أثار الموقف الرسمي الجزائري المتحفظ إزاء الأحداث في المنطقة العديد من التساؤلات والإنتقادات أشدها جاء مع بداية الإضطرابات في ليبيا، حيث أدت ضبابية الموقفإلى حدّ اتهام الجزائربدعم نظام القذافي. ويرجح محللون السبب إلى مساندتها لمبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها واحترام الشرعية الدولية.
الجزائر: أثار الموقف الرسمي الجزائري، تجاه الأحداث الجارية في دول عربية عديدة، العديد من التساؤلات والنقاشات على مستويات عديدة، وهذا النقاش اشتد وأخذ أبعادًا أخرى مع بداية الاضطرابات في ليبيا، من خلال عدم وضوح الموقف الجزائري الرسمي تجاه هذه الأحداث، وهو الموقف الذي فتح الباب لانتقادات شديدة على النظام الجزائري، إلى حد اتهامها بدعم نظام القذافي، من خلال صمتها، وعدم اتخاذ موقف دبلوماسي واضح ومعلن .
quot; إيلاف quot; رصدت آراء محللين سياسيين جزائريين حول أبعاد، وأسباب الموقف الجزائري المتحفظ، خصوصًا تجاه دول الجوار تونس وليبيا، وبحسب رأي الدكتور محمد لعقاب في حديثه ل quot; إيلاف quot; فانه quot; يجب الفصل بين الموقف الجزائري الرسمي، والموقف الشعبي الذي هو متعاطف مع كل الثورات العربية، والشعب الجزائري يريد رحيل القذافي اليوم قبل الغد quot;، وهو موقف له ما يبرره حسب رأيه لأن quot; الأنظمة العربية لم تقدم لهذه الشعوب أشياء ايجابية طيلة الخمسين سنة الماضية من الاستقلالات الوطنية quot;.
الدكتور محمد لعقاب: quot;النظام الجزائري يساند مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرهاquot; |
الدكتور صالح سعود: quot;النظام الليبي لحد الآن لم يفقد شرعيته الدولية، والجزائر تتعامل مع الشرعية الدوليةquot; |
الوزير والسفير الجزائري الأسبق بسوريا كمال بوشامة: quot;السياسة الخارجية للجزائر مؤخرا غير واضحة... ولا توجد الشجاعة الكافيةquot; |
وأضف: quot;أما في ما يتعلق بالموقف الرسمي فالدولة الجزائرية تعتبر أن هذه الثورات عبارة عن quot; مؤامرات خارجية quot; وهي quot; تطبيق لمشروع الشرق الأوسط الجديد بآليات ووسائل جديدة، اهتدت المجموعة الغربية والنظام الغربي إلى استخدام الثورات الشعبية لتحقيقه، ومن خلال هذه القراءة كان طبيعيًا أن النظام السياسي الجزائري يتخذ موقفًا متحفظًا تجاه هذه الثورات العربية quot;.
واعتبر الدكتور لعقاب أن quot; النظام الجزائري يساند مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها، والدليل على ذلك مباركة الحكومة الجزائرية لشعب تونس حينما انتصر في ثورته، لكنها امتنعت عن التعبير عن موقفها الرسمي تجاه الثورة قبل سقوط نظام بن علي، تمسكا بمبدئها في عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وتمسكها بضرورة التغيير بالطرق المشروعة ودون استعمال العنف وأيضا دون التدخل الأجنبي quot; .
لكن ما حصل في ليبيا حسب الدكتور لعقاب أن quot; الجامعة العربية وبشكل سريع دعت الأمم المتحدة إلى التدخل وهذا ما أثار مخاوف لدى الدولة الجزائرية، وجعلها تتحفظ في اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة، كما أن تدخل حلف الناتو بحجة تطبيق قرار الأمم المتحدة، وتسببه في مقتل مدنيين في عمليات القصف الجوي هو ما اعتبرته الجزائر غير مقبول ، وفسرت ذلك بكون قوات الناتو تملك رغبة واضحة في قلب نظام الحكم بليبيا، وهذا ما تحفظت عليه الجزائر quot; .
و حسب لعقاب فإن quot; الحاصل الآن بليبيا هو اقتتال داخلي بعضهم مؤيد من حلف الناتو ودول غربية أخرى وبعضهم غير مؤيد، هذا الوضع والانقسام وانعدام الأمن لا يخدم الجزائر باي شكل من الأشكال ، لأن هناك بعض التقديرات تشير إلى حوالي 20 مليون قطعة سلاح تدور عبر الحدود الجزائرية الليبية التي تبلغ طولها 986 كلم. كما أن هناك تخوفات من أجندة غربية لتقسيم ليبيا، لأنه لا يوجد أي مبرر لإنشاء تمثيليات دبلوماسية في بنغازي، ومن المفروض إذا كانت الدول الغربية أو حلف الناتو أو قوات الأمم المتحدة تملك نوايا حسنة وتطبيق ميثاق الأمم المتحدة، فعليها ألا تنشئ ممثليات جديدة في بنغازي لأن إنشاء ممثليات دبلوماسية جديدة في بنغازي معناه أن تقسيم ليبيا أصبح واقعًا، وهذا الأمر لا يخدم مصلحة الجزائر quot; .
وحول مستقبل العلاقات الجزائرية الليبية في حال انهيار نظام القذافي ووصول المجلس الوطني الانتقالي اعتبر الدكتور لعقاب أن quot; الوضع الحالي مزعج للجزائر امنيًا، والجزائر ليست لها القدرة، على حماية حدودها مع ليبيا وتونس ودول الساحل الإفريقي، وبالتالي فان الجزائر تحرص على أمن ليبيا، ولكن لنفترض أنه تمت الإطاحة بالقذافي وووصل المجلس الوطني الانتقالي إلى الحكم، وحضي بدعم شعبي عن طريق الانتخابات، وأصبح حاكما شرعيا لليبيا ، فانا اعتقد أن ليبيا هي دولة جارة للجزائر لا ليبيا يساعدها استمرار الخلاف مع الجزائر، ولا الجزائر يساعدها الخلاف مع ليبيا quot; .
من جهته يرى الدكتور صالح سعود في تصريحه ل quot; إيلاف quot; أن quot; الموقف الجزائري هو موقف ينبع من التاريخ ، على أساس أن الجزائر دائما تحترم مواقف الدول، وتحترم بالمقابل مواقف الشعوب في نضالها من اجل الحرية، الموقف الجزائري مازال إلى حد الآن مرتبط بماضيه لم يستطع قراءة الحاضر لكي يتوجه إلى المستقبل، هناك حدود مفتوحة على كل من ليبيا وتونس وهذه الحدود طويلة جدا ليس هناك إمكانات لحراستها في الوقت الحاضر، ومن ذلك يمكن أن تتسرب لنا العديد من المشاكل بما فيها السلاح لا ننسى بان منطقة الساحل التي كانت مرتبطة بطريقة أو بأخرى بليبيا يمكن أن تتسرب منها إلى الجزائر العديد من المشاكل، هذه الأمور تجعل الجزائر تتخذ موقفًا محايداً من خلال الدعوة إلى حل يحسم بالحوار ما بين الأطراف المتصارعة، دون استعمال القوة والسلاح ودون تدخل القوى الأجنبية quot; .
ويعتبر الدكتور أن النظام الليبي حتّى الآن لم يفقد شرعيته الدولية، والجزائر تتعامل مع الشرعية الدولية وquot; لا يمكن بين عشية وضحاها أن تقلب الطاولة، وتدير ظهرها لهذه الشرعية، وبالمقابل تذهب إلى الجانب الآخر وهو المجلس الوطني الانتقالي ، الذي لم تعترف به كممثل شرعي للشعب الليبي ، لذلك فان الموقف الجزائري على الرغم من الانتقادات التي تعرض لها إلا انه يبقى سليما من الناحية القانونية والتاريخية quot; .
هذا وانتقد بشدة الدكتور صالح سعود مشاركة أحد قيادات جبهة التحرير الوطني وهو الصادق بوقطاية، في مؤتمر نظمه موالين للقذافي وقال بالمناسبة quot; كنت لا أتمنى أن يكون الموقف الجزائري تجاه الأحداث في ليبيا معبرًا عنه من طرف قوى سياسية دون أخرى، على أساس بأن بعض ممثلي هذه القوى ذهبوا بطريقة تعبر عن مواقفهم ولكنها في الأخير حسبت على موقف الجميع لا يسمح لأي طرف كان أن يذهب ويتكلم باسم الجزائر ملغيا الطرف الآخر واقصد بالذات جبهة التحرير الوطني بوقطاية لم يذهب هكذا من تلقاء نفسه لم يأخذ طائرة خاصة به ويذهب إلى ليبيا لا بد انه ذهب بتوجيه معين سواء كان هذا التوجيه من قبل الحزب أو من قبل جهات نافذة في السلطة إلا انه يبدو لي أنه أساء إلى التركيبة السياسية في الجزائر بصفة خاصة وإلى التعددية بصفة عامة مما يثبت أن التشكيلات السياسية في الجزائر لا تحترم بعضها البعض ولا تتشاور في القضايا المتعلقة بالسيادة بالإستراتيجية الشاملة وهذا ما يريده الآخر أي العدو quot; .
أما كمال بوشامة الوزير والسفير الجزائري الأسبق بسوريا اعتبر في حديثه ل quot; إيلاف quot; أن الموقف الرسمي الجزائري تجاه ما يحدث حاليا في الشارع العربي عموما وليبيا خصوصا غير واضح معبرا عن ذلك بقوله quot; السياسة الخارجية للجزائر أخيرًا غير واضحة، واسمح لي أنا أتجرأ بهذا الكلام وأقول لا توجد هناك الشجاعة الكافية، تلك الشجاعة التي كانت تتميز بها الدبلوماسية الجزائرية حينما تتحدث الجزائر والآخرون يسكتون، لما تنطق الجزائر والآخرون يصفقون، لما تنطق الجزائر والآخرون يتبعون ما قالت الجزائر، لما كان يلقي الدبلوماسي الجزائري في المنابر الدولية كلمة باسم الجزائر يقوم ممثلو الحركات التحررية ويتبنون مباشرة خطابه كتوجيه لهم quot;.
ويضيف السفير الجزائري الأسبق quot; حينها كنا محترمون ، أما اليوم السياسة الخارجية الجزائرية غير واضحة، وهذا ربما بسبب ضعف الدبلوماسيين الذين هم في الميدان وهو الأمر الذي ترك الأمور غير واضحة quot; واعتبر السيد بوشامة أن quot; التصريحات المتضاربة للمسؤولين الجزائريين جعل الرئيس بوتفليقة يكشف في لقاء مجلس وزراء انه غير راض عن تداخل هذه التصريحات quot; مختتمًا حديثه بوصف الحالة التي تعيش عليها الدبلوماسية الجزائرية بـ quot;اللخبطة quot; .
التعليقات