بودهان ياسين من الجزائر: اعتبر الرئيس السابق لتنسيقية أبناء الشهداء في الجزائر أحمد لخضر بن سعيد في حواره مع quot;إيلافquot; بمناسبة ذكرى استرجاع السيادة الوطنية، أن quot;الجزائر لم تحصل بعد على استقلالها الكاملquot;، وقال إن quot;الجزائر تعيش في الوقت الحالي وضعًا مهلهلاً اقتصاديًاومزريًا اجتماعيًا، والدليل على ذلك اعتراف النظام بالفشل، من خلال دعوته إلى إجراء إصلاحات سياسية عميقةquot;.

أحمد لخضر بن سعيد

ويعتقد بن سعيد أن quot;المخرج الوحيد هو إرجاع السيادة للشعبquot;، وشدد في الوقت نفسه على أن quot;الشعب الجزائري ليس بحاجة إلى اعتذار أو اعتراف فرنسي عن جرائمها خلال الحقبة الاستعمارية، فالجزائريون يكفيهم فخرًا أنهم أخرجوا فرنسا بالقوة، وأن ثورتهم يشاد بها في كل العالمquot;.

الجزائر تحتفل بمرور الذكرى 49 لاسترجاع السيادة الوطنية، برأيكم هل مبادئ وأسس الدولة التي رسم معالمها بيان أول نوفمبر تحققت بعد خمسة عقود من الاستقلال؟.

أحمد لخضر بن سعيد: في البداية نشكر جريدة quot;إيلافquot; على هذه الالتفاتة الطيبة واهتمامها بالجزائر وتاريخها، إحياء الذكرى 49 لاسترجاع السيادة الوطنية بعد معاناة الشعب الجزائري طيلة 130 سنة، نجد أن الجزائر لم تتحصل بعد على استقلالها النهائي، ما زال الفرد الجزائري يعاني مخلفات الاستعمار، من الذين وصلوا إلى مناصب عليا في المؤسسات الجزائرية، نحيي هذه الذكرى بكل ألم، لأن الوضع العام في الجزائر ليس بالجيد، الوضع الاقتصادي مهلهل، والوضع الاجتماعي مزر، فقدان الثقة ما بين الحاكم والمحكوم.

لكن أبناء هذه الأمة، لديهم إيمان بمبادئ الثورة وقيمها وتضحية الرجال، لأجل ذلك مازال الشعب يناضل بالطرق السلمية من أجل استرجاع سيادته الكاملة، ونحن نحيي هذه الذكرى، نجد أن السلطة اعترفت بفشلها وفتحت حوار مع الطبقة السياسية والاجتماعية من اجل بحث حلول يشارك فيها الجميع حتى نعيد القطار إلى سكته، والشيء الذي نتمناه هو أن تحل علينا الذكرى الخمسون، والجزائر تكون قد وضعت آليات، منبثقة من الشعب، ونريد أن تسمح هذه الآليات فعلاً للشعب بممارسة سلطته، الشعب يكون هو السيد، وهو من يقوم باختيار من يمثله في مختلف المجالس المنتخبة، لأن كل التجارب السابقة التي كانت عن طريق التزوير أتثبت فشلها، وبالتالي المخرج الوحيد هو إرجاع السيادة للشعب، والشعب يختار قيادته في كل المؤسسات.

الجزائر تحتفل أيضًا بعيد الشباب المصادف يوم 5 يوليو/تموز، وهو عيد الاستقلال أيضًا، إذا أردنا الحديث عن العلاقة بين الشباب، وذكرى الاستقلال، الكثير يقول إن هذه الفئة غير مهتمة بتاريخها، بل نسبة كبيرة منهم يجهلون فصول هذه الملحمة التي صنعها جيل نوفمبر، وهذا يذكرنا بحديث وزير الخارجية لفرنسي السابق كوشنير بأن هذا الجيل سوف لن يتذكر مرحلة الاستعمار الفرنسي للجزائر، هل صحيح أن الشباب الجزائري غير مهتم بتاريخه، وإذا كان هذا صحيح فما هي الأسباب برأيكم؟.

أنا لا ألوم الشباب، هناك أطراف في الجزائر تعمل جاهدة على إفقاد الشباب ثقتهم في بلدهم، هناك أطراف تعمل على إشعار هؤلاء بأنهم غرباء في هذا البلد، هذه الأطراف تعمل على تقزيم تاريخ الجزائر، ولو كان هناك اهتمام حقيقي بهذه الفئة من طرف مؤسسات الدولة، من خلال تعريفه بمعاناة أجداده من ظلم الاستعمار لمدة تزيد عن 130 سنة، سوف لن يسمح هؤلاء الشباب بكل تأكيد في تاريخ بلاده، وبهذا التاريخ يصنع مستقبله، الجزائر ليست دولة، الجزائر قارة، يستطيع أن يعيش في هذا البلد أكثر من 300 مليون شخص بدون فقر ولا بطالة.

ولكن للأسف هناك إستراتيجية مقصودة لجعل الشباب الجزائري تائهًا وفاقد الأمل في مستقبله، وهذا ما أدى ببعض الشباب المتخرجين من الجامعات إلى سرقة ذهب أمهاتهم أو أخواتهم، من أجل شراء مكان في قوارب الموت هروبًا من الجحيم، هدف هؤلاء الناس الذين يشتغلون في دواليب السلطة ومن وراء الستار، خلق نوع من العداء بين الشباب والسلطة، لهذا لا يمكننا أن نلوم هؤلاء الشباب، لكننا يجب دائمًا أن نعود إلى التاريخ، الاستعمار الفرنسي احتل الجزائر لمدة تزيد عن قرن وثلاثين سنة، وعمل كل ما في وسعه من أجل تجريد الجزائريين من أصوله العربية والإسلامية، إلا انه فشل في ذلك، وانسحب في النهاية وهو منهزم.

الشعب الجزائري يمتلك عقلية فريدة من نوعها، ونحن رأينا تأثير مقابلة في كرة القدم في السودان، التي حرّكت المشاعر الوطنية بشكل غير مسبوق، فأكثر من مليون جزائري رفعوا الأعلام والفانلات استقبلوا الفريق الجزائري من المطار، وعبر الشوارع العاصمة فرحًا، كان من المفترض على السلطة أن تستغل هذه الطفرة في المشاعر الوطنية، فكيف لجلد منفوخ أذكى كل هذه الروح الوطنية في نفوس هؤلاء الشباب اليائس، كان من المفترض على السلطة أن تستغل هذا الحس، وتبقي على هذه الشعلة في نفوس هؤلاء الشباب.

لدينا شباب غير موجود في دول أخرى، شباب يعشق التحدي، لكنه يحتاج إمكانيات بسيطة ليصنع المستحيل، لكن رغم المعاناة، هناك وعي عام لدى غالبية الشباب، خاصة النخبة المثقفة، هي صابرة وحتى الذي اضطر للهجرة، فإنه يبني مستقبله في ديار الغربة، لكن حبه للجزائر باق، ولن يتزعزع أبدًا، ولكن المطلوب من هذا الشباب إلا يبقى متفرجًا فقط، يجب على هؤلاء دخول معترك السياسة، يدافع عن قناعاته، يعمل على إنقاذ نفسه من هذا الوضع القائم، المطلوب من شباب هذه الأمة المثقف أن لا يبقى متفرجًا فقط، لأن عليه دين أمام هذا الشعب، وهو القادر على تغيير أوضاع هذا البلد نحو الأحسن.

أما في ما يتعلق بالتصريحات السابقة لكوشنير والمتعلقة بشباب الجزائر، فهذا الشخص مناضل يدافع عن قناعاته، وهو يخدم الإستراتيجية الصهيونية، هو متخرج من معهد صهيوني، يكنّ عداء كبيرًا للعرب والمسلمين، سبق له وأن ترأس جمعية أطباء بلا حدود، وفي سنة 2001 جاء في زيارة إلى مدينة تيزي وزو في إطار عمله كرئيس للجمعية، وخلال إحدى لقاءاته خاطب الشباب قائلاً إن quot;الدولة الجزائرية ليست دولة تمارس فيها السياسية، لكنها دولة يجب أن تجابه بالسلاح، ونحن مستعدون لمنحكم السلاحquot;، كوشنير هو أحد الرجال الذين هم وراء ما يسمى بحكومة المنفى التي أسسها المطرب القبائلي فرحات مهني في باريس، والتي تطالب بالحكم الذاتي في منطقة القبائل.

وحينما يقول كوشنير إن الشباب الجزائري سينسى الماضي، هو من حقه أن يقول ذلك، لأنه يدافع عن قناعته وإستراتيجيته الصهيونية، هذه الأفكار تعززت بشكل واسع في ظل حكم الرئيس الحالي نيكولا ساركوزي، هو من حقه أن يقول ذلك، لكننا نحن أيضًا من حقنا، ومن واجبنا أن نقول، احتلال فرنسا للجزائر كان للجزائر ذنب فيه وهو أنها ساعدت فرنسا، ذنب الجزائر أنها منحت من أموال الزكاة لتساعد فرنسا، والديون الجزائرية على فرنسا قبل مرحلة الاستعمار لا تزال عالقة إلى اليوم.

لكن هذه الحكومة قابلت صنيع الجزائر الخير بصنيعها السيء، وأنا أقول إنه لا يوجد لدينا أي مشكل مع الشعب الفرنسي، لكننا ضد هؤلاء الذين يحملون قناعات استعمارية، يحملون قناعة أن فرنسا هي وصية على الجزائر، والشيء الذي نناضل من أجله هو أن هناك مصلحة مشتركة بين الدولتين الجزائرية والفرنسية، دعونا هؤلاء منذ سنين إلى فتح الملفات الشائكة ما بين البلدين، هذه الملفات حينما تسوى تصبح مصلحة فرنسا ومصلحة الجزائر بحكم الجوار وبحكم المصلحة المتبادلة، وسوء العلاقات يعود بالسلب على الدولة الفرنسية.

لأجل هذا يجب تسوية الملفات العالقة بين الجزائر وفرنسا، يجب أن تكون المعاملة بين الطرفين الند للند، وليس بعقلية الوصاية، وهذه القناعة أصبحت موجودة من خلال تبادل الاتصال بين الطرفين على المستوى الشعبي والنخبوي، هناك الكثير من القضايا تكونت بشأنها قناعات مشتركة، ومادامت هناك قناعة متبادلة بين نخب البلدين، فأنا متأكد من أنه سيأتي يوم نتوصل فيه إلى حلول، لأنه لا النظام الجزائري سيبقى على حاله، ولا نظام الحكم الفرنسي على حاله.

الحديث عن الثورة الجزائرية دائمًا يقودنا إلى الحديث عن مسألة جد مهمة تثير دائمًا الجدل سواء بين الاكاديمين أو ممن عايشوا هذه الحقبة من تاريخ الجزائر، والأمر يتعلق بكتابة تاريخ الثورة الجزائرية، ولعل تضارب التصريحات أحيانًا في هذا الشأن، وبروز نوع من الصراع بين رموز الثورة أحيانًا، قد يعطي صورة سلبية، أو بالأحرى يزيح تلك الهالة والقداسة، سواء عن المجاهدين خاصة، أو عن ثورة التحرير بشكل عام؟.

التاريخ الجزائري منذ أول يوم لدخول الاستعمار الفرنسي في الجزائر موجود، معاناة الشعب الجزائري وإبادته ونهب ثرواته أيضًا موثقة، من كان مجاهدًا أو مناضلاً خلال أيام الثورة فهو معروف، واسمه مدون، هياكل الثورة وإطارات الثورة قائمة مجاهدي جيش التحرير ومناضلي جبهة التحرير كلها موجودة ومدونة ومحفوظة، الجزائريون لا يحتاجون تاريخًا مدونًا من طرف الفرنسيين، الشيء الموجود عند فرنسا لا يمكنهم الكشف عنه، الشيء الموجود عند فرنسا هم هؤلاء 16 ألف جزائري، الذين قالوا يوم الاستفتاء لا لاستقلال الجزائر، هؤلاء الـ 16 ألف قالوا نعم لبقاء الجزائر مستعمرة فرنسية، هؤلاء إذا كشفت فرنسا عن أسمائهم وقياداتهم من عسكريين وضباط جزائريين انخرطوا في الجيش الفرنسي، إذا منحت لنا فرنسا هذه القوائم سنجد أن غالبية الهياكل وإطارات الدولة الجزائرية هم جزء صغير من هؤلاء الذين كانوا أوفياء وموالين لفرنسا، ويدافعون عن بقاء فرنسا مستعمرة للجزائر.

صرح وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه في آخر زيارة له إلى الجزائر، بأنه يجب نسيان قضية اعتراف فرنسا بماضيها الاستعماري في الجزائر، وأنه ينبغي النظر إلى المستقبل ويجب أن لا نبقى رهائن الماضي، كيف تنظرون أنتم إلى قضية اعتذار واعتراف فرنسا بجرائمها في حق الشعب الجزائري خلال الحقبة الاستعمارية؟.

الشيء الذي يتداول حاليًا بشأن مطالبة فرنسا بالاعتذار عن جرائمها، ما هو إلا للاستهلاك الإعلامي فقط، أنت حينما ترى رئيس حزب تسميته تحمل رمزية من قاد الثورة ضد المستعمر الفرنسي، وكان له الشرف لتحرير الجزائر، ويمثل اليوم الغالبية في دواليب الدولة الجزائرية، نتساءل كيف يتم تقديم مشروع لتجريم الاستعمار موقع من طرف 130 نائبًا من هذا الحزب، وأمينه العام في خطاباته المعلنة يندد بالاستعمار، ويطالب بالاعتذار والاعتراف، وحينما تم تقديم القانون على مستوى البرلمان، يكون هو أول من يسعى إلى تجميد مشروع هذا القانون، لماذا؟، لأنه مهيكل ضمن المجموعة التي تخدم المصالح الفرنسية في الجزائر.

إذًا الشيء الذي يقال حول مطالب الاعتذار هدفها الوحيد هو امتصاص الغضب الشعبي، الفرنسيون شرعوا قانونًا لتمجيد الاستعمار، والجزائر مستقلة، واستقلالها ليس هبة من أحد، وإنما جاء نتيجة جهود وتضحيات أبناء الجزائر، الواجب ألا نندد بجرائم الاستعمار، القوانين الدولية معروفة، والأدلة المادية موجودة لدينا، نشرع قانون لتجريم الاستعمار، وإذا كانت هناك نية لدى الطرف الفرنسي من اجل فتح حوار مرحباً، وإلا القوانين الدولية واضحة، نذهب إلى المحكمة الدولية ونرفع دعوى قضائية ضد الدولة الفرنسية، لأن الجرائم المرتكبة بحق الشعب الجزائري هي جرائم دولة، وليست جريمة أشخاص.

هناك ملفات مدونة من طرف الفرنسيين أنفسهم، ولم نقم نحن بتدوينها، وحينما نعود إلى مذكرة الجنرال بيجو يقول إن quot;من بين 1830 إلى غاية 1842 قتلنا نحو 2 مليون جزائريًاquot;، هذا قائد عسكري قاد الجيوش الفرنسية في الجزائر لمدة عشر سنوات، يعترف بإبادة 2 مليون جزائري، ويقول في المذكرة نفسها quot;تكليفنا كعسكريين من اجل إبادة الشعب فوق هذه الأرض، وتعويضه بشعب آخرquot;، يعني من 1832 حتى 1962 أن نرفق ما كتب من طرف الفرنسيين ونذهب إلى العدالة الدولية، والغريب أن فرنسا وللأسف تعتقد أن الجزائريين أغبياء، وذلك حينما صرح أخيرًا مسؤول فرنسي بضرورة العودة إلى اتفاقيات ايفيان، وهذا أمر مرفوض، أولاً الدولة الجزائرية ليست مستعمرة، وفرنسا خلال هذه المفاوضات تتحاور مع الجزائر من منطلق قوة، الشيء الذي فرضته فرنسا تم تمريره، ولكن اتفاقية ايفيان تتضمن بعض البنود التي تتنافى مع القوانين و التشريعات الدولية.

وهو ما يعني أن هذه البنود تعتبر ملغية، وفرنسا تريد تغليطنا بهذه الدعوة، لكن للأسف هذه القناعة موجودة لدى رئاسة البرلمان، ولدى الوزير الأول، هذه المؤسسات التنفيذية لم تكلف نفسها حتى بالبحث عن المراجع القانونية، وقاموا مباشرة بتجميد مشروع القانون، من دون تقديم أي مبررات لأسباب التجميد، كان على الوزارة الأولى ومكتب البرلمان أن يقدموا مبررات مقنعة لتعطيل هذا المشروع، الجزائر لا يملك عليها أي شخص عقد ملكية، والشعب ليسوا عبيدًا لأحد، والمؤسسات هي ملك للشعب، كان من المفترض أن يحترم هذا الشعب، بتقديم مبرر كتابي لأسباب الرفض.

رغم هذا فأنا أقول إن الشعب الجزائري ليس بحاجة لا إلى اعتذار ولا إلى اعتراف من فرنسا، الشعب الفرنسي يعتذر، وليس لدينا أية مشاكل معه، والدليل المادي الموجود لدى الجزائريين يكفيهم شرف أنهم أخرجوا المستعمر الفرنسي بالقوة، وثورة الجزائر معترف بها دوليًا، إن كان على المستوى الرسمي أو المستوى الشعبي، لكننا اليوم يجب أن نفتح ملفات تتعلق بالديون الفرنسية لدى الجزائر، هناك أشياء مقدسة يجب إرجاعها من فرنسا ومن ذلك رفات الشهداء، رغم هذا أقول إن النظام الفرنسي الحالي لا يتحمل وحده مسؤولية هذا الوضع، وإنما أنظمة الحكم المتداولة منذ الاستقلال وإلى اليوم التي تعمل بكل جهدها من اجل أن يكونوا طرفًا في تسيير الجزائر، وكيف يمكننا القول إننا نمتلك السيادة الكاملة في وقت يوجد فيه عدد لا يستهان به من المسؤولين يحملون الجنسية الفرنسية، ومنهم من يشغل منصب وزير، فهل يعقل أن الشعب الذي عاني قرنًا و30 سنة من طرف فرنسا الاستعمارية، وبعد 50 سنة من الاستقلال يصبح في حكومتها وزير يحمل جنسية فرنسية، يقود وزارة ذات سيادة، هذا أمر يرفضه الجزائريون.