معانتقالها من فصل الربيع إلى فصل الصيف، بدأت الانتفاضات الشعبية في أنحاء الشرق الأوسط تتخذ محنى أكثر قتامة وأكثر شراً، وهو المنحى الذي لا تبدو فيه إمكانية العيش في مستقبل أكثر إشراقا أمراً مؤكداً بتلك السهولة.


ميدان التحرير في وسط القاهرة يعجّ بالمتظاهرين إبان ثورة 25 يناير

أشرف أبوجلالة من القاهرة: حين بدأت الانتفاضات الشعبية في أنحاء الشرق الأوسط كافة في مطلع هذا العام، سرعان ما أطلق على حمى الديمقراطية التي اجتاحت المنطقة اسم quot;الربيع العربيquot;، وهو المصطلح الذي استحوذ على قدر كبير من التفاؤل لما يبدو حقبة جديدة من الحرية والأمل.

لكن مع الانتقال من فصل الربيع إلى فصل الصيف، بدأتالأحداث في كل أنحاء المنطقة تتخذمنحنى أكثر قتامة وأكثر شراً، وهو المنحى الذي لا تبدو فيه إمكانية العيش في مستقبل أكثر إشراقا أمراً مؤكداً بتلك السهولة.

فعقب الإطاحة السريعة بالرئيسين التونسي زين العابدين بن علي، والمصري حسني مبارك، كانت مشاهد سفك الدماء والوحشية أمراً شائعاً على مدار أشهر في أنحاء العالم العربي كافة، وهو ما يسلّط الضوء على القوة التي ما زال يمارسها الاستبداديون بعد عقود من الديكتاتورية.

في هذا السياق، أوردت صحيفة واشنطن بوست الأميركية عن سلمان شيخ، مدير مركز بروكنجز الدوحة في قطر، قوله: quot;نحن ماضون بسرعة صوب مفترق في الطريق، حيث يؤدي أحدهما إلى تغيير وإصلاح، والآخر إلى تخندق وقمع. وسيحتاج الأمر وقتًا طويلاً، وقد يستمر ذلك معنا على مدار العديد من السنواتquot;.

ثم لفتت الصحيفة إلى أن مملكة البحرين كانت أول الدول التي أشارت إلى نتيجة مختلفة، حيث سحقت بشكل حاسم الانتفاضة الشعبية التي اندلعت هناك بمساعدة القوات السعودية. وقالت جماعات عاملة في مجال حقوق الإنسان إن السلطات تورطت هناك في اضطهاد منهجي للغالبية الشيعية، التي هيمنت على التظاهرات التي اشتعلت مطلع العام الجاري.

وفي سوريا، قالت الصحيفة إن حكومة الرئيس بشار الأسد تسعى جاهدةً إلى قمع الحركة المؤيدة للديمقراطية، باستخدام الدبابات والمدفعية لقصف الأحياء التي شاركت في التظاهرات واعتقال الآلاف من الشبان.

أما في ليبيا، حيث كان الزعيم معمّر القذافي أول من أطلق العنان لاستخدام القوة الكاملة للدولة ضد المواطنين، فبدأت تحتدم حرب شاملة، تقوم فيها مقاتلات حلف شمال الأطلسي بدور القيادة. وفي اليمن، ما زال يحصد المأزق الدموي أرواح المتظاهرين الذين يسعون إلى الإطاحة بالرئيس علي عبد الله صالح، الذي يقاوم بعناد الجهود المتعددة التي تُبذَل لإقناعه بالرحيل.

في ما خصّ مصر، جاءت الاشتباكات الطائفية الدامية بين المسيحيين والمسلمين في القاهرة بمثابة التذكرة الواقعية بأن القوى السلبية وكذلك الإيجابية ربما أُطلِقت عبر التخلص من الحكومة الديكتاتورية. حتى في تونس، ذات المساحة الجغرافية الصغيرة، تدور الآن شكوك حول الانتخابات المقرر إجراؤها في تموز/يوليو المقبل، مع تواصل الاحتجاجات نتيجة لتباطؤ عجلة التغيير.

وفي هذا الاطار نقلت الصحيفةعن المحلل السياسي الأردني، لبيب قمحاوي، قوله: quot;لا يمكن أن تعود الأوضاع إلى ما كانت عليه من قبل. فلقد شهدنا تحولاً أساسياً. وذاقت الشعوب طعم الحرية، ولا يمكن أن يعودوا مرة أخرى إلى ما كانوا عليه سابقاًquot;.

ورأت الصحيفة من جهتها أنه وبغضّ النظر عن الخطوات التي ستتخذها الولايات المتحدة إزاء كل هذه التطورات، فإن انتكاسات الأشهر الثلاثة الماضية تشير إلى أن الشرق الأوسط مقدر له الدخول في فترة طويلة من عدم الاستقرار، لا يمكن التنبؤ بنتيجتها النهائية.

ولفتت إلى أن الأنظمة، التي لا تزال تتشبث بالسلطة، سبق لها أن حذرت من أن التغيير قد يفتح الباب أمام التطرف الإسلامي. لكن بعض المحللين أكدوا أن التطرف من الممكن أن يحدث بسهولة إذا نجحت السلطات في سحق التظاهرات السلمية العفوية المطالبة بالديمقراطية.

وهنا، عاودت الصحيفة لتنقل عن سلمان شيخ، قوله: quot;إذا أصبحت هذه الثورات العربية هامشية، وإذا أصيب الناس بالإحباط، ولم يروا أي ضوء في نهاية النفق، فلا أعرف إلى أين قد تؤول الأمور من حيث تفكير الناس بشأن تنظيم القاعدة، أو الإقدام على تملك السلاح للمقاومة والمقاتلةquot;.

ومع ترديدهم شعارات تؤكد على سلمية تظاهراتهم ومطالبهم، أكد ناشطون في سوريا أنهم لا يريدون أن تحذو بلادهم حذو ما يحدث في ليبيا من مجريات تقود إلى صراع مسلح وتدخل دولي. كما تقع سوريا في منطقة محفوفة بالمخاطر، بين لبنان والعراق، حيث تتوافر الأسلحة بشدة، وهناك تقارير تتحدث عن أن الأسلحة بدأت تصل عبر الحدود.

وفي البحرين أيضاً، انطوت مستويات القمع من قبل النظام الملكي السنّي هناك على هدم المساجد الشيعية وضرب واحتجاز طالبات المدارس اللواتي يشاركن في التظاهرات الاحتجاجية. وحذر محللون في هذا الشأن من أن الشيعة في البحرين من الممكن أن يُدفَعوا مع مرور الوقت نحو الأيديولوجية الأكثر تطرفاً الخاصة بالجارة إيران.