حالة غير مسبوقة شهدتها الأراضي الفلسطينية لمناسبة ذكرى النكبة الثالثة والستين، حيث خرج الآلاف من الفلسطينيين موحدين ومطالبين بالحفاظ على حق العودة. ورأى الكثير من المراقبين والمتابعين أن هذا الزخم لم يكن ليتحقق لولا الوصول إلى مصالحة بين حركتي فتح وحماس، اللتين تواصلان مشاوراتهما لتحقيق وحدة متكاملة على الأرض، بالاتفاق على تشكيل حكومة إنتقالية خلال هذه الأيام.


فلسطينيون خلال إحياء يوم النكبة

قال خليل عساف منسق تجمع الشخصيات المستقلة في الضفة الغربية في لقاء خاص مع quot;إيلافquot; إنquot;تحقيق المصالحة يعدّ الإنجاز الأبرز للفلسطينيين على المستوى المحلي والعربي في ظل التحديات الراهنة، مؤكدًا أن هذه المصالحة انعكست إيجابًا على كسب تأييد محلي وعربي ودولي، وساهمت في تعزيز صلابة الموقف الفلسطينيquot;.

وأضاف: quot;إن ما رأيناه في المسيرات التي انطلقت تأييدًا لهذه المصالحة في شتى الأماكن والمواقع تعبّر حقيقة عن إرادة الفلسطينيين، موضحًا في الوقت عينه أن هذه المصالحة شجّعت الفلسطينيين وللمرة الأولى منذ سنواتعلى أن يخرجوا في مسيرات ضخمة لإحياء مناسبة ذكرى النكبة الثالثة والستين تحت راية العلم الفلسطينيquot;.

وشدد عساف، على أهمية الحفاظ على المكتسبات التي تحققت ورفض أية تجاوزات هنا أو هناك، لافتا إلى وجود بعض المخالفات في الضفة والقطاع، التي ربما تضرّ في الجهود المبذولة لتحقيق المصالحة.

وطالب منسق تجمع الشخصيات المستقلة بضرورة الابتعاد عن أي تصرفات قد تلحق الضرر بمشروع المصالحة وإلغاء القوانين التي صدرت إبان الانقسام والابتعاد عن كل الممارسات غير القانونية والالتزام بتحقيق نتائج ملموسة على الأرض لتعزيز المصالحة.

في ما يتعلق بالجهود المبذولة حاليًا لتعزيز المصالحة، أكد عساف أن الجهود مستمرة ومتواصلة في الضفة الغربية وفي قطاع غزة لتذليل العقبات كافة، ومنها خطوات الإفراج عن المعتقلين في سجون الضفة وغزة، كما تتواصل الفعاليات الداعمة للمصالحة في شتى الأماكن والمنابر الإعلامية.

الحراك مستمر لتطبيق المصالحة

وعن اللقاءات التي تجري حاليًا في القاهرة للتوافق على تشكيل حكومة وحدة وطنية، قال عساف: quot;إن لجنة تشكيل الحكومة هي من أول اللجان التي ستقوم بالبدء في أعمالها، ومن الملاحظ أن الملفات كثيرة وكبيرة وممتلئة، خاصة عند الحديث عن أربع سنوات وما يزيد من حالة الانقسامquot;.

وأضاف: quot;نظرًا إلى حالة الانقسام التي سادت الضفة وغزة، تراكم الكثير من القضايا المحلية والمجتمعية والسياسية، مؤكدًا أن الجميع يدرك أن المشروع الوطني توقف طيلة سنوات الانقسام، وبالتالي نحن أمام فترة مهمة من أجل تشكيل هذه الحكومة التي ستكون حكومة مهمة كثيرًاquot;.

وأعرب عن أمله في أن لا تحصل هناك أية تجاذبات بين الأحزابعند اختيار هذه الحكومة، ومتمنيًا أن تقوم الحكومة بحمل المرحلة المقبلة، رغم أنها قصيرة ولا تتجاوز العام، إلا أنه تترتب عليها أعباء كثيرة، وأهمها تهيئة الأجواءquot;.

وشدد على ضرورة التأكيد على أن الانقسام ولّى إلى غير رجعة، وعلى الجميع أن يدرك أن المصالحة أصبحت حقيقة واقعة، وبأن المصالحة قد أصبحت واقعة، وعلى الجميع أن يعمل من أجل الحفاظ عليها، وعدم السماح بعودة أي ظرف يهيئ إلى انقسام أو تحريض.

في ما يتعلق بالإفراج عن المعتقلين من سجون الضفة وغزة، أكد عساف أن الحراك الذي قامت به الشخصيات المستقلة لم يتوقف إطلاقًا سعيًا إلى الإفراج عن المعتقلين منذ اللحظة الأولى للتوقيع على وثيقة المصالحة، حيث تم وضع قوائم بأسماء المعتقلين في الضفة الغربية وقطاع غزة.

وقال: quot;هنا في الضفة الغربية الأرقام متحركة، حيث أفرج عن العشرات، بل المئات، ولم يتبق سوى 185 معتقلاً، منهم 35 معتقلاً، صدرت بحقهم أحكام، والباقي لم تصدر بحقهم أحكام، وهم موقوفون على ذمة القضاء المدني والعسكري والغالبية على ذمة القضاء المدنيquot;.

وأضاف: quot;يجب العلم الآن بأن أسباب التوقيف قد انتهت، ونحن الآن أمام مرحلة جديدة من الصلح، وبالتالي فإن بعض الملفات سيتم الانتهاء منه خلال ساعات أو أيام، لافتًا إلى أن الشخصيات المستقلة طالبت ودعت الرئيس محمود عباس إلى إصدار قرار بالعفو عن الأسماء والأشخاص الذين ليس عليهم إشكاليات، وضرورة تبييض السجون في الضفة والقطاعquot;.

ولفت عساف إلى أن بعض المعتقلين توجد عليهم ملاحقة إسرائيلية، وبالتالي فإن هناك ترتيبات لضمان تأمين خروجهم وسلامتهم، منوهًا في الوقت نفسه إلى أن إسرائيل وقفت منذ اللحظة الأولى لإفشال هذه المصالحة.

وحول الانتخابات المحلية والتوجهات المقبلة، قال عساف: quot;إن هناك مطالبات من المجلس الثوري لحركة فتح بتأجيلها لكونها حددت قبل التوصل إلى المصالحةquot;، مؤكدًا أن quot;الشخصيات المستقلة تنحاز إلى هذا الرأي لكي يتم ترتيب الانتخابات في شقي الوطن وبالتاريخ نفسهquot;.

وعن المطلوب لحماية اتفاق المصالحة، شدد عساف على ضرورة الحفاظ على هذا الإنجاز التاريخي، الذي أعاد توحيد شطري الوطن، وأعاد فلسطين وقضيتها إلى الواجهة، في ظل استمرار التعنت الإسرائيلي، ومحاولته تعطيل المصالحة على غرار ما حصل في تأخير دفع المستحقات المالية للسلطة.

الذكرى الـ 63 للنكبة... إستثنائية

بدوره، قال الكاتب والمحلل السياسي الدكتور عبد المجيد السويلم، في اتصال هاتفي مع quot;إيلافquot;: quot;إن هذه الاحتفالية استثنائية، حيث جاءت في ظروف خاصة، أهمهما تحقيق المصالحة والطاقة المتجددة في حيوية الشعب وإدراكه أهمية الوحدة في مواجهات التحديات الراهنةquot;.

وأضاف: quot;أيضًا كان للربيع العربي، بكل ما يعنيه من تغييرات في هذه المنطقة وبكل ما سيترتب عليه، دور مهم في حصار السياسة الإسرائيلية وعدوانيتها، وألقى بظلاله على الشعب الفلسطيني وثقته بنفسه ومحيطه العربي، الأمر الذي انعكس إيجابًا في هذه المناسبة الاستثنائيةquot;.

وأكد السويلم، أن حالة المد السياسي على المستوى الرسمي التي حققتها السلطة الوطنية والاعترافات المتتالية بالدولة الفلسطينية كان لها كبير الأثر في نفوس الفلسطينيين، في وقت تلمح فيه دول أوروبية كبرى بالاعتراف بفلسطين والتوجه إلى استحقاق أيلول/سبتمبر، ما ساهم في عزلة إسرائيل ووضعها أمام مأزق كبير.

ولفت إلى أن كل هذه الأمور ساهمت في رفع معنويات الفلسطينيين وتجدد طاقاتهم وحيويتهم، وانعكس ذلك في الزخم المفاجئ في الذكرى الثالثة والستين للنكبة، حيث كان هذا الزخم تعبيرًا عن حالة الشعور بأن الشعب قادر على إعادة إحياء طاقته وتوجيهها بصورة موحدة ضد إسرائيل مسنودًا بوضع إقليمي مبشّر ووضع دولي موات أكثر من أي وقت مضى.

وفي ما يتعلق بالمصالحة الفلسطينية وجهود الحفاظ عليها، قال السويلم: quot;إن ما نراه على الأرض يؤكد وجود إرادة سياسية لدى حركتي فتح وحماس لتجاوز العقباتquot;، معربًا عن أمله في تنفيذ ما يمكن القيام به لمصلحة تحقيق الوحدة بالشكل العملي.

وشدد على أهمية الخطوات العملية في تحسين ظروف المصالحة وتحقيقها، منوهًا إلى ضرورة التوافق على حكومة ذات برنامج، لا يسمح لإسرائيل أن تتخذ منه أية ذريعة للتهرب من استحقاقاتها، وأن تعكف هذه الحكومة على ترتيب الأجواء والتحضير للانتخابات.

وذكر أنه إذا ما تم تجاوز كل العقبات التي تقف أمام طريق المصالحة، فإن هذه الأمور ستعمل على توحيد المؤسسة الوطنية بكل ما تحويه للوصول إلى الهدف المنشود، وأنه إذا ما بقيت بعض النقاط العالقة بعد ذلك، فإنه بالإمكان الاتفاق عليها بعد الانتخابات.

معطيات وأرقام

تظهر العديد من الدراسات المختصة بالنكبة الفلسطينية، أن إسرائيل احتلت معظم أراضي فلسطين عام 1948 وطردت نحو 750 ألف فلسطيني تحولوا إلى لاجئين، بعد أن ارتكبت عشرات المجازر وأعمال النهب، ودمّرت نحو 220 قرية تدميراً شاملاً وحوالي 134 قرية تدميراً جزئياً.

ووفقا لما أورده الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فإن نسبة اللاجئين الفلسطينيين في الأرض الفلسطينية بلغت 44.0% من مجمل السكان المقيمين في الأرض الفلسطينية نهاية العام 2010، فيما بلغ عدد اللاجئين المسجلين لدى وكالة الغوث منتصف عام 2010، حوالي 4.8 مليون لاجئ فلسطيني، يشكلون ما نسبته 43.4% من مجمل السكان الفلسطينيين في العالم، ويتوزعون بواقع 60.4% في كل من الأردن وسوريا ولبنان، و16.3% في الضفة الغربية، و23.3% في قطاع غزة.

وبينت هذه المعطيات أن اللاجئين الفلسطينيين يشملون أولئك الذين أصبحوا لاجئين بعد الحرب العربية الإسرائيلية الأولى عام 1948 وخلال وفي أعقاب الحرب العربية الإسرائيلية الثانية عام 1967، فضلا عن أولئك الفلسطينيين الذين كانوا أثناء تلك الحقبة خارج حدود فلسطين وأصبحوا غير قادرين، أو غير راغبين في العودة بسبب عوامل الخوف القوية من تعرضهم للاضطهاد.

وكان مئات الآلاف من الفلسطينيين واللاجئين في شتى أماكن تواجدهم أحيوا في الخامس عشر من الشهر الجاري وللمرة الأولى الذكرى الثالثة والستين للنكبة التي حلت بالشعب الفلسطيني عام 1948 في أعقاب قيام جماعات يهودية بارتكاب عشرات المجازر بحق الفلسطينيين بزخم غير مسبوق.

وانطلقت مسيرات كبرى في مدن الضفة الغربية وقطاع غزة والداخل المحتل وفي العديد من الدول العربية لا سيما مصر والأردن وسوريا ولبنان حيث خرجت مسيرات باتجاه المناطق الحدودية مع إسرائيل ووقعت صدامات واشتباكات أسفرت عن سقوط نحو 17 شهيدا في الجولان السوري وراس مارون اللبناني وعشرات الجرحى والمصابين كما أعلن عن سقوط شهيدين في الضفة والقطاع ونحو مائتين مصاب.