في ظل تواصل غارات حلف شمال الأطلسي ضد قواته وميليشياته، وتخلّي روسيا عنه، اشتد الخناق على الزعيم الليبي معمّر القذافي، وبحسب تصريحات نسبت إلى مسؤول مقرّب من العقيد، فإن الأخير مستعد للتنحّي، في حال تلقيه ضمانات كافية تضمن سلامته وعائلته.


الثوار الليبيون يخوضون معارك كر وفر مع قوات القذافي

طرابلس: كشفت مصادر ليبية مطلعة النقاب عن محادثات سرية يجريها ممثلون لنظام حكم العقيد الليبي معمّر القذافي مع حكومات من دول التحالف الغربي المؤيدة للثوار المناهضين للقذافي.

وقالت مصادر ليبية رسمية لـlaquo;الشرق الأوسطraquo; إن المهندس سيف الإسلام، النجل الثاني للعقيد القذافي، يقود فريق عمل مكونًا من شخصيات ليبية رسمية وحكومية عدة، بهدف إيجاد مخرج للأزمة الليبية بما يضمن خروجًا مشرفًا وآمنًا للقذافي من السلطة، على حد ما وصفته المصادر.

وقالت المصادرللصحيفة إن laquo;هناك قنوات حوار سرية وغير معلنة تتم في الخفاء وبعيدًا عن أعين وسائل الإعلام، بهدف التوصل إلى حل سياسي وسلميraquo;. وكشفت المصادر النقاب عن أن القذافي معني عبر مبعوثيه وكبار مسؤولي نظام حكمه بالبحث عن خروج مشرف من السلطة، يضمن عدم ملاحقته هو وأي من أفراد أسرته وكبار مساعديه، إلى جانب تعهد المجتمع الدولي بعدم السعي إلى اعتقاله لاحقًا بأي شكل أو تحت أي ذريعة.

من جهته، أكد مسؤول ليبي وجود تفاوت في وجهات النظر داخل عائلة القذافي ودائرة المقربين منه، وأن هناك من يدعوه إلى استكمال المعركة حتى آخر طلقة وآخر نفس، وهناك من يقول إنه حان الوقت للرحيل.

وقال المسؤول الليبي لـlaquo;الشرق الأوسطraquo;: إن laquo;القذافي يميل إلى البقاء، لكن ما فهمته في الأحاديث الجانبية أنه مستعد للمغادرة، إذا ما تلقى ضمانات كافية لإقناعه بأمنه وأمن أسرته لاحقًاraquo;. وتابع المسؤول: laquo;ضمن عائلة القذافي هناك من يقول له دعنا نرحل وكفى، وابنه الأكبر محمد يتبنى هذا الخط، لكن المعتصم وهانيبال والساعدي يقفون في الجهة المقابلة، ويرفضون الرحيل، بينما موقف سيف الإسلام الابن الثاني للقذافي يتراوح بين هذا وذاكraquo;، لافتًا إلى أن القذافي وعائلته مشغولون الآن بالتفكير في ماذا سيقول عنهم التاريخ، وأن القذافي لا يريد أن يكون مجرد صفحة في تاريخ الشعب الليبي تم طيّها، لأنه معني بشكله وبنظرة الناس إليه طوال الوقت.

إلا أن مسؤولين آخرين مقربين من القذافي قالوا في المقابل إنه ليس صحيحًا على الإطلاق أن القذافي يفكر في الاستسلام، وقبول ما يطرحه المتمردون (الثوار) بشأن إمكانية التجاوز عن ملاحقته، إذا ما قرر الخروج في اتجاه إحدى الدول الأفريقية.

وقال مسؤول التقى القذافي قبل بضعة أيام: laquo;لم أسمع منه كلمة واحدة عن اختياره التنحّي، وإنه معظم الوقت يتحدث عن المقاومة، ورفض أي محاولات لإجباره على الرحيل، وهو يعتقد أنه من بنى ليبيا ومجدها، وقدم لليبيين الكثير، مقابل أخطاء يراها بسيطة، ويمكن التجاوز عنهاraquo;.

التمرد الليبي ومخاطر الاكتفاء بنصف ليبيا

من جهتها، بدأت حركة المعارضة المسلحة لنظام العقيد معمّر القذافي تعدّ مشروع دستور وتعين quot;سفراءquot; وتنظم نفسها، وهي تحلم بليبيا من دون القذافي، بيد أن ذلك لا يخلو من خطر تحولها الى حكومة موقتة دائمة، وفي نصف ليبيا فقط.

فبعد اكثر من ثلاثة اشهر على بدء التمرد ضد نظام القذافي، تتساءل حركة التمرد التي يجسدها ويديرها المجلس الوطني الانتقالي: ماذا لو استمر الوضع الحالي أشهرًا أخرى، وربما سنوات؟.

وقال عضو في المجلس الانتقالي طلب عدم كشف هويته quot;من الطبيعي ان نعمل على مستقبل البلاد، وان نتصور نظامًا. لكن الصحيح انه كلما مر الوقت، كلما نخاطر اكثر في وضع نظام لا يلائم غرب البلاد، وسيصعب علينا تسويقه الى الليبيين في طرابلسquot;.

واصبح المجلس الانتقالي، الذي يرأسه مصطفى عبد الجليل، الذي نال احترام المعارضين بعد انتقاده القذافي حين كان وزيره للعدل، المخاطب الوحيد للغربيين، وفي مقدمتهم الفرنسيون والبريطانيون والاميركيون.

لكن لم يتم انتخاب اي من اعضاء المجلس الـ31، والامر عينه ينطبق على quot;المكتب التنفيذيquot; للمجلس الذي يتولى تصريف الشؤون اليومية.

وقال دبلوماسي اوروبي في بنغازي ان quot;عبد الجليل لن يشكل حكومة موقتة طالما لم يقتل القذافي او يغادر البلادquot;. واضاف quot;ان حكومة لا تتمثل فيها المناطق كافة، وخصوصًا طرابلس، تعني تقسيم البلاد وبالتالي انتصار القذافيquot;.

في الاثناء، تقول سلوى الدغيلي عضو المجلس الانتقالي المكلفة الاصلاحات السياسية إن الثوار يعدّون quot;مسودة مشروع دستورquot;.

وتعمل هذه الاستاذة في القانون الدستوري، التي درست في جامعة السوربون في باريس، مع مسؤولين آخرين على إعداد quot;خارطة طريقquot; تشمل مجلسًا تأسيسيًا وصياغة دستور وقانون انتخابي وانتخابات تشريعية.

ويقول عبد الحفيظ غوقة نائب رئيس المجلس الانتقالي إن هذه العملية يمكن ان تتطلب quot;من عام الى عامينquot;.

ويضيف غوقة quot;نامل ان نوسع تمثيلية المجلس الوطني الانتقالي الى مناطق ليبيا كافةquot;. واشير الى ضم ممثلين عن المناطق الغربية وآخرين عن الوسط والجنوب الى المجلس الانتقالي.

ومنذ اسابيع، ظهرت وجوه جديدة في اروقة مقر المجلس الانتقالي وفي فنادق بنغازي، حيث يلتقي مسؤولون ليبيون مع دبلوماسيين غربيين.

ويجتمع رجال اعمال ومثقفون، بعضهم عائد من الخارج، مع كبار موظفي النظام الذين انضموا الى المعارضة. وبدأ ثوار quot;مجلس 17 فبرايرquot;، الذي يملك خمسة مقاعد فقط من 31 مقعدًا في المجلس الانتقالي، يبدون تذمرهم.

وبدأت بعض الشخصيات تنأى بنفسها عن المجلس في انتظار المعركة الحقيقية مع اول انتخابات تشريعية، خصوصًا مع التوافق على ان اعضاء الفريق الحالي، بمن فيهم مصطفى عبد الجليل، لن يكون بإمكانهم الترشح للانتخابات في المستقبل.

لكن مع اقامة كيان اداري، بدأ الصراع على السلطة يتأجج. والتنافس على اشده حول مناصب ممثلي المجلس في الخارج، وخصوصًا في باريس وواشنطن.

وأبدى البعض مثل عبد القادر قدورة استاذ القانون الدستوري النافذ لدى المجلس الانتقالي، عن الأسف quot;للتمثيل المبالغ فيهquot; لبعض المجموعات، خصوصًا المتحدرين من مصراتة ثالث اكبر مدن البلاد. ويدعو هؤلاء الى اقامة نظام فدرالي، يرون انه quot;الصيغة الوحيدة المضادة للتقسيمquot;.

وهناك مشكلة اخرى تكمن في عدم وضوح تنظيم سلطات الثوار حاليًا. ومثال ذلك منصب وزير الدفاع. فحتى الآن ظهر عبد الفتاح يونس وزير داخلية القذافي سابقًا، باعتباره القائد العسكري للتمرد رغم وجود quot;وزيرquot; للدفاع. لكن تعيين جلال الدغيلي (76 عامًا) الضابط المتقاعد في الجيش الليبي والدبلوماسي في هذا المنصب خلط الاوراق.

وشنّ الحلف الاطلسي غارات جديدة السبت على القطاع الذي يقيم فيه الزعيم الليبي العقيد معمّر القذافي في طرابلس، بعد التعهد الاميركي والفرنسي والبريطاني في مجموعة الثماني quot;انهاء العملquot; في ليبيا وممارسة مزيد من الضغوط لحمل القذافي على التنحي، بعدما تخلت روسيا عنه.

فقد هزّ انفجار قوي العاصمة الليبيةليل الاحدفي الساعة العاشرة بالتوقيت المحلي (8:00 ت غ). وارتفعت سحابة من الدخان فوق قطاع باب العزيزية، مقر اقامة العقيد القذافي، الذي يتعرض للقصف الكثيف منذ اربعة ايام.

وفي حوالى الساعة 01:00 (23:00 ت غ) ترددت اصداء انفجارين في القطاع نفسه، حيث اكد الاطلسي انه استهدف quot;مركزًا للقيادة والتحكمquot;.

على الصعيد الدبلوماسي، تلقت طرابلس الجمعة صفعة جديدة كبيرة، بعدما تخلت عنها موسكو، التي انضمت الى البلدان الغربية للمطالبة بتنحّي العقيد القذافي.

وقال الرئيس الروسي ديمتري مدفيديف، الذي شارك في قمة مجموعة الثماني في دوفيل في فرنسا، ان quot;العالم لم يعد يعتبره الزعيم الليبيquot;.

وكان مدفيديف، الذي رفضت بلاده حتى الآن تأييد الدعوات الفرنسية والاميركية إلى تنحّي القذافي، امتنع عن التصويت في الامم المتحدة على القرار 1973 الذي يجيز الضربات الدولية على ليبيا.

ووقع الرئيس الروسي من جهة أخرى الاعلان الختامي لمجموعة الثماني، الذي يؤكد ان القذافي quot;فقد كل شرعيةquot;، وعرض على شركائه quot;وساطتهquot; في النزاع، معلنًا عن إرسال موفد على الفور الى بنغازي، معقل التمرد الليبي في الشرق.

لكن نائب وزير الخارجية الليبي خالد الكعيم قلل من اهمية هذا التحول. وقال في مؤتمر صحافي ان quot;مجموعة الثماني قمة اقتصادية. ونحن لسنا معنيين بقراراتهاquot;.

ورفض في الوقت نفسه احتمال المصالحة مع موسكو، مؤكدًا ان طرابلس quot;لن تقبل اي وساطة تهمش خطة الاتحاد الافريقي للسلام... وكل مبادرة خارج اطار الاتحاد الافريقي سترفض، بما في ذلك من روسياquot;.

اما في بنغازي، فقد رحّب رئيس المجلس الوطني الانتقالي الذي يمثل الثوار الليبيين السبت بـquot;الموقف (الجديد) الذي اعلنتهquot; روسيا.

وقال مصطفى عبد الجليل في تصريح للصحافيين أن الثوار ينتظرون وصول quot;وفد روسي في وقت قريبquot;، واضاف quot;نتوقع وصولهم خلال الأسبوع المقبلquot;.

وكررquot;للمرة الاخيرةquot; موقف المجلس الوطني الانتقالي الذي quot;ليس في وارد القبول بمفاوضات لا تستند الى تنحّي القذافي لوضع حد للنزاعquot;.

واندلعت ثورة غير مسبوقة منتصف شباط/فبراير ضد نظام العقيد القذافي، الذي مارس قمعًا عنيفًا عليها، تحولت الى حرب اهلية.

ودفعت الثورة بنحو 750 الف شخص الى الفرار بحسب الامم المتحدة، كما اسفرت عن الاف القتلى، بحسب مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو-اوكامبو، الذي طلب اصدار مذكرة توقيف ضد معمّر القذافي بتهمة ارتكاب جرائم ضد الانسانية.

وفي دوفيل، حذر الرئيس الاميركي باراك اوباما، الذي دعا مرة اخرى الى تنحّي الزعيم الليبي، من ان التحالف الدولي quot;سينهي العملquot; في ليبيا.

واعلن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون من جانبه ان عمليات الاطلسي في ليبيا قد دخلت quot;مرحلة جديدةquot;.

وتأكيدًا لرغبتهما في تسريع العمليات العسكرية من خلال الاقتراب الى ميدان المعركة، سترسل باريس ولندن مروحيات قتالية قادرة على ان تستهدف بمزيد من الدقة انصار القذافي في وسط المدن.

كذلك اعلن رئيس الوزراء الكندي ستيفن هاربر ان مشاركة القوات المسلحة لبلاده في العمليات في ليبيا ستكون لفترة محدودة.

ميدانيًا، قصف الحلف الاطلسي ثكنة الحرس الشعبي القريبة من مقر اقامة القذافي القريب من وسط المدينة. وكان الاطلسي ذكر انه استهدف مستودعًا للاليات العسكرية.

وقد انهارت اجزاء من الجدران الضخمة لحرم الثكنة جراء القاء عشرات القذائف في الايام الاخيرة على الموقع المليء بالمستودعات، التي قالت السلطات إنها قد افرغتها.

وكانت مدينة القريات في منطقة مزده في جنوب طرابلس، تعرضت ايضًا للغارات، كما ذكرت وكالة الانباء الليبية.

من جهة أخرى، قتل مقاتلان من الثوار الجمعة خلال مواجهات مع قوات موالية للعقيد القذافي على بعد 285 كلم جنوب شرق اجدابيا (شرق). وقال جمال منصور قائد الثوار في اجدابيا quot;حصلت مواجهات مع قوات القذافي. وقتل اثنان من الثوار في موقع 103 النفطيquot;.

وكان الثوار تحدثوا عن معارك متفرقة حول مدينة جالو في الجنوب الشرقي الذي يسيطر عليه الثوار.

وفي مصراتة المدينة الاستراتيجية، التي حاصرتها قوات القذافي على مدى اسابيع قبل ان يطردهم الثوار من المطار، اشار شاهد لفرانس برس الى ان الوضع يبدأ يعود quot;طبيعيًاquot;.

واضاف انه تمت ازالة حواجز عدة، ويقوم عمال بتنظيف المدينة، واعادت محال عدة فتح ابوابها. لكن بحسب مصادر طبية، فإن قوات القذافي لا تزال تقصف مصراتة، وتخلف ضحايا مدنيين.

واتهم الحلف الاطلسي من جهة اخرى القوات الموالية للقذافي بإقامة quot;حقل الغامquot; حول هذه المدينة الواقعة على بعد 200 كلم شرق طرابلس. وقال القائد الاعلى لعمليات الحلف الاطلسي شارل بوشار ان الهدف هو quot;منع تحرك السكانquot; وquot;استعادة المدينة من الثوارquot;.

الى ذلك، اعلنت سلطات الطيران المدني المالطية ان طائرتي ميراج فرنسيتين من طراز اف-1 قامتا بهبوط اضطراري السبت في هذا البلد بعدما نفد منهما الوقود. وهي رابع مرة تضطر طائرات ميراج تشارك في عمليات الحلف الاطلسي في ليبيا للهبوط في مالطا.

على الصعيد الدبلوماسي، اعترفت السنغال السبت بالمجلس الوطني الانتقالي، الذي يقود المعارضة الليبية المسلحة quot;كممثل شرعي للشعب الليبيquot;، بحسب بيان للرئاسة السنغالية، تلقت وكالة فرانس برس نسخة منه.

وبذلك تحذو السنغال حذو فرنسا وإيطاليا وقطر وغامبيا والأردن، إضافة إلى بريطانيا، بحكم الأمر الواقع.