وضعت الاستخبارات الإسرائيلية تصوراً متفائلاً لمستقبل النظام السوري، مشيرة إلى أن الإصلاحات التي طرحها الأسد كفيلة ببقائه في منصبه، فضلاً عن تسريبات استخباراتية تؤكد بلورة استراتيجية quot;المعارضة المعتدلةquot; لضمان استقرار النظام في دمشق، شريطة إبعاده عن أسرته ومؤسساته السياسية والعسكرية الحالية، وفكّ تحالفه مع إيران وحزب الله.


الرئيس السوري محاطًا بمواطينه

محمد نعيم: تراقب الأجهزة المعنية في تل أبيب ما يجري من تطورات سياسية وامنية لدى الجارة الشمالية سوريا، وكان من بين هذه المتابعة الحثيثة تقرير رئيس الاستخبارات العسكرية الجنرال quot;افيف كوخافيquot;، الذي وضع إطاراً عاماً للوضع الراهن في سوريا، ناقش فيه بشكل تحليلي مستقبل الرئيس بشار الاسد، والدعم الايراني لقمع المتظاهرين في مختلف المدن السورية، والاصلاحات التي طرحها رأس النظام في دمشق ومدى نجاعتها في تهدئة الجماهير الثائرة، إضافة إلى إشكالية ولاء الجيش للأسد، وعقد مقارنة مع ولاء الشرطة.

تحت عنوان quot;شرق اوسط جديد بعيون الاستخبارات العسكرية الاسرائيليةquot;، رصدت صحيفة يديعوت احرونوت العبرية الخطوط العريضة لإيجاز الاستخبارات الاسرائيلية quot;أمانquot;، الذي تلاه الجنرال quot;أفيف كوخافيquot; امام لجنة الخارجية والامن التابعة للبرلمان الاسرائيلي quot;الكنيستquot;، وكان من بين ما اكد عليه كوخافي في تقريره: quot;ان الاسد بات على قناعة بأن تهدئة الاوضاع وجماهير الثوار في بلاده لن يكون بالاعتماد على قوة الجيش او الشرطة، لذلك آثر الاسد التعاطي مع شعبه عن طريق سن الاصلاحات الجديدةquot;.

ولاء الجيش يفوق انتماء الشرطة
فالأسد، بحسب تقديرات الاستخبارات الاسرائيلية، يثق في ولاء الجيش له بشكل يزيد الى حد كبير عن ولاء وانتماء الشرطة، والمح كوخافي الى ان الاصلاحات التي بادر اليها الاسد ستحدّ من اجواء الفوضى والتظاهرات التي يشهدها الشارع السوري ضد رأس النظام، واضاف: quot;لا ينبغي الاستخفاف بإصلاحات الاسد، لاسيما أن هذه الاصلاحات تتعلق بتحسين رواتب المستخدمين، وتوسيع رقعة الضمان الاجتماعي، وايجاد فرص عمل حتى اذا كانت بشكل نسبي للشباب السوريquot;.

كما تطرق رئيس الاستخبارات العسكرية الاسرائيلي الجنرال quot;أفيف كوخافيquot; إلى وضعية الجيش السوري إزاء هذه التطورات، مشيراً الى ان الجيش لا يزال في معظمه موالياً لبشار الاسد، خاصة إذا دار الحديث عن الصفوف الامامية والقيادات المكلفة بقمع التظاهرات في مختلف المدن السورية، فهذه الفيالق تدرك انها تقوم بدور وطني ينطوي على شرعية قانونية لتجنيب البلاد حالة من الفوضى والفلتان الامني.

واضاف كوخافي: quot;لا توجد في سوريا ظاهرة الهروب من الخدمة العسكرية، إذ لم تتجاوز حالات الهروب من الخدمة سقف العشرين او الثلاثين ضابطاً على اقصى تقديرquot;. وفي ما يتعلق بالمستقبل السوري، اوضح كوخافي في سياق افادته امام لجنة الخارجية والامن التابعة للكنيست: quot;ان التغيير الجوهري في النظام السوري سيُضعف المحور الراديكالي الى حد كبير، وحتى اذا ظل الرئيس بشار الاسد في منصبه، فسوف يتحول الى نظام واهن وضعيف، حتى اذا اختفت التظاهرات وهدأ الثوارquot;.

وتحدث رئيس الاستخبارات الاسرائيلية عن تأثير موسكو على دمشق، مشيراً الى ان روسيا تسعى إلى استقرار نظام الاسد، نظراً إلى أن القطب الروسي يخشى على نفوذه في سوريا، وربما في منطقة الشرق الاوسط، اذا ضعف نظام الاسد او أفضت التظاهرات الحاشدة في البلاد الى الاطاحة به، كما إن إيران وحزب الله كذلك يساورهما القلق من زعزعة استقرار بشار الاسد، ولذلك تبذل إيران قصارى جهدها في التغلغل داخل سوريا، وتعزيز قوات الجيش السورية لمجابهة التظاهرات المناوئة لنظام الاسد.

واكد المسؤول الاسرائيلي ان التغلغل الايراني لا يُقصد به ايفاد جنود ايرانيين الى الداخل السوري، كما اشيع سلفاً، وانما يدور الحديث حول امداد فيالق الجيش السوري بالمعلومات والمعدات اللازمة للتعامل مع المتظاهرين.

استراتيجية المعارضة المعتدلة
الجنرال الاسرائيلي quot;افيف كوخافيquot; لم يمر في حديثه عن ايران مرور الكرام، وانما وقف عند هذه الاشكالية كثيراً ليؤكد ان الدولة الفارسية تستغل حالة الانفلات السياسي والامني، التي باتت تخيّم على منطقة الشرق الاوسط والشمال الافريقي خلال الاونة الاخيرة، لتتوغل داخل الدول التي تنسمت عبير الربيع العربي، ولدى التنظيمات الراديكالية التي اضحت لها الكلمة العليا بعد زوال او زعزعة استقرار عدد من الانظمة، ولعل دولاً، مثل سوريا ولبنان ومصر وليبيا واليمن والسودان والعراق وقطاع غزة، اصبحت لقمة سائغة بين فكي ايران.

إذ تحاول حكومة طهران بحسب المسؤول الاسرائيلي وما نقلته عنه صحيفة هاآرتس العبرية تفعيل نفوذها على نتائج العمليات السياسية في هذه الأقطار، فتسعى في مصر على سبيل المثال الى التحالف مع الاخوان المسلمين على خلفية ثقل الجماعة المحظورة سلفاً لدى الشارع المصري، واحتمالات صعودها المبكر إلى قمة الهرم السياسي القيادي في القاهرة.

واضاف كوخافي ان ايران لعبت كذلك دوراً محورياً في الاحداث التي شهدها خط التماس السوري الاسرائيلي إبان احياء ذكرى quot;النكبةquot; وquot;النكسةquot;، لتؤكد من خلال مشاركتها المباشرة في تلك الاحداث ان احداثا من هذا النوع ستستمر وتتواصل، ولذلك لا تستنكف ايران وحزب الله تزويد سوريا بكل الاليات التي تمكن نظام الاسد من تفريق المتظاهرين وقمعهم، فزوال النظام السوري يعني لاحمدي نجاد وحسن نصر الله فقدان بوابة رئيسة للتواصل بين الدولة الفارسية وغيرها من دول الهلال الخصيب، وصولاً الى مصر والسودان والشمال الافريقي.

الى ذلك، افادت تسريبات عبرية ان الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وتركيا تقود عملية سياسية في سوريا اطلقوا على اسم quot;المعارضة المعتدلةquot;، وتهدف تلك العملية الى بقاء الرئيس السوري بشار الاسد على رأس نظامه شريطة ابعاده عن اسرته ومؤسسته السياسية والعسكرية الحالية، وتغيير هذه المؤسسات بما يُعرف بـ quot;المعارضة المعتدلةquot;، ولعل ذلك هو ما حدا بالرئيس السوري خلال الاونة الاخيرة الى عقد لقاءات واجراء حوارات مع ممثلي التنظيمات المعارضة في البلاد وذلك بوساطة عدد من الدول الغربية.

وكانت هذه الطريقة هي الاسلوب الذي حاول من خلاله الاسد الظهور في رداء النظام الديمقراطي الذي يسعى إلى فتح قنوات من الحوار مع الاطياف السياسية كافة في الداخل والخارج السوري، إضافة الى تمرير اصلاحات جوهرية يمكن من خلالها التوصل الى نظام ديمقراطي جديد ولكن تحت قيادته، ولهذه الاسباب توقف الرئيس الاميركي بحسب التسريبات العبرية عن مطالبة الرئيس السوري بالرحيل او التخلي عن منصبه كرئيس للبلاد، في محاولة لضمه الى معسكر الدول المعتدلة في منطقة الشرق الاوسط، وعزله عن تحالفه مع المحور الايراني وحزب الله.

أفضل الأنظمة التي ترغب فيها إسرائيل
وفي تصريح لـ quot;إيلافquot; يعلق الدكتور طارق فهمي استاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة على تطورات الوضع في سوريا وموقف اسرائيل ودول اخرى منه، مشيراً الى ان نظام الاسد يعدّ من افضل الانظمة التي ترغب اسرائيل في بقائها في السلطة، ولعل سياسة الغزل الصريح التي تبناها رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلي عند تقويمه الأوضاع في سوريا، تؤكد حرص اسرائيل على بقاء الاسد، شريطة عزله عن تحالفه مع ايران وحزب الله.

واضاف الدكتور طارق فهمي: quot;يبدو من خلال الموقف الاسرائيلي ومقارنته بموقف الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وكذلك تركيا، ان سوريا تقع في دائرة الصراع الاقليمي، وان كل القوى الاقليمية باتت على يقين بأن الوقت اصبح سانحاً لمناورة الاسد على البقاء في السلطة مقابل تخليه عن تحالفه مع الدولة الفارسية، الامر الذي تدركه ايران جيداً، وتحاول مجابهته بكل ما اوتيت من قوة، ونظراً إلى قناعة الاسد بأن القوة لم تعد مناسبة للتعاطي مع الثوار، فلم يعد امامه سوى الخضوع والقبول بالمبادرات الخارجية التي تضمن بقاءه في السلطة، واعادة الهدوء الى البلادquot;.

وفي حديث خاص لـ quot;إيلافquot;، يرى الدكتور عماد جاد نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، رئيس تحرير مجلة quot;مختارات اسرائيليةquot;، ان الجبهة الاسرائيلية مع سوريا تتمتع بحالة من الهدوء التام منذ حرب الغفران عام 1973 وحتى الان، ولذلك لا يفضل الاسرائيليون زوال نظام الاسد واستبداله بنظام جديد - ربما تهيمن عليه التنظيمات الراديكالية - عندئذ ستصبح اسرائيل عرضة لمناوشات غير مسبوقة في هضبة الجولان، يقابلها مناوشات لا تقل حدة على الجبهة المصرية، اذا سيطرت تنظيمات راديكالية مناظرة على سدة الحكم في القاهرة، إضافة إلى تسخين جبهات متاخمة لإسرائيل مثل جبهة قطاع غزة والجنوب اللبناني.

ويؤكد الدكتور عماد جاد ان السياسات التي تبذلها القوى العظمى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، للتوصل الى تهدئة في سوريا، تهدف الى تمرير هدفين استراتيجيين اولهما، تقليم اظفار النظام السوري وابعاده عن تحالفه مع النظام الايراني، ثانياً تأمين اسرائيل من تبعات ولادة انظمة راديكالية في منطقة الشرق الاوسط، وحثّ الشعوب العربية على استقبال الديمقراطية الجديدة، التي تعتمد آلياتها على التعبير عن الرأي بحرية مطلقة، والحفاظ على حقوق الانسان، واستخدام تكنولوجيا المعلومات ومواقع التعارف الاجتماعي على شبكة الانترنت في بلورة المواقف السياسية.