشاز، ولافتًا إلى أن مجلس الكنائس العالمي أصدر بيانًا في حينه أعرب فيه عن رفضه هذا الأسلوب، كما أن هذا القس ليس عضوًا في هذا المجلسquot;.
البياضي: رد فعل مجنون
وكشف د.البياضي عن أن القس تيري جونز قام بهذا الفعل ردًا على إقامة مشروع مركز إسلامي في موقع تفجيرات مركز التجارة العالمي في نيويورك، على الرغم من أنه يعيش في فلوريدا في كنيسته، وأضاف قائلاً: quot;وهو رد فعل مجنون، ونوع من إظهار الذات، وهو أسلوب ضد الحريات وإحترام الأديان والإنسانيةquot;.
وشدد على أهمية الحوار بين الأديان، وأن الحوار دائمًا يكون ما بين عقلاء ونظرائهم، بينما الذين يسيئون ليسوا بمتحاورين، واصفًا بأن علاقتهم بالأزهر الشريف طيبة، ومطالبًا توسيع قاعدة الحوار للوصول إلى رجل الشارع.
الدين والسياسة
وردًا على سؤال حول قيام بعض المسيحيين بإنشاء أحزاب في مصر، رفض د. البياضي إنشاء أي حزب يقوم على إتجاه ديني، لأن المسيحي والمسلم -على حد قوله- أعضاء في المجتمع. وقال نرفض أحزاب قائمة على المرجعية الدينية في السياسة، لأن الدين أرقى بكثير من السياسة، والأخيرة متغيرة، بينما الدين ثابت، وإذا إرتكزت العلاقة السياسية على أسس دينية، فهي تنهار. كما أبدى البياضي موافقته على ترشح مسيحي لرئاسة الجمهورية، على إعتبار أنه مواطن، غير أنه عاد وشدد على أنه من الناحية العملية لن يتحقق.
العلمانية
أما الكاتب والباحث السياسي د.رفيق حبيب فقد فعزا أسباب quot;هذه الإساءاتquot; من قبل بعض الشخصيات في الغرب إلى القواعد العلمانية quot;لأنها نزعت القداسة، فأصبحت الرموز والمعاني الدينية مباحة، ويمكن أن توجه إليها الإهانة أو النقد أو التقليل من شأنها، وهذه توابع العلمانية -على حد قوله- التي جعلت أي قول يتضمن عنصرية تجاه فئة معينة، وهذا محرم قانونًاquot;.
د.رفيق حبيب |
وأضاف: quot;أما الحضّ على كراهية الأديان فهو مباح أيضًا، وبالتالي هذا الأمر أدى إلى ظاهرة خطرة في تصوري، وهي أن التعدي على الرموز الإسلامية أصبح نوعًا من الحضّ على كراهية المسلمين، مما أثر على علاقة الغرب بالمسلمينquot;.
وتابع: ومن الواضح أن المؤسسات المسيحية التي تقوم بالحوار، والتي ترفض مثل هذه الأفعال مثل حرق المصحف، ليس لها تأثير معنوي على الرأي العام الغربي، وغير قادرة أيضًا على وقف حملة الكراهية ضد الإسلام، وهو مايعني أن الحوار الإسلامي - المسيحي ليس إلا حوار النخب، ولا أثر له على الرأي العام الغربي، الذي يلاحظ أنه يتجه يمينًا نحو الإتجاهات العنصرية، التي تتميز بكراهية الأجانب عمومًا والعرب والمسلمين حسب قوله.
وأضاف: quot;ما ظهر في إستفتاء سويسرا حول منع بناء المآذن، والذي واجه رفضًا كبيرًا من الرموز السياسية الغربية، يشير إلى أن الرأي العام الغربي أصبح يتجه إلى مزيد من العنصرية، حتى وإن كانت المؤسسات السياسية الغربية لها موقف آخرquot;.
وتوقع حبيب زيادة ظاهرة quot;الإسلام فوبياquot;خلال المرحلة المقبلة، نتيجة أن الحضارة الغربية تمرّ بمراحل تنتشر فيها العنصرية بصورة كبيرة.
تأثير الفاتيكان يتراجع
وأكد حبيب أن السبيل للحل يكمن في تفعيل دور المؤسسات الدينية، خاصة مؤسسة الفاتيكان، وإن كان الرأي العام الغربي أصبح علمانيًا في مجمله، وتأثير الفاتيكان في أوروبا بدأ يتراجع. وأضاف: quot;لذلك أعتقد أن وسائل الإعلام لها الدور الأول وأيضًا مؤسسات صناعة الوعيquot;. متوقعًا أن هذا الوضع سيتغير بتغير الموازين الدولية، لأن شعور الغرب أنه القوة الأعظم غالبًا يرافقه شعور بالعنصرية، وعندما يحدث توازن في المنظومة الدولية ستكون الشعوب الغربية أكثر إنفتاحًا وأقل عنصرية حسب قوله حبيب.
التعليقات