تصاعدت وتيرة التمرد العسكري بين صفوف الجيش السوري، اعتراضاً على ممارسات بشار الاسد القمعية ضد الثوار، وفي وقت اعتقلت الاجهزة السورية مدونة quot;مثليةquot; تحمل جنسية بلادها والجنسية الاميركية، واصل قادة الجيش تمردهم وسط وشمال غرب البلاد، ووصلت الامور الى ذروتها بعد مطالبة تركيا الأسد بالإصلاح الفوري.


الملازم اول عبد الرزاق محمد طلاس

محمد نعيم: تفاقمت حدة الأزمة السياسية والعسكرية في سوريا، ففي وقت يصرّ نظام الأسد على البقاء في موقعه، تأبى الأصوات الثورية الصمت، وعزز تلك الاصوات عمليات القمع والقتل، التي تقوم بها أجهزة الامن السوري ضد المتظاهرين، غير أن وقود الاحتجاجات بات مستمداً، بحسب صحيفة يديعوت احرونوت العبرية، من ارتفاع معدل حالات التمرد العسكري، وكان آخرها إعلان أحد ضباط الجيش السوري هربه من الجيش، اعتراضاً على الممارسات غير الانسانية التي يتبعها الجيش واجهزة الامن السورية مع المتظاهرين في شوارع مختلف المدن والقرى السورية بحسب الصحيفة العبرية.

هروب من الخدمة العسكرية
وكان هروب الضابط السوري من خدمته العسكرية، مؤشراً توثيقياً لما تناقلته وسائل الاعلام العربية والاجنبية خلال الآونة الاخيرة، حول حالة الشقاق والصدع التي باتت تخيّم على المشهد العسكري العام في سوريا.

ووفقاً للتسجيل الذي بثّ بالصوت والصورة، قال الضابط السوري الهارب: quot;انا الملازم اول عبد الرزاق محمد طلاس، احد ضباط الفرقة رقم 5، التابعة للوحدة رقم 15، الكتيبة 852، وهذه هي بطاقة خدمتي العسكرية مرفق بها صورتي الشخصية، وانا من سكان مدينة الرستن المتاخمة لمدينة حمص، انضممت الى الجيش والقوات المسلحة السورية للدفاع عن الشعب ndash; إذ إنه يُطلق علينا دروع الوطن ودروع الشعب ndash; من هجمات العدو الإسرائيلي، وبعد الجرائم التي ارتكبها الجيش والجهاز الامني، ورأيناها بأمّ أعيننا في مدينة درعا ومختلف الاراضي السورية، لم اتمكن من البقاء في الخدمة العسكرية وقررت الهروبquot;.

واوضح الضابط السوري الهارب من الخدمة انه كان شاهد عيان على عمليات القتل التي قام بها الجيش السوري، وسط مشيّعي جثامين شهداء الثورة السورية في مدينة انخل المتاخمة لدرعا، ولعب ضباط اللواء الخامس عشر في الجيش السوري دور البطولة في تنفيذ هذه الجرائم، ولا تختلف بشاعة هذه الجرائم عن نظيرتها التي وقعت في مدينة الصنمين السورية، وكان المسؤول عنها ضباط الفرقة التاسعة في الجيش، ودعا طلاس رفاقه في الخدمة العسكرية للهرب من الجيش، واضاف متسائلاً: quot;هل باتت مسؤولية الجيش السوري هى الدفاع عن أسرة الاسد؟ وأين هذا الجيش؟ لقد تحولت مدينة الرستن الى خراب، اين انتم يا ضباط مدن الرستن، وادلب، ودير الزور؟ اين ضميركم؟quot;.

لم يكن هروب الضابط السوري، الذي يدور الحديث عنه ارتجالياً، بحسب وسائل الاعلام العبرية، وانما سبقته مؤشرات أكثر خطورة، كان في طليعتها اعلان العميد quot;مناف طلاسquot; قائد الكتيبة رقم 105 التابعة للحرس الجمهوري السوري، نائب قائد الحرس اللواء ماهر الاسد عن اعتصام جنوده وعدم تنفيذ اية معلومات، ورهن استئناف عمله العسكري وجنوده وضباطه باستجابة الرئيس بشار الاسد لمطالبهم، يأتي في طليعتها احترام أسرة طلاس والتعامل معها بما يليق بمكانة أبنائها، الذي يقيمون في مدينة الرستن السورية.

وتلى موقف العميد طلاس موقف آخر أعلنه قادة احدى الوحدات العسكرية في مدينة حمص، إذ اعلنوا بحسب المعلومات العبرية اعتصامهم الاثنين الماضي، في وقت اندلعت المواجهات العسكرية العنيفة بين قوات الجيش السورية الموالية لبشار الاسد والفيالق العسكرية المتمردة.

اعتقال مدونة quot;مثلية الجنسquot;
وبحسب تقرير لصحيفة يديعوت احرونوت، اشتعل لهيب الثوار السوريين بدرجة كبيرة في اعقاب قيام اجهزة الامن السورية بالقبض على احدى المدونات السوريات، التي تحمل جنسية بلادها، إضافة الى الجنسية الاميركية، جاءت عمليات الاعتقال بعد حملة الانتقادات الشعواء، التي شنّتها صاحبة المدونة المدعوة أمينة عبد الله عارف ضد نظام بشار الأسد.

ووفقاً للتقرير فوجئت أمينة عارف التي تصف نفسها بـ quot;مثلية الجنسquot; بشخصيات مسلّحة تتهجم عليها، وتقوم باختطافها عندما كانت في طريقها لزيارة إحدى صديقاتها في مدينة دمشق، ولم يتمكن أحد من المارين في الشارع من انقاذها.

بعد اختطافها، كتبت شقيقتها في المدونة، التي تحمل عنوان quot;شابة مثلية في دمشقquot;، إن أمينة تمكنت من خلال مدونتها بالغة الشهرة على شبكة الانترنت، اجتذاب عدد ليس بالقليل من الاصدقاء السوريين وفي مختلف الدول العربية وربما دول اجنبية اخرى، ونظراً إلى حرص امينة على كشف فضائح النظام السوري، وجرائم اجهزته الامنية ضد ابناء الشعب السوري دون تمييز، تم اعتقالها في وضح النار لقمع حريتها وإحباط مساعيها الرامية الى المناداة بالاصلاح السياسي في بلادها، وصولاً الى الاطاحة بنظام بشار الاسد القمعي.

على الصعيد الميداني، وبعد مقتل ما يربو على 120 جندي سوري في هجوم هو الأول من نوعه قام به متمردون من المؤسسة العسكرية في الشمال السوري، بعثت تركيا الحليف الأول لبشار الاسد في المنطقة برسالة شديدة اللهجة لسوريا، طالبت فيها بضرورة بدء عملية اصلاح فوري في البلاد، حقنًًا لحمّامات الدم المسالة في الشوارع السورية، بحسب ما نقلته يديعوت احرونوت عن وزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو.

وتابعت الصحيفة تقول: quot;اعرب وزير الخارجية التركي عن استيائه من الوضع الامني المتردي الذي تشهده سوريا وجرائم الممارسات القمعية التي يرتكبها الاسد ضد شعبه، واسفرت هذه الممارسات عن هروب ما يقرب من اربعين شخصية سورية رفيعة المستوى نحو الاراضي التركية، ولقى احد هذه الشخصيات حتفه خلال عملية تهريبه من سوريا الى تركياquot;.

ووفقاً لحديث وزير الخارجية التركي في سياق لقاء مع تلفزيون بلاده: quot;يجب ان يكون هناك تغيير سياسي في سوريا، ولكن بخطوات سلمية، فسوريا دولة عربية لها اهمية بالغة في عملية السلام، ولها حدود مع لبنان والعراق واسرائيل والاردن وتركيا، كما إنها تتميز باطيافها الطائفية المتعددة، خلافاً على ما يبدو عليه الحال في ليبيا وتونسquot;.

وقف البثّ مرتين خلال 12 ساعة
تشير تسريبات تناقلتها وسائل الاعلام العبرية الى معطيات موثقة، اكدت فيها ان وحدات متمردة في الجيش السوري تمكنت مساء الاثنين الماضي من السيطرة على مناطق وسط وشمال غرب سوريا، وهي المناطق التي تشمل مدن حمص وحماه واللاذقية، واستخدمت القوات التي يدور الحديث عنها في عملياتها العسكرية اسلحة ثقيلة مثل المدافع الثقيلة والهاون والصواريخ المضادة للمدرعات ومواد متفجرة.

على خلفية هذه التطورات، قطع التلفزيون السوري بثّ ارساله للمرة الثانية خلال الاثنى عشر ساعة الاخيرة من مساء الاثنين الماضي، وقال التلفزيون السوري في تقريره، ان المتمردين العسكريين الذين وصفهم بـ quot;الارهابيينquot; قتلوا ما لا يقل عن 120 جندي في الجيش، إضافة الى عناصر امنية سورية اخرى.

وقالت التقارير العبرية، التي تصف نفسها بالاستخباراتية، ان الرئيس السوري بشار الاسد اوعز الى الفرقة رقم 555 ndash; الفرقة الوحيدة، التي لا تزال باقية الى جواره في دمشق ndash; والفرقة رقم 85 في الجيش السوري بالتوجه الفوري الى المناطق الواقعة في وسط وشمال غرب سوريا للتعامل مع حركة التمرد العسكري الجارية في حمص وحماه ورستن، ووفقًا للمعطيات العبرية، خرجت المدن السورية التي يدور الحديث حولها من سيطرة الجيش السوري، إذ خلت عن بكرة ابيها من اي وجود لقوات الامن السورية خلال الاربع والعشرين ساعة الماضية.

كما اضرم السوريون النار في كل المؤسسات الحكومية في المدن السورية الثلاث مساء الاثنين الماضي، إذ تمكن المتمردون من السيطرة التامة على مستودعات الذخيرة والاسلحة السورية، المتاخمة للسدود المقامة على نهر اورونتوس quot;العاصيquot;، الذي يمر في المدن الثلاث، كما تمتلك العناصر العسكرية السورية المتمردة حالياً على ما يقرب من خمسة اطنان من المواد المتفجرة، يعتزم المتمردون استخدامها في تفجير جسور نهر العاصي، التي تربط وسط وجنوب سوريا بمناطق شمال غرب البلاد، للحيلولة دون تمكين المدرعات والدبابات والقوات السورية الخاصة من الوصول إلى المنطقة التي يدور الحديث عنها.