في الجزء الثالث من سلسلة زيارات سلطنة عمان، كان المقر والحديث عن محافظة ظفار المتمردة السابقة، والجاذبة للسياحة اليوم، ففي مدينة quot;صلالةquot; سيطرت أجواء التنوع الثقافي والفكري والمذهبي على شكل الزيارة وتقريرها، وهي المدينة الأقل توفرا للخدمات مقارنة بمسقط، وquot;صلالةquot; هي المختزلة لأشكال عدة من التحفظ الاجتماعي.


مدخل حصن طاقة في ظفار

صلالة: رحلة داخلية بالطائرة نحو الجنوب، نحو منطقة الصراع المتمرد السابق في quot;ظفارquot; المحافظة، وquot;صلالةquot; المدينة العاصمة، فالسلطنة هي الدولة الوحيدة بعد السعودية في نطاق الخليج التي تتوفر فيها خدمات الطيران للتنقل بين مدنها الداخلية، بحكم المساحة التي تشغلها عُمان، المطلة على بحرين خليج، ومحيط.

ساعة ونصف كانت تحمل انطباعًا عن مدينة عاشت تحت وطأة الحرب لأكثر من عشر سنوات، هي مدينة الصراع والبقاء والسياحة اليوم، كيف تخلصت من تراكمات الحصار والضجة والحرب؟

الوصول إلى مطار محلي ذي مدرج وحيد، الوجوه في الغالب يلتحفها السواد كلون للبشرة أكثر من نضارة وجوه أهالي مسقط الشمالية وما جاورها، التغيير في الأشكال يوحي بانطباع جديد في مدينة، مهمة البحث فيها ستكون معقدة أكثر من العاصمة.

الطيبة والبشاشة تميزان العمانيين بصورة عامة، حتى في صلالة الجنوبية، السياح خلقوا طيفا آخر، لم يكن نجاح مدينتهم quot;سياحيًاquot; سوى لتسامح العمانيين مع بعضهم أولا، فهم طوائف ومذاهب قدّت، من المنهج الديني quot;الإباضيquot; وquot;السنيquot; وquot;الشيعيquot;، قل إن وجود مثيل له في دول عربية مماثلة في المنطقة يفصل الدين كثيرا في تعاملاتها ومنهج حياتها.

التجول والحديث في أرجاء صلالة ممتع، فالتنقل بين الساحل والجبل والتعايش مع أهالي quot;الجبّاليّةquot; ذوي اللكنة واللهجة المستعصي على أولي اللغات الأخرى من عرب وغيرهم فهمها، هم من آثر الخروج بإيديلوجيا الشعور quot;الاستبدادquot; على السلطان سعيد بن تيمور، في تأييد للمد الاشتراكي الذي اجتاح الجنوب من الجزيرة العربية ووصل اليمن ووقف عند حد سلطنة عمان، التي أعلنت وقف quot;هلالquot; كان على وشك التمدد.

جلسات أهل الجنوب العماني أشبه ما تكون في جلسات حضن quot;حضرموتquot; اليمني، مع الاحتفاظ بالتميز العماني على اليمن المضطرب، وهذا يدعو للتساؤل:

هل وجود قابوس بن سعيد ونجاحه ضد ثورة quot;ظفارquot; أنقذ الجنوب من أن يكون نسخة يمنية أخرى؟

ولاية طاقة على المحيط الهندي
المحلل السياسي محمد العريمي قال إن الإجابة على هذا السؤال ترتكز في أصلها على أن عُمان هي ليست اليمن، كما أن نظام الحكم مختلف بينهما. مشيراً إلى المواطن العُماني يؤمن تماماً بضرورة استمرار حالة السلم الأهلي، والسلطان متصالح تماماً مع شعبه منذ أن حكم البلاد عام 1970.

واستطرد العريمي في الشأن اليمني حيث قال إن ما يجري في اليمن هو جانب إيجابي، إذ إن معظم أفراد الشعب اليمني يحملون السلاح. ممتدحًا التعاطي الشعبي واصفا إياه بالحضاري وعلى درجة عالية من المسؤولية، تجاه اليمن الوطن ولو كان الأمر غير ذلك لكان أودية من الدماء تسيل في شوارع اليمن.

حب السلطان يفتر بالجنوب !!

وفي خضم الأحداث والجولات في ظفار وعاصمتها quot;صلالةquot; كان هناك نوع من الفتور في شأن العلاقة الوطنية بين أبناء الشمال والجنوب، وهذا الأمر تجلى في محطات عبور وتوقف في رحلة quot;إيلافquot; الظفارية، من أراضي مسقط حتى صلالة يتفق العمانيون على شكل الهدوء والطيبة، وهو الموضع المثير للتساؤل، هل تخف محبة السلطان كلما اتجهنا نحو الجنوب؟ خصوصا في محافظة ظفار، التي التقينا فيها صفوفا كبيرة من الشعب وجدنا نسبة بسيطة تختلف في حب وتأييد السلطة؟

الدكتور العريمي، قال: quot;أعرف أن لك الحق في طرح أي تصور أو تخمينات، ولكن الواقع غير ما تقولquot;. وأضاف quot;سأقول بشكل مباشر إن محبة السلطان هي حالة تراها في الكثير من المناطق العمانية على السويّة نفسهاquot;. موضحا أن السلطان هو ابن الجنوب، لذا فإن فرز المحبّة أو تصنيفها هو غير وارد.

وتطرق إلى أن تلك العلاقة التي تربط السلطان بأهله سواء في ظفار أو في بقية الأرض العمانية تجتمع على المحبة والعشق. وأضاف أنه بعض الشباب الأصدقاء والصادقين الذين شاركوا في الاعتصامات الأخيرة، فإن لديهم مآخذ على بعض المسؤولين وسياساتهم في وزاراتهم، إلا أن السلطان بشخصه كان محط إجماع بالتقدير والمحبة والولاء الذي يقوم على التبادلية في الاحترام والإجلال.

وادي دربات.
واعتبرأن معظم الاعتصامات كانت تتحدث عن أشخاص معينين لم يحملوا الأمانة على صحتها وسلامتها، فانحرفوا نحو تحقيق الأهداف الشخصية، وتعظيم المصالح العائلية على حساب المصلحة العامة للوطن والمواطن. كما احتج الشباب على بعض حالات الفساد التي تضخمت مؤخراً، ولكن سرعان ما استجاب السلطان إلى المطالب.

حملات إسلامية quot;دعويةquot; في صلالة..!

في صلالة كان الجميع يتحدث عن الدين بشكل كبير، فمظاهر الحياة المدنية تتواجد فيها، لكن على نحو أقل من العاصمة مسقط، فمنذ دخولنا إلى عاصمة ظفار؛ كانت المساجد والأضرحة أكثر ما يشكل مقار للزيارة داخلها، تقل بشكل كبير في صلالة كذلك؛ مظاهر قيادة المرأة للسيارة. ووفق حديث المرافق فاعتبر أن البعض من القبائل المنتشرة في الجنوب ترى أنه من المعيب أن تقود امرأة منهم السيارة، مؤكدا أن الأمر بدأ في التشتت إيمانا منهم بأن المرأة شريك الرجل وقوامه.

الأمر الذي كان جاريًا على ألسنة البعض، هو الحديث عن السعوديين ورجال الدين القادمين منها، خصوصا من يتواجد منهم في فترة الخريف، وهي الفترة التي تشهد فيها quot;صلالةquot; توافدًا كبيرًا من السياح الأجانب، إذ ذكر أحد العاملين في القطاع السياحي في صلالة أن رجال الدين يقومون بأعمال تطوعية وquot;دعويةquot; عبر quot;منابر المساجدquot;.

وعن تجاوب المجتمع السياحي والعماني بالدرجة الأولى معهم قال إن أهالي الجنوب يكنون لهم كل الاحترام ويجدون صدى متجاوبًا مع ما يدعون إليه، مؤكدًا أن العمانيين في الجنوب أصبحوا يتلهفون على زيارات وخطب رجال الدين السعوديين.

التنوع الفكري بين أبناء الشمال والجنوب في السلطنة

الكاتب العماني الجنوبي من محافظة ظفار عبدالله العليان قال خلال حديث لـquot;إيلافquot; عن التنوع الفكري بين مسقط وظفار، ودور ذلك في تشكيل هوية السلطنة، قال quot;ليس هناك اختلاف بمعنى الفواصل الفكرية والثقافية بين شمال عمان وجنوبها، تجمعنا ثوابت الدين وقيم كثيرة مثل العادات والتقاليد العمانية الطيبة، وهناك تداخل وتشابكquot;.

الطريق إلى صلالة
أما التنوع، فذكر أن عمان تمتلك رصيدًا كبيرًا من التنوع الثقافي، وهذه تشكل قوة فكرية وتراثية لهذا البلد، وهي quot;قيمة عظيمة يحرص الجميع على الحفاظ على هذه المزايا التراثية التي تعزز القيمة الثقافية والفكرية لهذا البلد، وكل الحضارات الكبيرة والقوية عبر التاريخ تحقق لها التفوق الفكري والحضاري بفضل التعدد والتنوع، ضاربا المثال بالولايات المتحدة الأميركية.

وتطرق العليان وهو الكاتب المتخصص بالشأن الفكري والثقافي، إلى التعدد المذهبي، وهي مدارس فقهية إسلامية، من quot;أباضية وسنية وشيعية quot;، حيث أشار إلى أنهم يعيشون في وئام ووفاق، وليس هناك ما يعكر صفو هذه المذاهب مع بعضها البعض، معتبرًا أن التعدد والتنوع لا يشكل عقبة أو مشكلة في البلد الواحد، وأن هذا التنوع يمثل ثراءً كبيراً لأي بلد كان، بشرط الابتعاد عن التعصب، وعدم القبول بالاختلاف.

أمواج المحيط الهندي تحيط بالجنوب العماني
وعن غياب المثقف والمفكر العماني عن الساحة العربية وما أسبابه: قال عن بداية السبعينات من القرن الماضي، نعم الوضع الثقافي كان شبه معدوم ، والحراك الثقافي كان راكدًا ومحدوداً، وهذه كانت لها أسبابها وظروفها السابقة للسلطنة، قبل تولي السلطان مقاليد الحكم، بعد النهضة، بعد الحراك الثقافي والفكري في الانطلاق، بالتدرج، لأن الغالبية من العمانيين في بداية التغيير، انصب اهتمامهم على التنمية، والتعليم، والتأهيل، لأن الأولوية كانت للتأسيس والقوي للإنسان العماني باعتباره محور التنمية وقائدها كما قابوس في العديد من أحاديثه.

وأضاف أنه في الثمانينات من القرن الماضي، تأسست جامعة السلطان قابوس، وبدأت الأنشطة الفكرية والثقافية تنطلق من خلال الصحافة والوسائل الإعلامية الأخرى، لكن التعليم العالي لم يبدأ من الثمانينات، من القرن الماضي، بل إن الدولة ابتعثت آلافا من العمانيين إلى الجامعات العربية والأجنبية.

وعن غياب المثقف والمفكر العماني عن الصورة العامة داخلياً وخارجيًا، خالف العليان ذلك كون أن المشهد الفكري والثقافي بدأ ينطلق بصورة مضطردة في الداخل والخارج ، مستشهدًا بالعديد من المؤلفات العمانية في الكثير من دور النشر العربية، مضيفا: quot;نرى الحراك الفكري والثقافي ليس مكتملاً، لكننا نشهد الآن تحركا مقبولا

عين صحلنوت
ومتفاعلاquot;.

أخيرا..

من عمان السلطنة، دولة هادئة، ويبدو أنها ستكون كذلك حتى وقت ليس بالبعيد، فهدير أمواج محيطها الهندي، وصدى خليجها، هما أعلى صوتا من صوتها الحالي، كل ما فيها يبعث على التأمل والاستجمام، كموقعها.. وعلى الرغم من تواجد quot;إيلافquot; في أراضي السلطنة للاستقصاء والبحث في أغوار غموض ساحل عُمان، إلا أن العديد من الكتاب العمانيين رفضوا الحديث، وتخوفوا، معتبرين أن ذلك جديد على سلطنة يشكل مستقبلها القادم، نوعا من التنبؤ في الأحلام، لكن بقي أن يقال شكرا لطيبة أهلها.