قبل اشتعال الثورة الليبية وسقوط الأقنعة، كان سيف الإسلام القذافي يحظى بمكانة غير عادية في بريطانيا، إذ احتضنته صفوة المجتمع، وكان أصدقاؤه الشخصيون من كبار رموزه، رغم أن هؤلاء يشعرون بالكثير من الحرج الآن من تلك العلاقة التي ربطتهم يومًا ما به.


سيف الإسلام القذافي

لندن: عاش سيف الإسلام القذافي حياته في بريطانيا محاطًا بعليّة القوم من ساسة ومصرفيين ورجال أعمال. وكان سر اجتذابه لهؤلاء هو سعيهم إلى التعامل مع بلاده الغنية بالنفط من دون المرور ببوابة أبيه المنبوذ من قبل الأسرة الدولية.

استفاد سيف الإسلام من هذا الوضع، فبنى لنفسه جسورًا الى مختلف المؤسسات البريطانية في مجالات السياسة والمال والتعليم العالي والمعمار والنشر وغيرها. فصارت أسماء، مثل نات روتستشايلد رجل الأعمال الملياردير، واللورد ماندلسون أحد مؤسسي laquo;حزب العمال الجديدraquo;، واللورد فوستر المهندس المعماري الشهير في قائمة أصدقائه العديدين.

حتى مؤسسة مثل دار النشر في جامعة اوكسفورد وافقت على طباعة كتاب له بعنوان laquo;مانيفيستوraquo; يدعو فيه إلى إقامة المجتمع المدني والديمقراطية في ليبيا. يأتي في هذا الكتاب قوله: laquo;قناعتي هي أن يثور الناس على الطغيان والدكتاتوريةraquo;. ويذكر أن دار النشر أعلنت انسحابها من نشر الكتاب laquo;على ضوء التطورات الأخيرة في ليبياraquo;.

الملذّات أولاً
وفقًا لصحيفة laquo;غارديانraquo; فإن الذين عرفوا سيف الإسلام شخصيًا يقولون إن الانطباع الذي يتركه نجل الزعيم الليبي في المرء هو أنه laquo;منشغل بالملذّات أكثر من انشغاله بأنه الموعود بخلافة أبيه الديكتاتور الأفريقي الأطول عمرًا في السلطةraquo;. على سبيل المثال فقد اشترى منزلاً بعشرة ملايين جنيه (16 مليون دولار) في شارع يطلقون عليه كنية laquo;جادة المليارديراتraquo; في شمال لندن. يكفي أن الجدران والمقاعد في صالة السينما الخاصة بهذه الدار مكسوة بجلود الظباء.

وربما كان غنيًا عن القول إن سيف الإسلام كان يرتاد أفخم مطاعم العاصمة البريطانية التي لا يرتادها غير نبلاء القوم. وقد التقى في علبة ليلية راقية تسمى laquo;أنابيلزraquo; في وسط لندن، بالملياردير الإيطالي ndash; البريطاني لوكا ديل يونو، الذي حاول التوصل معه إلى صفقة (فاشلة) لتسويق أزياء الموضة الإيطالية في ليبيا. ويقول ديل بونو: laquo;من الواضح أنه كان يتمتع بحياه الليل في لندن. وقال لي في آخر مرة رأيته إنه كان في زيارة إلى داونينغ ستريت. لا شك في أنه كان شخصًا ذا نفوذraquo;.

فضيحة laquo;إل إس ئيraquo;
يذكر أيضًا أن laquo;لندن سكول أوف ايكونوميكس آند بوليتيكال ساينسraquo; (ترجمتها الحرفية laquo;مدرسة لندن للاقتصاد والعلوم السياسيةraquo;) (إل إس ئي) قبلت تبرعًا من laquo;مؤسسة القذافي العالمية

اللورد فوستر
اللورد ماندلسون
اللورد روتستشايلد

للجمعيات الخيرية والتنميةraquo;، ممثلة في شخص سيف الإسلام. وكان التبرع لمركز أبحاث الشؤون الدبلوماسية والاستراتيجيات الدولية في هذه الجامعة، وبلغ 1.5 مليون جنيه (2.4 مليون دولار).

ثم وقّعت الجامعة، التي حاز فيها سيف الإسلام شهادة الدكتوراه، على عقد معه يمنحها مبلغ 2.2 مليون جنيه أخرى (3.52 مليون دولار) مقابل تدريب عدد من المسؤولين الحكوميين الليبيين في الشؤون الاقتصادية والسياسية.

وبعدما رفعت أحداث ليبيا الأخيرة وتشعباتها الإنسانية النقاب عن laquo;عطيّةraquo; آل القذافي للجامعة ونفوذهم المحتمل على طاقمها وحتى سياستها واستقلالها الأكاديميين، حدث ما كان متوقعًا، وهو استقالة مديرها السير هوارد ديفيز في مطلع فبراير/شباط الماضي، قائلاً إنه أخطأ التقدير، ويتعين عليه أن يدفع الثمن.

وأصدر مجلس الجامعة بيانًا على موقعه الإلكتروني، أعلن فيه أنه أمر بتشكيل لجنة مستقلة للتحقيق في الأمر برمته. وأضاف أن المال الذي حصلت عليه الجامعة من تبرع مؤسسة القذافي لا يتعدى في مجمله 30 ألف جنيه (48 ألف دولار)، وإن أقر بأن laquo;مبدأraquo; قبول التبرع نفسه كان خطأ.

في حماسة أبيه
يقول رئيس اللجنة البرلمانية لشؤون ليبيا، النائب المحافظ دانيال كواشينسكي، إن الطبقة السياسية البريطانية laquo;فتحت البابا عريضًا أمام سيف الإسلام واستقبلته بحرارة. ورأي فيه اللورد ماندلسون وآخرون الوسيط الى النظام الليبيraquo;.

ويمضي قائلاً: laquo;من جهته فقد سعى سيف الإسلام الى تقديم نقسه على أنه صوت الاعتدال والتوسط في نظام أبيه. والمشكلة هي أن اولئك الساسة، بصحبتهم له، أضافوا الصدقية الى هذا الزعم. هذا غير صحيح، لأن الرجل يتمتع بحماسة ابيه نفسها عندما يتعلق الأمر بقمع الشعب الليبي. والآن يتعين على كل الذين تعاملوا معه أن يشرحوا أسبابهم ودوافعهم لرفقتهraquo;.

اللورد روتستشايلد..
يقال إن اللورد روتستشايلد قبل دعوة إلى حضور حفلة عيد ميلاد سيف الإسلام السابع والثلاثين في الجبل الأسود (مونتينيغرو). كما إن سيف نفسه كان يزور أسرة اللورد في كورفو. والتقى ذات مرة هناك باللورد ماندلسون عندما كان وزيرًا للأعمال التجارية في حكومة غوردون براون.

ويقول مصدر ليبي في لندن على اطلاع بأمور سيف الإسلام إنه كان صديقًا مقربًا من اللورد روتستشايلد، الذي كان بين المنظمين لحفلة أقاموها على شرفه في نيويورك. ويضيف قوله: laquo;حضر هذه الحفلة ما بين 10 و20 من أسر رجال الأعمال اليهود الأميركيين.

وأمضى سيف وقته في الحديث عما يسمح به أبوه وما لا يسمح به في ليبيا، وعن أنه يريد تشجيع كبار رجال الأعمال الدوليين على الاستثمار هناكraquo;. يذكر أن اللورد روتستشايلد ينفي أن تكون له علاقة عمل بنجل القذافي، ويقول إنه يعرفه laquo;اجتماعيًا فقطraquo;.

.. واللورد فوستر
كلّف سيف الإسلام المهندس المعماري اللورد فوستر لتطوير منطقة الجبل الأخضر في شمال شرق ليبيا، ودعا روبرت آدم، أحد المعماريين المفضلين لدى الأمير تشارلز، إلى حضور حفلة افتتاح المشروع العام 2007.

ويقول آدم: laquo;كان يفترض لهذا أن يصبح مدخل ليبيا الى عالم سياحة البحر الأبيض المتوسط. وقد سعى سيف الإسلام من ورائه الى شراء أكبر قدر من laquo;العلاقات العامةraquo; الدولية. أقاموا وليمة كبرى وفندقًا من الخيام طار اليه الناس بالطائرات الخاصة والمستأجرة. وقد تولت الحكومة الليبية نفقات ضيافتي. كنت أعلم أنها ليست أفضل حكومات العالم، لكنني لبيت الدعوة، حتى ألقي نظرة ناقدة على الأشياءraquo;.

ويمضي قائلاً: laquo;تحدث العقيد القذافي، ثم ألقى فوستر كلمة عن المستقبل المشرق الذي ينتظر المنطقة. وقال إنها إحدى أجمل البقاع على وجه الأرض. وأمامنا الآن تحد هائل يتمثل في تطويرها بالكثير من الحساسية إزاء تاريخها والحفاظ على شخصيتهاraquo;.

وتبعًا لآدم، فقد ألقى سيف الإسلام نفسه كلمة قال فيها: laquo;نحن نتسلح بالعزم على وضع الأساس لمستقبل باهر الأجواء والآفاق لأطفالنا وعلى حماية تراثهمraquo;. وقد طلب من اللورد فوستر أيضًا أن يصمم خطة عمرانية لجزء من العاصمة طرابلس. لكن متحدثًا باسمه امتنع عن التعليق على هذا.

بلير صديق شخصي؟
استأجر سيف أيضًا مستشارين بريطانيين في مجال العاقات العامة في مؤسسة laquo;براون لويد جيمسraquo; بمهمة تلميع صورته على الساحة الدولية. وقد امتنع بيتر براون، المؤسس المشارك لهذه المؤسسة وصديق اللورد ماندلسون، عن التعليق على هذا أيضًا.

ويبدو أن مساعي سيف الإسلام إلى تلميع صورته أتت ثمارها.. على الأقل قبل اندلاع الثورة في بلاده. فإضافة الى علية القوم، يزعم نجل الزعيم الليبي أن رئيس الوزراء السابق توني بلير laquo;صديق شخصي للعائلةraquo;. وقال إنه التقى به للمرة الأولى في 10 داوننيغ ستريت العام 2006 ثم عددًا من المرات في ليبيا.

استراتيجية ذكيّة
يقول المصدر الليبي إن أحد الأسباب التي مهدت لسيف الإسلام... هذا الوضع المتميّز في بريطانيا، رغم أنه لا يشغل أي منصب حكومي، هو أنه أقنع أباه بانتهاج استراتيجية يبدو في ظاهرها أنهما على خلاف حول كيفية إدارة أمور البلاد.

ولأن العالم يرى في العقيد أطول طغاة أفريقيا عمرًا في السلطة، فإن سيف الإسلام يستطيع في هذه الحال الظهور بمظهر المصلح المعتدل في سيناريو، يصبح فيه دور والده تشريفيًا فقط. لكن الواقع أن أيًا من الاثنين لم يشغل نفسه بالإصلاح أو الاعتدال. كل همّهما كان التشبث بالسلطة، وكان السبيل إلى ذلك هو الحفاظ على الشعب الليبي أسير الفقرraquo;.