أصدرت وزارة الشؤون الإجتماعية الإماراتية قراراً تحُلّ بموجبه جمعية الحقوقيين، إثر تحقيقات مستعجلة مع رئيس مجلس إدارتها محمد عبدالله الركن الثلاثاء الماضي، بعد توقيع الجمعية على عريضة تعرف باسم انتخابات عامة لأمّة راشدة.
دبي: قالت وزارة الشؤون الاجتماعية الإماراتية إنه بناء على ما عرضه رئيس لجنة التحقيق المشكلة من الوزارة فقد قررت حلّ مجلس الإدارة المنتخب، وتعيين مجلس إدارة مؤقت للجمعية لمدة ستة أشهر، إلى حين إجراء انتخابات جديدة، على أن يبدأ المجلس المؤقت مزاولة أعماله اعتبارًا من تاريخ صدور القرار وهو 21 ابريل/نيسان الجاري برئاسة زايد سعيد سيف الشامسي، وعضوية كل من عبدالله خميس غريب الناخي وسارة هزيم الشامسي وخليفة يوسف بن عمير ومحمد بطي ثاني الشامسي.
وقام مدير إدارة الجمعيات ذات النفع العام حمد المناعي بإرسال خطاب رسمي يفيد بذلك إلى رئيس مجلس إدارة جمعية الحقوقيين محمد الركن، وأشار قرار الوزارة الى أن مجلس إدارة الجمعية خالف أحكام القوانين الاتحادية الخاصة بشؤون الجمعيات والمؤسسات الأهلية ذات النفع العام.
ونصّ القرار أنه يتعين على أعضاء مجلس إدارة الجمعية والموظفين القائمين في العمل فيها أن يبادروا بتسليم المجلس المؤقت كل أموالها وفروعها وسجلاتها ودفاترها ومستنداتها. في المقابل يجب على مجلس الإدارة المؤقت موافاة الوزارة بتقرير شامل كل ثلاث أشهر عماجرى اتخاذه من إجراءات مع الالتزام التام بإحكام القانون الاتحادي المنظم لعمل الجمعيات والمؤسسات الأهلية ذات النفع العام.
وقالت مصادر مطلعة لـ quot;ايلافquot; إن حركة الإخوان المسلمين في الامارات قد تلقت ضربة موجعة معنويًا وعمليًا بصدور هذا القرار. موضحة ان اكثر من 100 محام اماراتي كانوا قد تقدموا بطلبات لحلّ مجلس ادارة جمعية الحقوقيين الاماراتية واجراء تحقيق مع رئيس مجلس ادارتها الدكتور محمد الركن ونائبه الدكتور محمد المنصوري وعضو الجمعية المحامي عبدالحميد الكميتي المحسوبين على تيار الاخوان المسلمين.
وذكرت المصادر أن أعضاء الجمعية رفضوا ان يمثلهم مجلس ادارة quot;لا يمتلك الحد الأدنى من الحس الوطني، ويتعمد تبني طروحات لناشطين أفراد لا يعبّرون بأي شكل عن رغبات المواطنين الإماراتيينquot;.
وقال مصدر في جمعية الحقوقيين quot;وجدت الجمعية نفسها وعلى لسان رئيسها ونائبه وعضو فيها وكأنها تدافع عن قضية أحمد منصور.. وأدرك عدد كبير من المحامين الأعضاء أن موقف الركن والمنصوري والكميتي، انما يعبّر عن خلفيتهم الإخوانية، التي اصبح واضحًا ارتباطها بأجندات بعيدة عن الحس الوطنيquot;.
وأضاف المصدر، الذي فضل عدم ذكر اسمه، quot;سارع الأعضاء الى المطالبة بالتحقيق وبشكل مستعجل، حرصًا منهم على أن لا تختطف أصواتهم باسم الدفاع عن حرية الرأي، في حين يدرك الجميع أن القضية فتنة في الدرجة الأولىquot;.
ولفت المصدر إلى أن quot;الركن ونائبه المنصوري وعضو الجمعية عبدالحميد الكميتي أساءوا التقدير، وانجرفوا وراء فكرة أن المنطقة تشهد حركة احتجاجات، وأن بإمكانهم الاستفادة منها.. لكن فاتهم أن المحتجين العرب عندما يقارنون بين واقع بلادهم فإنهم يريدون أن يعيشوا كما يعيش الاماراتيونquot;. مبينة أن هذه الحقيقة يدركها الاماراتيون قبل غيرهم وهم سعداء بعلاقتهم بحكامهم.
تعرض الركن والمنصوري والكميتي الى انتقادات شعبية شديدة بعد تبنيهم لما وصفه إماراتيون بـ quot;فتنة أحمد منصورquot; - يقال عنه إنه ناشط حقوقي- أطلق تعليقات اعتبرت مسيئة بحق رئيس دولة الامارات الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان وولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان. وشنّ اماراتيون حملة غير مسبوقة على احمد منصور بعد وصفه جولة الشيخ محمد بن زايد في عدد من مدن وبلدات الامارات ولقاء المواطنين فيها بأنها quot;رشوةquot;.
وتبادل إماراتيون رسائل المحمول القصيرة، وأنشأوا صفحات على الانترنت وعلى مواقع التواصل الاجتماعي مثل فايسبوك وتويتر، للتنديد بما ذكره منصور عن مسؤولي الدولة. وازدحمت صفحات فايسبوك بردود من ابناء القبائل الاماراتية الكبرى تطالب بمحاكمة منصور والركن والكميتي، واتهمتهم بأنهم طارئون على المجتمع الاماراتي، وأنهم لا يفهمون الخصوصية الثقافية والاجتماعية والتراثية للعلاقات بين الحاكم والمواطن.
موضحين ان العلاقة بين القيادة الإماراتية ومواطنيها تعدّ حالة مثالية مترسخة عبر أجيال. وأطلق عدد من الاماراتيين حملة quot;إلا خليفةquot;، التي أشادت بإنجازات رئيس الدولة الشيخ خليفة بن زايد وأنه وولي عهد أبوظبي الشيخ محمد وشيوخ الامارات الذين هم امتداد لمؤسس دولة الاتحاد الراحل الشيخ زايد بن سلطان ال نهيان.
وكان أعضاء مجلس ادارة الجمعية المقال قد وقعوا مع ثلاث جمعيات أخرى هي جمعية المعلمين وجمعية الشحوح للتراث الوطني وجمعية اعضاء هيئة التدريس في جامعة الامارات على مبادرة قدموها إلى الحكومة تسمّى quot;انتخابات عامة لأمة راشدةquot;قالوا فيها quot;لقد حان الوقت لضمان حق المشاركة السياسية لكل مواطن اماراتي بلغ سنّ الحادية والعشرين فى الاقتراع الحر المباشر في الانتخابات العامة لمجلس وطني اتحادي كامل الصلاحيات الرقابية والتشريعية فى سبتمبر/أيلول 2011quot;، لافتين الى أن هذا حق انساني وشرعي وقانوني، وأن على الحكومة تحقيق هذا المطلب بعد مرور أربعين عامًا على انشاء دولة الامارات، وذلك لأسباب تاريخية ودستورية ودولية واقليمية عدة.
أسباب تاريخية
بدورها أكدت مبادرة quot;انتخابات عامة لأمة راشدةquot; أن فكرة حقانتخاب اعضاء المجلس الوطني ليست أمرًا مستحدثًا على شعب الامارات، بل له خلفياته التاريخية، موضحة أنه قد تم اقتراح هذا الحق لشعب الدولة للمرة الأولىفي الدورة الثالثة للاتحاد التساعي فة الدوحة في مايو/أيار 1969، بحيث تكون الانتخابات الوسيلة الوحيدة لتشكيل المجلس الوطني الاتحادي، وبسبب عدم الاجماع بين اعضاء الاتحاد حينها على هذا الحق، فقد تركت مسألة تحديد طريقة اختيار أعضاء المجلس لكل امارة دون قصرها على وسيلة التعيين أو الانتخاب الجزئي، كما أوضحت ذلك المادة 69 من الدستور وتقرر اقتراح حق الانتخاب لشعب الدولة في مشروع الدستور الدائم الذي وضع عام 1976.
والمرة الثالثة كانت عندما أوردت مذكرة مشتركة بين مجلس الوزراء والمجلس الوطني الاتحادي المرفوعة للمجلس الأعلى للاتحاد في 13 فبراير/شباط 1979 موضوع المشاركة السياسية التي تعني الانتخاب الحر المباشر لجميع المواطنين، حيث ذكرت تلك المذكرة حينئذ وفقًا لما جاء في المبادرة: quot;وليس بالخبز وحده يحيا الشعب.. فالشعب هو دعامة الوطن وحاميه، وهو القاعدة العريضة العاملة على استقراره وتقدمه.. ولذلك فإنه يجب بناؤه كذلك بناء ديموقراطيًا يعتمد على توفير الحريات وافساح مجالات الرأي والفكر وتدريبه على المشاركة السياسية في شؤون البلاد في اطار ديموقراطي سليمquot;.
وذكرت المبادرة أن عدم اشراك جميع مواطني الدولة في اختيار من يمثلهم فى المجلس الوطني الاتحادي بعد مرور عقود على إنشاء الدولة والتجارب التاريخية التي مرت بها لا يتسق مع التطور التاريخي الذي شهدته البلاد في كل جوانب الحياة الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية.
أسباب دستورية
أضافت المبادرة أن الدستور في سطورة الأولى نصّ على أن هدفه هو السير بالشعب الى حكم ديموقراطي نيابي متكامل الأركان، وان هذا الحكم لابد ان يقوم على أركان عدة، أهمها المشاركة السياسية العامة لكل المواطنين في الترشيح والإنتخاب لمن يمثلهم في المجلس النيابي وعدم قصر هذا الحق على فئة أو طائفة أو نسبة معينة من الشعب، وأن يكون المجلس المنتخب ذا صلاحيات تشريعية ورقابية حقيقية ليمارس دوره نيابة عن الشعب.
وأوضحت المبادرة أن الدستور الذى وضعه مؤسس دولة الإمارات الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان قد أرثى مبادئ عدةفى شؤون الحقوق والحريات العامة لمواطني الدولة، منها حق المساواة بينكل المواطنين كدعامة من دعامات المجتمع، وحق المساواة أمام القانون وعدم جواز التمييز بين مواطني الدولة على أي اساس كان. مشيرة إلى أن قصر حق الانتخاب والترشيح على نسبة لا تتجاوز 4% من مواطني الدولة تشوبه شائبة مخالفة هذه المواد الدستورية حيث إن ذلك يحرم غالبية المواطنين من حق الترشيح والانتخاب، كما يوجد نوع من التمييز وعدم المساواة بين المواطنين.
أسباب دولية
أشارت المبادرة إلى أن الدولة التزمت أمام المجتمع الدولي من خلال توقيعها وتصديقها على مجموعة من الاتفاقيات الدولية بتوفير ممارسة الحقوق السياسية لمواطنيها كحق الاشتراك في الانتخابات اقتراعًا وترشيحًا بدون تمييز بينهم، لافتة الى أنه لذلك عليها عند سنّ قانون لممارسة هذا الحق الأساسي أن يكون القانون متماشيًا مع التزامات الدولة الواردة في القانون الدولي.
أسباب اقليمية
وأوضحت المبادرة أن دول مجلس التعاون الخليجي ذات الظروف الاجتماعية والسياسية والثقافية المتشابهة مع دولة الامارات يمارس مواطنوها كافة ومنذ سنوات حق الترشيح والانتخاب في انتخابات نيابية او بلدية، مثل السعودية والكويت وسلطنة عمان والبحرين وقطر. مبينة أن اقتصار حق الانتخاب والترشيح على شريحة بسيطة من مواطني الامارات يجعل الدولة في مؤخرة ركب دول مجلس التعاون، كما إن ذلك لا يتناسب مع التقدم الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والوعي الذي تحظى به الدولة حكومة وشعبًا.
لتلك الاسباب سالفة الذكر، طالبت الجمعيات الأربع الموقعة على المبادرة بضمان ممارسة مواطني الامارات كافة رجالاً ونساء حقوقهم السياسية والمدنية المكفولة دستوريًا ودوليًا من خلال المشاركة في انتخابات مجلس وطني اتحادي ذي اختصاصات تشريعية وسياسية كاملة تتوافق مع نظام ديمقراطي نيابي متكامل الأركان.
الجدير بالذكر أن الدكتور محمد عبد الله الركن رئيس مجلس إدارة جمعية الحقوقيين المقال كان قد اعتقل مرتين في شهري يوليو/تموز وأغسطس/آب من عام 2006. وأشارت المصادر وقتها إلى quot;ان الناشط الحقوقي الركن اعتقل في المرة الأولى بسبب تصريح أدلى به إلى إحدى القنوات الفضائية عن الاوضاع في لبنانquot;.
محمد عبد الله الركن
محمد عبد الله الركن هو من مواليد دبي عام 1962، تعلم في مدارس دبي، وشارك في فترة لاحقة في برامج تلفزيونية ذات طبيعة طلابية من خلال تلفزيون دبي، ودرس الهندسة الكيميائية في أميركا، ولكن منذ البداية لم تكن لديه أي اتجاهات للدراسة العلمية، فاتجه إلى دراسة القانون.
في عام 1981 التحق الركن بجامعة الإمارات، وتخرج فيها في عام 1985، وعيّن مباشرة بعد التخرج في كلية الشريعة والقانونquot;تخصص القانون الدستوريquot;. وحصل على درجة الدكتواره في القانون من جامعة واريك في المملكة المتحدة عام 1992.
يقال عنه إنه واحد من النخب الثقافية الخليجية، وإنه إسلامي متنور، تركز كتاباته الفكرية السياسية على القضايا العربية. تأثر الدكتور الركن بفكر الشيخ الغزالي والدكتور يوسف القرضاوي، كما يميل الركن في قراءاته إلى الكاتب الصحافي المعروف محمد حسنين هيكل.
عمل وكيلاً لكلية الشريعة والقانون في جامعة الإمارات (1998-2000). وهو عضو الجمعية الدولية للقانون الدستوري، وعضو الجمعية الأميركية للقانون الدولي، وعضو في الهيئة الإدارية للإتحاد الوطني لطلبة الإمارات - فرع الامارات سابقًا.
للدكتور الركن عدد من البحوث العلمية المنشورة في دوريات علمية محكمة في دولة الإمارات ومصر والمملكة المتحدة، كما شارك في العديد من المؤتمرات والندوات العلمية داخل الدولة وخارجها، وكان كاتب مقال أسبوعي في جريدة الخليج الإماراتية.
التعليقات