تشير حدة القتال ودمويته في مدينة مصراتة الليبية منذ أسابيع إلى أنّ لهذه المدينة موقعها الخاص وبناها التحتية التي تجعل منها موقعًا استراتيجيًا بامتياز، سواء في المجال الاقتصادي أو اللوجستي. وربما هذا ما يفسّر استماتة كتائب القذافي في مواصلة السيطرة عليها وعدم تسليمها إلى الثوار.
ثوّار ليبيون في مدينة مصراتة |
مصراته: تدلّ المعارك العنيفة التي تدور رحاها منذ شهرين في مدينة مصراته الكبيرة المتمردة (200 كلم غرب طرابلس) على الاهمية الاستراتيجية التي تكتسيها، باعتبارها العمود الفقري في اقتصاد البلاد، كما إن هذه المدينة تفخر بتقاليدها العريقة في مجال المقاومة.
ووقعت اشتباكات عنيفة الجمعة بين المطار والمدينة البالغ عددها نصف مليون نسمة، والتي حاولت دبابات عدة من قوات القذافي اقتحامها. وقد دحر الثوار الجيش الاثنين من المدينة التي تعتبر الأغنى في ليبيا بعد أسابيع من المعارك الطاحنة.
واعتبر كريم بيتار من مركز الدراسات والعلاقات الدولية في باريس ان quot;موقعها وبناها التحتية تجعل من مصراته مدينة استراتيجية بامتياز، سواء في المجال الاقتصادي او اللوجستي، لا سيما إذا استمر القتالquot;.
وكانت المدينة قبل تعرضها إلى دمار كبير، تتمتع بصناعة متطورة (الحديد والصلب والنسيج والجلد ومصفاة نفطية) وتعدّ طبقة متوسطة كبيرة والعديد من الطلاب.
واوضح بيتار ان الميناء quot;الذي بناه الايطاليون مطلع القرن الماضيquot; يعتبر على الصعيد اللوجستي عصبًا اقتصاديًا اساسيًاquot;. ومن جهة البر، تتعرض مصراته الى محاصرة، لم يستثن منها سوى الميناء الذي تعرض الثلاثاء الى هجوم قوات القذافي، صدّه الثوار.
واضاف انها خصوصًا quot;تقع بين طرابلس وسرت، مسقط رأس القذافي على اقل من ساعتين من طرابلس، وقد يهدد سقوطها القذافي نهائيًا بشكل اكيدquot;. وقال احد اعيان طرابلس طالباً عدم كشف هويته خوفا من الانتقام quot;يمكن القول ببساطة انه اذا سقطت مصراته، فان الثوار سيصبحون على مشارف طرابلسquot;.
واعتبر انه سيكون حينئذ من السهل على الثوار ارسال اسلحة وتعزيزات بحرًا تحت حماية حلف شمال الاطلسي قبل الزحف على العاصمة.
لذلك، كما قالت استاذة العلوم السياسية في بنغازي عبير امنينة ان quot;القذافي يبذل كل ما في وسعه كي لا تسقط مصراتهquot;. وبين الزعيم الليبي وسكان مصراته عداوة قديمة، تعود الى ما قبل ثورة المدينة في 19 شباط/فبراير، عندما اطلقت القوات الحكومية نيران مدافعها المضادة للطيران على المتظاهرين.
ولخص كريم بيتار بالقول ان quot;سكان مصراته معروفون بروحهم القتاليةquot; مؤكدًا quot;انهم قاوموا الايطاليين منذ 1911quot; منذ وصولهم الى ليبيا.
واشتهر قائد محلي خلال تلك الانتفاضة الاولى في الاوساط الشعبية والفلاحين، يدعى رمضان السويحلي، الذي ما زال السكان يتذكرونه بتأثر.
وروى الباحث الفرنسي quot;انه تسبب في أرق الايطاليين، وكان يسيطر تقريبًا على كل المنطقة احيانا بدعم العثمانيينquot;.
وتابع بيتار انه quot;في الوقت نفسه، وفي الخمسينيات، اندلعت حركات تمرد في مصراته احتجاجًا على انتخابات مزورة، ما دفع بالنظام الملكي الى حظر الاحزاب السياسيةquot;.
وفي ايلول/سبتمبر 1969، عندما تولّى معمّر القذافي السلطة، عبر انقلاب عسكري بدون اراقة الدماء، quot;كان العديد من انصاره ضباطًا متحدرينquot; من تلك المدينة الثائرة، كما يتذكر استاذ في الجامعة المحلية، طلب عدم كشف هويته.
وقال انه سرعان ما غيّر اولئك العسكريين موقفهم عندما ادركوا ان الزعيم الليبي كان quot;مجنونًاquot; الى حد انهم حاولوا عبثًا الاطاحة بنظامه في 1974. ومنذ ذلك التاريخ quot;لم يغفر القذافي ابدًا لسكان مصراتهquot; كما قال كريم بيتار.
التعليقات