بعد مرور5 أشهرعلى تنحي الرئيس المصري السابق حسني مبارك عن سدة الحكم ما زال الإسلاميون والليبراليون يخوضون صراعاً شديداً للفوز بثمار الثورة عبر كسب ودّ الشعب والحصول على تأييده لتمرير خططهم وتطلعاتهم.


خلال الثورة لم يكن الصراع يظهر

أحمد حسن من القاهرة: لم يكن أي إنسان يستطيع التمييز بين مسلم أو مسيحي أو ليبرالي أو إسلامي أو يساري في ميدان التحرير في مصر أثناء اشتعال ثورة 25 يناير، ولكن بعد نجاحها في الإطاحة بنظام حكم الرئيس السابق حسني مبارك، ركب كل فصيل سياسي موجته، وبدأ الصراع بين مختلف القوى على جني ثمار الثورة، رغم أنها لم تنضج بعد.

كانت وما زالت أبرز الصراعات تدور رحاها بين التيارين الليبرالي والإسلامي، وصار كلاهما يرفع مطالب على النقيض مما يرفعها الطرف الآخر، ودخلت مصر في دوامة الصراعات السياسية بينهما، وتجلى هذا الصراع في معركة quot;الدستور أم الإنتخابات أولاًquot;، ثم quot;دولة دينية أم مدنيةquot;؟

quot;أسئلة ملحةquot;

فماذا يريد الطرفان من وراء الصراع، وهل ينجح أحدهما في إزاحة الآخر من الساحة السياسية؟ أم سيخرج فصيل ثالث يكسب المعركة منهما، ويطردهما معاً إلى خارج الحلبة؟ أسئلة يتداولها الكثيرون، حاولت quot;إيلافquot; البحث لها عن إجابات عبر لقاءات مع ساسة وخبراء مصريين.

يقول الدكتور جمال حشمت القيادي البارز في جماعة الاخوان المسلمين إن التيارات الليبرالية لا قناعة لهم بالفكرة الإسلامية، وبالتالي فحرب الكلمات والألفاظ لن تجدي نفعاً، وسوف يخسرون المعركة في النهاية.

وأضاف: quot;إنهم لم يطرحوا أفكارهم للناس حتى الآن، ولم يطرحوا البديل، وبالتالي فلنتركهم، وما يقولون ونحن في الإخوان نحاسب أنفسنا إذا أخطأنا دون أن ننشغل بأحدquot;. مشيراً إلى أن قوة الليبراليين هي الفضائيات والصحف والأموال الممنوحة لهم من الداخل والخارج. معتبراً أنهم يريدون ديمقراطية على مقاسهم وصندوق انتخابات على مزاجهم.

ونبه إلى أن محور الصراع يبرز في وجود حالة استقطاب حادة للشباب من حديثي العهد بالعمل السياسي من اليساريين والليبراليين والإخوان، لافتاً إلى أن الليبراليين يمتلكون الصوت العالي، ويحدثون ضجيجاً وظهوراً إعلامياً فقط، دون أن يحاولوا دفع ثمن على الأرض، هم لا يريدون عمل جهد في الشارع.

من حق كل فصيل التعبير عن رأيه ولكن

ويؤكد صبحي صالح القيادي الإخواني أن quot;من حق أي فصيل التعبير عن رأيه وعرض برنامجه والعمل على إقناع الناس بمشروعه وأن يجمع أنصاره، ويذهب بهم إلى الانتخابات، ولكن ما يحدث حالياً من جانب الليبراليين من شن حملة مقصودة على الإسلاميين أعتبره إفلاساً سياسياًquot;.

وأضاف: quot;الشعب هو صاحب القرار والسلطة ولنذهب جميعاً إلى الشعب، ونحن سنكون أول من يحترم إرادته، سنقبل بالنتائج مهما كانت. أليست هذه هي الليبرالية التي ينادي بها الليبراليون؟ وهل سيقبلون بها كما سنقبل نحن؟ وعن الاتهامات الموجهة للإسلاميين من جانب التيار الليبراليquot;، قال صالح: quot;ليس أمامنا اتهامات حقيقية أو كلام يستحق الرد فنحن نريد وقائع لنتحدث فيها وليس شتائم على الفاضي، إنها بضاعة المفلس.

الزمر: الليبراليون أرهبوا الناس

ويتساءل عبود الزمر القيادي في الجماعات الإسلامية عن السر وراء الهجوم الشرس من جانب الليبراليين على الإسلاميين حتى أنه تحول إلى حرب إعلامية وفضائية، وكأن الإسلاميين لا يريدون الخير لمصر ولشعبها. وأشار الزمر إلى أن الليبراليين قاموا بترهيب الناس من الإسلاميين، وكأننا سوف نقطع رقبة الشعب، وكأننا لا يجب علينا ممارسة العمل السياسي ومسموح لهم ذلك فقط.

ويرفض الزمر ما يراه أنه فرض وصاية على الشعب من جانب الليبراليين، متهماً إياهم بأنهم يتحدثون عن ديمقراطية وفقا لمنظورهم، وبما يخدم مصالحهم وما يتماشى مع أغراضهم الفكرية، لذلك لديهم المخاوف من تطبيق الشريعة الإسلامية، ويريدون مصر دولة علمانية وليست مدنية. وطالب الزمر الليبراليين بالكف عن الهجوم على الإسلاميين وترك الكلمة للشعب.

اسحاق يرفض الخلط بين الدين والسياسة

حالة من التنافس المحموم بين الاخوان والليبراليين

ويعلن جورج إسحاق الناشط السياسي أن الليبراليين يرفضون الخلط بين الدين والسياسة واستغلال الدين في الوصول للشارع كما يفعل الإسلاميون، مشيراً إلى أن هذه الورقة أصبحت بلا جدوى الآن لدى الشارع الذي يعلم من يعمل في صالحه ومن يلعب عليه. وأضاف أن الليبراليين يريدون دولة مدنية تعترف بحقوق الأقليات قبل الأغلبية وأن الدين لله والوطن للجميع.

مشيراً إلى أن الليبراليين لا يريدون تخويف الناس من الإسلاميين كما يعتقدون، ولكن هم يكشفون حقيقة ما يفكر هؤلاء به. ولذلك كان الهجوم على الليبراليين، ووصل الأمر إلى تكفيرهم لأنهم يدعون مثلا إلى الدستور أولا والدولة المدنية في حين أن الإسلاميين يبحثون عن مصالحهم فقط، وآخر ما يفكرون فيه مصلحة الشعب.

ويرجع جمال اسعد المفكر القبطي السياسي بداية الصراع الدائر حاليًا بين التيار الديني والليبرالي إلى يوم 19 مارس الذي أجري فيه الاستفتاء على تعديل الدستور، مشيراً إلى أن هذا اليوم شهد صراعا غير مسبوق بين التيار الديني، وباقي التيارات بما فيها الأقباط. وهذا الاستقطاب خمد فترة ثم ظهر على السطح بعد جمعة الغضب الثانية، عندما لم يشارك الإخوان والجماعات الإسلامية في تلك التظاهرات.

وأضاف أسعد أنه منذ 19 مارس وحتى جمعة الغضب الثانية كان هناك ما يشبه الصراع المكتوم، حيث يريد كل تيار أن يقيم دولة على هواه الخاص، فالتيار الديني يراوغ ويدعي أنه يريد دولة مدنية ذات مرجعية دينية، أما الليبراليون فيقولون إنهم يريدون دولة مدنية، لافتاً إلى أن طلب التيار الإسلامي وعلى رأسه الإخوان إجراء الانتخابات أولا يمثل حالة من الاستعلاء والاستكبار على الجماهير، وهذا التيار يخيل إليه أنه القوي في الشارع.

ونوه بأن الطرف الثاني، ألا وهو الليبراليون يريد أن يكون هناك الدستور الذي تشارك في وضعه كل القوى وطوائف الشعب وليس من خلال الأغلبية التي ستصل إلى مجلس الشعب، وانتقد أسعد التيار الإسلامي في استخدام سيف الدين ضد التيارات الأخرى، فعندما يكفر الإخوان المخالفين لهم في الرأي وعندما يقولون إن جمعة الغضب الثانية انقلاب على الديمقراطية وعندما يقولون إن الاخواني لا يتزوج إلا اخوانية وعندما يقولون إنه لا يوجد مسلم ليبرالي أو يساري إنما فقط المسلم الاخواني، فهذا كله استعلاء على الطرف الآخر.

الجميع شارك في إسقاط مبارك

أما أبو العز الحريري القيادي اليساري فيؤكد أنه لا يوجد تيارات إسلامية، وإنما هناك تيارات سياسية، فالإسلام لا يتحرك بذاته كرسالة والدولة الدينية لم ولن تحدث في التاريخ، وأضاف أنه لا يوجد شيء اسمه التيار الليبرالي، إنما يوجد قوى وطنية مختلفة تسعى إلى استكمال مهمة إسقاط النظام، وفي هذا الإطار تختلف المصالح الاقتصادية والاجتماعية والتي تتوزع بين النظام القديم ومن يقتربون منه اقتصاديا واجتماعيا متمثلة في قوى اليمين سواء أكانوا إخوانا أم ليبراليين.

وأضاف: quot;نحن جميعا أسقطنا الرئيس ورموز النظام ودخلنا مع بعضنا في صراعات سياسية، وهي أمور منطقية ومطلوبة، فكل تيار يحاول أن يصل بالبلد إلى الوضع الذي يتمناه، فالبعض يريد وضع دستور أولا والبعض الآخر يريد إجراء الانتخابات أولا، مشيراً إلى أن اختلاف الرؤى ظاهرة صحية، وليست ضارة شريطة أن تسير في إطار الاختلاف واحترام الرأي الآخرquot;