قدم 750 طبيبًا فلسطينيًا استقالتهم من مناصبهم في القطاع الحكومي بشكل جماعي، إحتجاجًا على قرار محكمة العدل العليا التي قررت إنهاء إضراب الأطباء. وقال نقيب الأطباء الفلسطينيين الدكتور عبدالجواد عواد إن قرار الاستقالة الجماعية جاء بعد تدخل القضاء في موضوع الإضراب الذي خاضه الأطباء، بعدما رفعت الحكومة قضية للمحكمة تطالب فيها بفض إضراب الأطباء الحكوميين.


من إضراب الأطباء الفلسطينيين العاملين في القطاع الحكومي

عنان الناصر من رام الله: من المتوقع أن تُدخل هذه الخطوة القطاع الصحي الفلسطيني في وضع حرج، خاصة أن الغالبية العظمى من المرضى تعتمد على العلاج في المستشفيات الحكومة والمراكز الطبية التابعة لوزارة الصحة.

وقد جعلت هذه الأحداث القطاع الطبي الحكومي في الأراضي الفلسطينية يمر بفترة عصيبة أرهقت كاهل المواطنين نظرًا إلى حالة الإضراب الجزئي، الذي تنفذه نقابة الأطباء منذ ما يزيد عن الشهرين، للمطالبة برفع سلم الرواتب وتوفير حياة كريمة للأطباء.
وشلّ هذا الإضراب مختلف مرافق القطاع الطبي الحكومي من عيادات ومستشفيات ومراكز صحية، وأدى إلى إرجاء عقد الكثير من العمليات الجراحية المبرمجة، باستثناء الحالات الطارئة، إلى إشعار آخر، الأمر الذي أثار حفيظة وسخط المواطنين.

دفع هذا الإضراب الحكومة الفلسطينية إلى التوجّه إلى محكمة العدل العليا، التي قررت بدورها ظهر الأربعاء ضرورة وقف الإضراب، وعودة الأطباء إلى أعمالهم، الأمر الذي دفع بنقابة الأطباء إلى عقد جلسات طارئة والقيام باعتصام حاشد شارك فيه قرابة الألف طبيب أمام مقر مجلس الوزراء في مدينة رام الله، ومن ثم اتخاذ قرار بالاستقالة الجماعية.

وقررت محكمة العدل العليا في جلستها، التي عقدت في مدينة رام الله، وقف إضراب نقابة الأطباء، وجاء القرار استكمالاً للجلسات التي عقدتها بخصوص قضية إضراب الأطباء.

وأوضحت هيئة المحكمة أنه وبالرغم من استناد الإضراب إلى مطالب عادلة، إلا أن قرار الإيقاف كان بسبب عدم مشروعية الإضراب ومخالفته القانون والإجراءات الواجب إتباعها قبل البدء في تنفيذه، ولعدم توجيه تنبيه كتابي موقع من 51% من الجهة المضربة قبل شهر من بدء الإضراب.

وقالت رئيسة نيابة العدل العليا نجاة بريكي ممثلة النيابة العامة في هذه الدعوى: quot;إن قرارات المحكمة محمية بالقانونالأساسي، وهي ملزمة ولا بد من تنفيذها وتطبيقها، منوهة إلى أن مخالفتها جريمة يعاقب عليها القانونquot;. وأكدت بريكي أن النيابة العامة تحترم قرارات المحكمة مهما كانت، لافتة في الوقت عينه إلى أن قرار المحكمة جاء بعد دراسة كاملة لحيثيات الدعوة.

نقابة الأطباء تصعد
بدورها، صعّدت نقابة الأطباء الفلسطينية من توجهاتها وخطواتها الاحتجاجية ضد ما أسمته عدم إنصاف الأطباء في أعقاب قرار محكمة العدل العليا القاضي بوقف إضراب العاملين في القطاع الطبي.

ونفذت النقابة اعتصامًا حاشدًا، شارك فيه قرابة الألف طبيب أمام مقر مجلس الوزراء للاحتجاج على هذا القرار وللمطالبة بتحقيق مطالب النقابة، هذا ودعت النقابة الأطباء العاملين في القطاع العام إلى الشروع بتقديم استقالات جماعية إلى النقابة ليتم رفعها مباشرة إلى مجلس الوزراء.

وقال نقيب الأطباء في فلسطين الدكتور جواد عواد في لقاء خاص مع quot;إيلافquot;: quot;إن النقابة تحترم القضاء الفلسطيني وقراراته، مؤكدًا في الوقت نفسه أن النقابة، واستجابة لرغبة الهيئة العامة، فإنها ستقف عند مسؤولياتها وتساند الأطباء في إضرابهم وتوجهاتهم لتحقيق مطالبهمquot;. ولفت إلى أن النقابة، واستجابة لما تقرر في الاجتماعات الطارئة، فإنها دعت الأطباء إلى تقديم استقالات جماعية.

وبحسب عواد، فإن مجموع الاستقالات التي وصلت حتى الآن وقدمت إلى النقابة، بلغت 750 استقالة، لافتًا في الوقت نفسه إلى أن النقابة وحرصًا منها على سلامة وصحة المواطنين فإنها مع بقاء الأطباء الذين تقدموا باستقالاتهم في عملهم داخل المستشفيات ريثما يتم البتّ في هذا الموضوع. وأشار إلى أن مجلس النقابة في انعقاد مستمر ومتواصل لبحث تداعيات هذه الأزمة.

وقال نقيب الأطباء: quot;إن نقابة الأطباء وبناء على توصيات الهيئة العامة وتلبية لتطلعاتها قررت المضي قدمًا في إجراءاتها، وباشر الأطباء في كل المحافظات بتقديم استقالات جماعية احتجاجًا على عدم تلبية مطالبهمquot;. وأوضح عواد، أن النقابة تداعت إلى عقد اجتماع طارئ للتباحث في حيثيات القرار الصادر من محكمة العدل العليا، بحضور أعضاء المجلس كافة ولجان الإضراب في كل المواقع، ودعت الهيئة العامة إلى ضرورة تقديم الاستقالة الجماعية، وبناء على رغبة الأطباء تم المباشرة بتقديم الاستقالات.

وشدد عواد على احترام نقابة الأطباء للقضاء الفلسطيني، وفي الوقت عينه، فإنها مع المطالب العادلة لتحقيق وتجسيد كرامة الأطباء الذين لهم الحق الآن في تقديم استقالات جماعية لعدم تلبية مطالبهمquot;. وكان الأطباء العاملون في القطاع الحكومي باشروا بتنفيذ إضراب جزئي منذ قرابة الشهرين لتحقيق جملة من المطالب الهامة لخدمة العاملين في هذا القطاع، وتلبية لاحتياجاتهم في ظل الواقع الاقتصادي الصعب الذي يعانونه.

وأكد عواد أن النقابة باشرت بالإضراب الجزئي منذ ستين يوما احتجاجًا على الأوضاع المتردية التي يعانونها نظرًا إلى صعوبة الأوضاع الاقتصادية بسبب تدني الرواتب. وقال نقيب الأطباء: quot;منذ ستين يومًا نخوض إضرابًا جزئيًا، لم نلق خلالها آذانًا صاغية ولم يكن هناك أي حوار مع الحكومة، وفي نهاية المطاف نتفاجأ من لجوء الحكومة إلى محكمة العدل العليا بدلاً من أن تدخل معنا في حوار لحل الإشكاليات القائمةquot;.

وأوضح أن النقابة كانت قد قررت الخوض بإضراب مفتوح اعتبارًا من بداية الشهر الجاري، يشمل كل المرافق، باستثناء علاج الحالات الطارئة، إلا أن القرار الصادر من العدل العليا، دفع أعضاء الهيئة العامة للنقابة إلى القيام باتخاذ قرار الاستقالات الجماعية.

عن طبيعة المطالب التي كانت تنادي بها نقابة الأطباء طوال الفترة الماضية، قال عواد: quot;إنها تشمل أساسًا رفع سلم الرواتب لكونها لا تتلاءم مع الظروف الراهنة، وتشمل أيضًا قضايا العمل الإضافي وعلاوة المخاطرة وبدل غلاء معيشة وغيرها من القضايا الثانويةquot;.

وذكر أن الأجدر بالحكومة كان يتمثل بضرورة الجلوس مع نقابة الأطباء والاستماع إلى مطالبهم المحقة والعمل على تلبيتها، لأن أقصر الطرق لإنهاء هذه الأزمة هو تلبية الحقوق العادلة للأطباء التي كفلها القانون. وشدد عواد على ضرورة العمل من أجل إنهاء هذه الإشكالية، لأن هذا التوجه سينعكس سلبًا على القطاع الصحي الفلسطيني، الذي وصفه بـquot;الكارثيquot;، بسبب هجرة الكفاءات وتعاقد العديد من الأطباء الفلسطينيين مع مراكز ومستشفيات خارجية.

وقال: quot;إن الهدف من الإضراب الجزئي الذي استمر طوال الفترة الماضية كان لتحسين بيئة العمل والظروف التي يعمل فيها الأطباء للحدّ من هجرة الكفاءات وللحفاظ على الكوادر الفلسطينيةquot;. وناشد نقيب الأطباء الرئيس الفلسطيني محمود عباس للتدخل شخصيًا في حل هذه الأزمة، مؤكدًا أن تردي الأوضاع التي يعمل فيها الأطباء في فلسطين ساهمت في عزوف الكثيرين عن العمل في القطاع الطبي الحكومي، حيث توجد شواغر لأطباء وفنيين متخصصين في أكثر من مستشفى حكومي في الوقت الراهن.

النقابة تنتقد التوجه إلى القضاء
وكانت هيئة الكتل والقوائم البرلمانية عقدت اجتماعًا في مقر المجلس التشريعي بحضور ممثلي نقابة الأطباء للاستماع إلى مطالب الأطباء التي تمحورت حول الواقع الراهن. وانتقد ممثلو النقابات لجوء الحكومة إلى القضاء، لإجبار الأطباء على إنهاء إضرابهم واصفين هذا الخطوة بمثابة الإهانة إلى الجسم الطبي الفلسطيني بكامله.

وشددوا على ضرورة استجابة الحكومة لمطالبهم، ومن بينها: صرف راتب للأطباء الذين يعملون على برنامج الاختصاص، ورفع أجورهم، خاصة بدل ساعات العمل الإضافية، التي تجبر الطبيب على العمل في أوقات الأعياد والعطل الرسمية ووفق الحالات الطارئة.

وطالبوا برفع علاوة المهنة للطبيب الإداري، والتي تبلغ 50% من الراتب، في حين أن علاوة المهنة للمحامي تبلغ 200%، وغيرها من المطالب ذات العلاقة. وأشاروا إلى وجود نقص كبير بالاختصاصيين في المستشفيات الحكومية، حيث يوجد في فلسطين 13 طبيبًا لكل عشرة آلاف مواطن، وهو عدد قليل جدًا مقارنة مع الدول المجاورة.

بدورها، أكدت هيئة الكتل والقوائم البرلمانية على وقوفها إلى جانب مطالب الأطباء حسب ما ينص عليه القانون الفلسطيني، ووجوب التزام الحكومة بإنصافهم وإعطائهم كل حقوقهم، وأشارت إلى أنها شكلت في السابق لجنة تقصي حقائق برلمانية لبحث التجاوزات في وزارة الصحة والإطلاع على أوضاع هذا القطاع الحيوي المهم.

الشخصيات المستقلة تطالب الرئيس بالتدخل
وكان رئيس تجمع الشخصيات المستقلة في الضفة الغربية خليل عساف طالب الرئيس محمود عباس بالتدخل الشخصي لدى نقابة الأطباء لمنع الوصول إلى إعلان مفتوح للإضراب مطلع الشهر الجاري.

وقال عساف في اتصال هاتفي مع quot;إيلافquot;: quot;إن الشخصيات المستقلة سعت خلال الأيام الماضية إلى محاولة ثني نقابة الأطباء عن إجراءاتها التصعيدية وخطواتها الاحتجاجية لتوقف الحوار بين النقابة والحكومة الحالية ريثما تشكل الحكومة الجديدةquot;.

وأوضح عساف أن وضع القطاع الصحي في الأراضي الفلسطينية أصبح لا يطاق في ظل ارتفاع معاناة المواطنين بسبب نقص الخدمات بشكل كبير في المرافق الصحية، إضافة إلى النقص الحاد في توافر الدواء. وشدد على ضرورة حل هذه الأزمة، التي باتت تهدد سلامة وصحة المواطنين، وتدفع الأطباء إلى الهجرة الخارجية بحثًا عن واقع أفضل.