صبري حسنين من القاهرة: بعد نجاح ثورة 25 يناير بالإطاحة بنظام حكم الرئيس المصري السابق حسني مبارك، الذي دام نحو 30 عاماً، أعلن نبيل العربي وزير الخارجية أن مصر لا تمانع في إقامة علاقات طبيعية وجيدة مع إيران، ورحّب نظيره الإيراني بتلك الخطوة.

ميدان التحرير الذي اكتسب شهرة دولية واسعة بعد ثورة 25 يناير في مصر

لكن الأمر لم يتعد التصريحات إلى الأفعال، وهو ما طرح العديد من التساؤلات حول معوقات عودة العلاقات بين البلدين، وهل هناك ضغوط أميركية - إسرائيلية في سبيل عدم إستئناف العلاقات المجمدة منذ ما يزيد على ثلاثين عاماً؟، وهل هناك ضغوط عربية آتية من دول الخليج العربي إلى القاهرة، لعدم إقامة علاقات جيدة مع الدولة التي تعتبرها خطراً على أمنها، وتتهمها بمحاولة زعزعة الإستقرار في مملكة البحرين؟ أم إن مصر لم ترتب أولوياتها في مجال السياسة الخارجية بعد الثورة، وتحتاج مزيدًا من الوقت؟.

quot;إيلافquot; حملت كل تلك التساؤلات إلى مجموعة من الدبلوماسيين والخبراء السياسيين، وجاءت آراؤهم لتؤكد أن مصالح مصر وأمنها القومي ورغبتها في دعم الأمن القومي لدول الخليج العربي، هو السبب الأول والرئيس في عدم إستئناف علاقاتها مع إيران.

تصادم بين البلدين
من جهته قال الدكتور مصطفي اللباد رئيس مركز الشرق للدراسات الإقليمية والإستيراتيجية، إن تصريحات وزير الخارجية المصري حول فتح صفحة جديدة من العلاقات مع إيران جاءت متعجلة، وأوضح اللباد، الذي يعدّ واحدًا من أبرز الخبراء في الشأن الإيراني، أن هناك تصادماً موضوعياً يعوق خلق علاقات ذات سقف مرتقع بين البلدين، منها تصادم المصالح بينهما مع دول الخليج العربي والعراق، فضلاً عن إختلاف المنظمة القيمية والإستيراتيجية، وإختلاف طبيعة التحالفات الدولية والإقليمية والسياسية، كل هذه الإختلافات لن تؤدي إلى إنتاج علاقات قوية، بل ستكون دائماً علاقات ذات سقف متدني على الأصعدة كافة.

مشيراً إلى أن دول الخليج العربي تعتبر إيران تهديداً لأمنها القومي، الذي يرتبط بأمن مصر القومي أيضاً، من هنا تأتي قضية توتر علاقات إيران بدول الخليج، كواحد من أهم عوائق إقامة علاقات بين القاهرة وطهران. ونفى أن تكون العلاقات الإيرانية المصرية ـ في حال عودتها ـ موجّهة ضد أمن إسرائيل أو المصالح الأميركية في المنطقة، مؤكداً أن أطراف إيرانية هي من يحاول ترويج تلك الطروحات، وتعطي إنطباعاً بأن العلاقات المصرية الإيرانية سوف تنتج تحالفاً قوياً ضد التحالف الأميركي الإسرائيلي، وهذا فقز فوق الواقع الموضوعي، الذي يشير إلى وجود صعوبات حقيقية تواجه فتح صفحة جديدة من العلاقات بين الجانبين.

الخليج أهم من إيران
ووصف الدكتور جمال عبد الجواد رئيس وحدة العلاقات الدولية في مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستيراتيجية، تصريحات وزير الخارجية المصري بشأن العلاقات مع إيران بأنها quot;تصريحات غير مدروسةquot;، وأضاف عبد الجواد أن العربي وزير للخارجية في حكومة إنتقالية، وليس من حقها إحداث تغييرات جذرية في علاقات الدولة على المستوى الخارجي، لاسيما أن قضية العلاقات مع إيران ترتبط بالأمن القومي للبلاد ودول الخليج العربي، لافتاً إلى أن مثل تلك القضايا لا يتم إتخاذ القرار بشأنها في عجالة أو لمجرد مخالفة سياسات النظام السابق، بل تحتاج الكثير من التروي والدراسة من كل الجوانب.

واستطرد عبد الجواد قائلاً إن حسابات المصلحة هي التي غلبت مسألة عدم إستئناف العلاقات مع إيران، لأن مصر لديها حلفاء استراتيجيون في المنطقة يتمثلون في دول الخليج العربي، وهي علاقات عميقة وتاريخية، ولايمكن التضحية بها في سبيل إقامة علاقات مع إيران، لأن دول مجلس التعاون الخليجي تستضيف ملايين المصريين العاملين فيها، فضلاً عن أن إيران تمثل تهديداً على أمن تلك الدول، مما يعد تهديداً مباشراً لأمن مصر القومي أيضاً، إذاً مصر لديها مصلحة في عدم إقامة علاقات مع إيران، وعليها إلتزام تجاه دول الخليج، بإعتبارها قوة إقليمية كبرى في المنطقة.

وإعتبر عبد الجواد أن استقبال بعض دول الخليج للدكتور عصام شرف رئيس مجلس الوزراء، وتأجيل زيارته إلى الإمارات، تحمل رسائل ضمنية إلى مصر، مفادها أن دول مجلس التعاون، حريصة على العلاقات مع مصر، ولديها الرغبة في دعمها في تلك المرحلة التاريخية، وفي الوقت نفسها لديها تحفظات بشأن توجهات محتملة لإقامة علاقات مع إيران. ونفي أن يكون لما يسميه البعض ضغوطاً أميركية إسرائيلية على مصر تأثير في عدم إستئناف علاقاتها مع إيران.

رفض داخلي وخليجي
فيما جاءت وجهة نظر محمود شكري السفير المصري السابق في سوريا، مختلفة بعض الشيء، وقال إن الدكتور نبيل العربي وزير الخارجية، لم يعلن عن استئناف العلاقات مع إيران، لكنه أكد أن مبدأ عدم إقامة علاقات مع أية دولة، بما فيها إيران، ليس صحيحاً، وأعلن عدم ممانعة مصر في إقامة علاقات دبلوماسية مع دول العالم. وأضاف شكري أن هناك علاقات قائمة بالفعل بين البلدين، لكنها على مستوى متدنّ، حيث يوجد قائم بالأعمال الإيرانية في القاهرة، وهو دبلوماسي بدرجة سفير، مشيراً إلى أن موقف دول مجلس التعاون الخليجي الرافض إقامة علاقات مصرية إيرانية، كان السبب الأساسي وراء تعقل القاهرة في إستئنافها.

وأكد شكري أن إختيار توقيت الإعلان عن مثل هذا الإجراء لم يكن موفقاً، خصوصاً في ظل توتر العلاقات بين دول وإيران، وإتهام الطرف الأول للثاني بالوقوف وراء ما وصفه محاولة للإنقلاب على نظام الحكم في المملكة البحرينية، وأبدى شكري إندهاشه من موقف دول الخليج في ممانعتها إعادة مصر لعلاقاتها مع إيران، في ظل إقامتها علاقات دبلوماسية كاملة معها، فغالبيتها إن لم تكن كلها لديها سفارات في طهران.

وساق شكري سبباً آخر أعاق استئناف العلاقات المصرية الإيرانية، يتمثل في ممانعة الجبهة الداخلية المصرية لمثل تلك العلاقات، وهي التيارات الليبرالية والعلمانية، إضافة إلى الأقباط، فضلاً عن تخوف البعض من حدوث مدّ شيعي في مصر.

ورفض شكري القول إن حكومة المرحلة الإنتقالية ليس من حقها، إحداث تغيير في سياسات الدولة، وأوضح أن المجلس العسكري يقوم مقام رئيس الجمهورية، وحصل على كل سلطاته، ولا تتخذ الحكومة أية قرارات في شأن القضايا الأساسية، وهي القضايا التي لها علاقة بالأمن القومي بدون الرجوع للمجلس، وخصوصاً رئيسه.

أحداث البحرين
وأكد السفير محمد رفاعة الطهطاوي مساعد وزير الخارجية المصري السابق، أن الدكتور نبيل العربي لم يعلن إقامة علاقات مصرية إيرانية، ولكنه قال إنه من الطبيعي أن تكون لمصر علاقات مع الدول كافة، وليس معنى ذلك أن تكون لمصر علاقات خاصة مع إيران، أو أن تقيم علاقات مع دول ضد دول أخرى.

وأشار الطهطاوي إلى أن هناك قوى إقليمية ودولية تجد في التقارب المصري الإيراني خطراً عليها، وتسعى إلى محاولة إبقاء الوضع على ما هو عليه بدون حدوث أي تقدم بين الطرفين. مؤكداً أن أميركا وأسرئيل لا ترحّبان بمثل تلك العلاقات. إضافة إلى أن هناك الكثير من المسائل تحتاج تسوية بين البلدين، وسوف يستغرق الأمر بعض الوقت.

ويتفق الطهطاوي مع سابقيه، في أن لدول الخليج علاقة مباشرة بتأني مصر في إقامة علاقات دبلوماسية مع إيران، مشيراً إلى أن الظرف الراهن يشهد حساسية مفرطة في ما يخص تلك القضية، لاسيما بعد أحداث البحرين. وربما مارست ضغوطاً ما على القاهرة في هذا الشأن.