تميز شهر أيار/مايو بحضور طاغٍ لأسماء سعوديات فضّلن العيش خارج جغرافيا وطنهن، وحققن في الخارج تميزًا، وسجّل فيه إنجازهن كسعوديات الجنسية، في ظل ممانعة عرفية وشبه قانونية لنيل السعوديات بعضًا من طلباتهن داخليًا، كان أبرزها ممانعتها من قيادة المرأة السيارة ومنعها من المشاركة في الانتخابات.


الرياض: هناك من اعتبر أنالعام 2011 هو عام ثورة النساء السعوديات؛ ثورة ليست كمثيلاتها من النسخ الثورية الاقتصادية والسياسية في تونس ومصر وبقية جمهوريات الربيع العربي، بل ثورة براغماتية لكسر قيود منظمة quot;عرفيًاquot; أكثر من كونها قانونًا يطبّق وفق تشريع محدد.

ما بين قصص نجاح متوالية تسجلها المرأة السعودية خارجيًا في مجالات عدة، وبين مطالبات داخلية لفرض الوجود، تميز شهر أيار/مايو بشواهد وأحداث، كانت فيه السعوديات صاحبات الحضور الأكثر قوة ونفوذًا في وسائل الإعلام.

فمن يتتبع أيام شهر أيار/مايو المنقضي سيحصي أخبارًا كثيرة حضرت فيها المرأة السعودية، ربما تكون سوداويات، يراها البعض من أبناء وطنها أو بناته، أو أن تكون من معجزات الحديث عنها خصوصًا في وسائل الإعلام المحلية، إلا أنها كانت ذات نفوذ ومركز مميز في وكالات ونشرات وسائل الإعلام الخارجية.

كل من شاركت وحضرت في شهر أيار/مايو خصوصًا؛ كانت مميزة، فهي بلا شك تعمل مع نساء كثر في إعادة صياغة للحضور النسائي السعودي، إذ إنه كان إلى حد بعيد أكثر تميزًا في مجالات متنوعة من رجاله، الذين يشكك البعض منهم في مدى قدرة الكائن المعتادين على تسميته بـquot;المعوجquot; أو quot;ناقص العقلquot; على أن يجعل من الإعجاز إنجازًا.

وصفة النساء السعوديات نحو التغيير وفرض الحضور ربما ولدت من رحم المعاناة، الذي أفرز وأخرج من يسعين إلى الاستقلالية، فغادرن وطنهن لصناعة أحلامهن التي أبهرت من في الخارج، ومن بقين فيه يسعين بجلد وصبر نحو تغيير صياغة الفهم والواقع الذي فرض بفعل تنامي صوت رجالي يخشى من المرأة أكثر مما يخشى عليها.

منال الشريف.. قيادة إلى quot;خلف القضبانquot;

منال الشريف

الحضور الأبرز في أيار/مايو كان للقضية المعاد اجترارها في 1991 و2005، وهي قضية قيادة المرأة السعودية السيارة، قضية صرح فيها العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز في العام 2005 حول إثارة سابقة، أنها تعتبر قرارًا وشأنا اجتماعيًا، ودور الدولة الدائم هو ضمان توفير المناخ الملائم لأي قرار يراه المجتمع مناسبًا وفق حديث الملك.

إلا أن السيدة السعودية منال الشريف التي تعمل كخبيرة للأمن الإلكتروني في أكبر شركة نفط في العالم quot;أرامكو السعوديةquot; وحاصلة على شهادة الاختراق الإلكتروني الأخلاقي من المجلس العالمي لمستشاري التجارة الإلكترونية، كأول سعودية تحصل على هذه الشهادة العالمية في مجال أمن المعلومات الإلكتروني، كانت كبش الفداء وسيل العرم الموقوف بسد الجهات التشريعية، التي أعلن لاحقا أنها تطبّق النظام بمنع المرأة من قيادة السيارة، وفق quot;بيانquot; من هيئة كبار العلماء صدر في العام 1991، حيث صرح بذلك نائب وزير الداخلية السعودي الأمير أحمد بن عبدالعزيز في احتفاء ديني.

قبض على الشريف، التي أطلق سراحها الاثنين بعد أيام عشرة قضتها خلف القضبان، في سجن مدينة الدمام (شرق السعودية) بعد قيادتها سيارتها للمرة الثانية، بتهم منها هي quot;إثارة الرأي العامquot; وquot;تحريض النساءquot; وكذلك quot;تجاوز الأنظمة والقوانين المعمول بها في السعوديةquot; وكذلك تهمة quot;قيادتها السيارة والتجول بها من دون رخصة سعوديةquot;.

الشريف كانت مبادرتها وقيادتها السيارة بمثابة إجهاض لحملة أنثوية سعودية كبرى كان مقررًا لها الانطلاق في السابع عشر من حزيران/يونيو، ثارت مع الحملة ودونها؛ حملات مضادة من الجنسين، فهناك من تقدم بعرائض من خلف عباءات رجال الدين، يعتبرون فيها أن أمر قيادة النساء سيجرّ إلى جرائم أخلاقية، بينما رفض طيف من النساء الأمر؛ متقدمات بطلب للملك السعودي يوضحن فيه اعتراضهن وشجبهن المسألة برمتها.

قطار العاهل السعودي بقيادة امرأة

إمرأة قادت قطار العاهل السعودي

مناسبة جديدة عززت حضور المرأة السعودية عالميًا، كان ذلك عبر افتتاح الملك السعودي عبدالله بن عبدالعزيز جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن في الرياض، وهي المدينة الجامعية الأولى من نوعها الخاصة بالطالبات.

كان لافتًا في حفل افتتاح المدينة الجامعية لجامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن، التي تصنف أنها أكبر جامعة من نوعها في العالم، قيادة امرأة سعودية قطار العاهل السعودي الذي تجول به لمدة تزيد عن الخمس عشرة دقيقة على عدد من مرافق الجامعة quot;الحلمquot;.

صراعات المجتمع حول حملة السابع عشر من حزيران/يونيو، وقضية منال الشريف بشأن قيادة المرأة السيارة كانت نارًا تتلظى كل يوم، شعبيًا، بينما كان أمر قيادة المرأة قطار جامعة الأميرة نورة أمرًا يدعو إلى الفخر، شعبيًا ورسميًا. في وقت استقطب قطار المشاعر في مدينة مكة قائديه من جنسيات أخرى، نظرًا إلى الشحّ في وجود قائد قطار سعودي.

سعوديات يَطعنّ في الانتخابات البلدية

القضية الأكثر حضورًا بين قضايا السعوديات إعلاميًا محليًا وخارجيًا، كانت قضية تقدم عدد من النساء إلى المحكمة الإدارية، بطعن في وزارة الشئون البلدية والقروية، ممثلة في لجنة الانتخابات العامة، التي رفضت تقييد أسماء العديد من النساء كناخبات، وهو القرار الذي أثار رفض العديد من أطياف المجتمع السعودي باستبعاد النساء من الانتخاب أو الترشح.

إلا أن سمر بدوي، وهي طبيبة وحقوقية سعودية، تقدمت بالطعن الذي قبلته المحكمة بفرعها في مدينة جدة، قبل أن ترفضه اللجنة الخاصة بالفصل في الطعون الانتخابية لأسباب قانونية، من أبرزها تأخرها في تقديم الطعن وفقًا للنظام الذي يشترط تقديم الطعن في مدة لا تتجاوز الثلاثة أيام من تاريخ إبلاغها برفض تقدمها للانتخابات.

المثقفات يغيرن سياسة انتخابات الأندية الأدبية

على عكس اتجاه المطالبات بالسماح للمرأة بالانتخاب في المجالس البلدية، كان حضور المثقفات السعوديات أعلى صوتًا وأعمق في الوصول، على إثره تغيرت سياسة الانتخابات في الأندية الأدبية، بقرار وتوضيح رسمي من وكيل وزارة الثقافة والإعلام للشؤون الثقافية الدكتور ناصر الحجيلان.

مقدرة quot;النخبوياتquot; في مجتمعهن من تغيير سياسة ودفة انتخابات مجالس الإدارة في الأندية الأدبية السعودية، كانت أبرز أحداث أواخر شهر أيار/مايو، فبعد إعلان وكالة الوزارة للشؤون الثقافية عن حصر انتخاب المرأة في quot;اللجنة النسائيةquot; واتجاهها إلى أن تكون مجالس الإدارة رجالية، قرر عدد كبير من المثقفات الانسحاب من المشاركة في هذه الانتخابات، التي رأوا أنها مهمشة للمثقفات والنساء السعوديات.

ذلك الاحتجاج النسائي الأشبه بالإعصار، شتت قرار الأمس، لتعيد وكالة الوزارة النظر في المحتوى وتقرر إعطاءهن الضوء الأخضر للمشاركة في انتخابات مجالس إدارات الأندية، بشرط حصولهن على الأصوات المنتخبة من الجمعيات العمومية للأندية.

خارج الحدود... السعوديات يتميزن

خارجيًا في نطاق الجغرافيا، تثبت السعوديات يومًا بعد آخر مدى قدرتهن وكفاءتهن في حضورهن ومشاركتهن في المنتديات والمنافسات العلمية، البعض منهن اخترن عشًا مختلفًا للإقامة خارج الكيان الوطني، لا يزلن يعترفن بوطنهن وحبهن له، الأمثلة عديدة لم تأخذ نصيبها في الصحافة السعودية منهم:

أفنان الشعيبي

أفنان الشعيبي .. دبلوماسية العام 2011

آخر المتميزات المكرمات في شهر أيار كانت أفنان الشعيبي التي تتبوأ منصب الأمين العام والرئيس التنفيذي لغرفة التجارة العربية البريطانية، حيث حصلت على جائزة دبلوماسي العام عن العام 2011 نظير مساهمتها في تحسين العلاقات التجارية بين العالم العربي وبريطانيا وتطوير قطاع التجارة.

وجرى تسليمها الجائزة في احتفال كبير في لندن بحضور عدد كبير من السفراء العرب والأجانب المعتمدين لدى المملكة المتحدة ونخبة من كبار الشخصيات وممثلين عن كبرى المؤسسات في المملكة المتحدة. وحصلت الشعيبي على ثناء ناشر مجلة quot;الدبلوماسيquot; على الدور الكبير الذي قامت به في تنمية العلاقات العربية البريطانية والمكانة التي وصلت إليها غرفة التجارة العربية البريطانية تحت قيادة الدكتورة الشعيبي.

هبة الدوسري... علاج السرطان بتقنية النانو

هبة الدوسري باحثة سعودية مقيمة هي الأخرى في اسكتلندا، وهي ابنة الصحراء التي تغلبت على برودة الطقس والجليد، ونحتت فيه اسمها لتكون الفائزة بجائزة المجلس الثقافي البريطاني؛ لإنجازاتها البحثية في محاولة إيجاد علاج للسرطان، باستخدام تقنية quot;النانوquot;، متفوقة بذلك على أكثر من ألفي طالب من أكثر من مئة دولة، في المؤتمر التاسع للطلاب الأجانب في المملكة المتحدة.

وفي بيان صحافي، وصف الرئيس التنفيذي للمجلس الثقافي البريطاني، مارتن ديفيدسون، الرسالة التي تضمنت إنجازات الدوسري بـ ldquo;المؤثرة والملهمةrdquo;. وعلقت مشرفتها في جامعة إسترثكلايد كريستين دوفيس، بزهو على إنجاز طالبتها هبة قائلة quot;إنه ليس إنجازها الوحيد، لقد فازت في مناسبات عديدة خلال دراستها للدكتوراةquot;.

الزنبقي وزيلعي... الميدالية الفضية في الاختراعات

الخبر النسائي المتميز الآخر كان في أوائل شهر أيار/ مايو، حيث حصلت فيه الباحثتان السعوديتان من جامعة الملك عبدالعزيز الدكتورة ناجية الزنبقي ونهى زيلعي، على الميدالية الفضية وشهادة عليا من معرض جنيف الدولي للاختراعات نظير اختراعهما علاج مرض (التوكسوبلازما) الذي يعرف بداء القطط. ويعدّ العلاج الذي اكتشفته ناجية الزنبقي بمشاركة زيلعي ذا أهمية لكونه يستخدم بديلاً للعلاج الكيميائي.

توسيع عمل المرأة

ومنذ العام 2005 مع تولي العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز عرش الحكم في بلاده، تزايدت قصص النجاح التي تكتبها السعوديات داخليًا وخارجيًا، تجلت قصص هذا الإبداع والتميز خارجيًا، وهو المكان الذي فضلن العيش فيه بعيدًا عن قضايا تفصيلية في مسيرة تقدم وطنها، الذي غابت بشكل كبير مناقشة عمومياته. إذ بدأ بقيادة إصلاحية وداعمة لتوسيع مجالات عمل المرأة التي كانت مغيبة عنها بفعل عوامل مجتمعية وأيديولوجية من بعض التيارات المتشددة التي ترى في انخراط المرأة فيها بعدًا عن هويتها الدينية.

ومشاركة المرأة كانت جلية في عهد الملك عبدالله، الذي اعتلت فيه للمرة الأولى في التاريخ السعودي امرأة منصبًا قياديًا بمرتبة وزير، وكانت نائبة وزير التربية والتعليم نورة الفايز هي من فتحت باب التاريخ quot;القيادي النسائيquot; لتحمل هذه المرتبة التي اعتادت البلاد السعودية أن تكون فقط للرجال دون النساء.

لم تكن الفايز هي الوحيدة التي أتاح لها الملك عبدالله كسر المواريث الاجتماعية والعادات الوزارية؛ بل كانت الدكتورة أروى الأعمى متخطية هي الأخرى صفوف الرجال في أمانة مدينة جدة، لتعتلي منصب نائب أمين المدينة، إضافة إلى الدكتورة منيرة العلولا، التي غادرت قاعات التعليم النظري الأكاديمي نحو مؤسسة التعليم الفني والتدريب المهني كنائبة لمحافظ المؤسسة لتقنية البنات، مما يعطي إشارة واضحة إلى التوجه الملكي نحوإدخال الفتاة السعودية في خضم العمل التطبيقي الفني.

يذكر أن السعودية جاءت في المرتبة (129) من بين (134) دولة في تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي لقياس quot;الفجوة بين الجنسين على مستوى العالمquot;.