جانب من الاعتصام في ميدان التحرير

يبدو أن المشهد المصري يتجه نحو مزيد من التصعيد، في ظل الدعوات إلى مزيد من المظاهرات والاحتجاجات ضد رئيس الوزراء عصام شرف، والدعوة إلى عصيان مدني، إلى حين الاستجابة لكل مظاهر المعتصمين في ميادين عدة.


استمر الآلاف من المصريين في الإعتصام في ميدان التحرير والميادين العامة في مدن الإسكندرية والسويس والمنصورة، رغم إعلان الدكتور عصام شرف رئيس الحكومة الإستجابة لعدد من المطالب التي رفعها المتظاهرون في جمعة quot;الثورة أولاًquot; 8 يوليو/تموز الجاري، وأهمها إقالة الضباط والقيادات الأمنية المتهمين في جريمة قتل المحتجين أثناء الثورة، وتشكيل لجنة قومية لتحقيق المطالب الإجتماعية، ومنها زيادة الأجور وتحسين الخدمات الصحية والإجتماعية.

لم يقف الأمر عند حد رفض بيان الحكومة، وإستمرار الإعتصام، بل تبنى العديد من الأحزاب والحركات السياسية دعوة إلى العصيان المدني، وهي الدعوة التي رفضتها قوى سياسية أخرى مؤثرة مثل جماعة الإخوان المسلمين، والتيارات الإسلامية، والأحزاب السياسية القائمة من قبل الثورة. فيما طالب البعض الدكتور عصام شرف بالإستقالة، والعودة إلى صفوف الثوار في ميدان التحرير.

إنهاء خدمة quot;قتلة الثوارquot;
وألقى الدكتور عصام شرف بياناً مساء أمس السبت 9 يوليو، قال فيه quot;تلقيت تكليفات شعب مصر البطل بكل فخر واعتزاز، كما تلقيت النقد قبل الدعم بكل احترام من قبل الشعب الذي هو صاحب السيادة الوحيد ومصدر السلطات كافةquot;، مشيراً إلى أنه quot;إستجابة لإرادة الشعبquot;، قرر شرف quot;إنهاء خدمة كل القيادات والضباط المُتهمين في قضايا قتل الثوارquot;.

وكلف وزير داخليته بـquot;الإسراع بتحقيق أقصى درجات الانضباط الأمني في الشارع المصري بما يُعيد له أمنه وآمانه، مع مراعاة كرامة الوطن والمواطن والتأكيد على أن الأمن ضرورة مُجتمعية وأن الجماهير مُتطلعة لدور أمني فاعل يُعيد الاستقرار والأمان الضروريين لمُمارسة الحياة الطبيعيةquot;.

وقرر أيضاً أن تتولى الدوائر القضائية التي تنظر قضايا قتل المتظاهرين وفساد رموز النظام السابق تلك القضايا فقط، مع عدم التقيد بالإجازة القضائية التي تبدأ في الشهر المقبل، وتستمر أسابيع عدة. إضافة إلى تشكيل لجنة تتولى بحث المطالب المُتعلقة بتحقيق العدالة الاجتماعية، والتي رفعتها الجماهير في التحرير والخاصة بموضوعات ارتفاع الأسعار والعلاج والصحة والسكن والتعليم والتوظف والمعاشات والأجور.

غضب في التحرير
في أول رد فعل للمعتصمين في ميدان التحرير على البيان الذي أذيع في ساعة متأخرة من ليل أمس السبت، هتفوا quot;مسرحية، مسرحيةquot;، quot;لا أحزاب ولا إخوان.. الثورة لسه في الميدانquot;، quot;يا شهيد نام وارتاح.. وإحنا نكمل الكفاحquot;، quot;الثورة أولاً.. يعني تطهير بجد.. محاكمات بجد.. حكومة بجدquot;، quot;الداخلية زي ما هية.. الداخلية بلطجيةquot;، quot;القصاص القصاص دول ضربونا بالرصاصquot;، quot;يا شرف.. خيمتك لسه في الميدانquot;، في دعوة واضحة إلى ضرورة تقديم عصام شرف إستقالته، والعودة إلى ميدان التحرير . ورفعوا لافتات كتب عليها quot;إلى المجلس العسكري.. عفوًا لقد نفد رصيدكمquot;، وquot;مستمرون من أجل مصر أكثر بياضاًquot;، quot;مصر أولاً.. ثورتنا أولاًquot;.

ووقعت مشادات كلامية مشاحنات بين المعتصمين في ميدان التحرير والمواطنين العاديين، وسائقي السيارات، لاسيما سيارات الأجرة، بسبب إغلاق الميدان أمام المرور، واتهم قائدوا السيارات المعتصمين بالعمل ضد مصلحة مصر، وعدم الشعور بمأساة الملايين من البسطاء الذي يعانون جراء تعطلهم عن العمل، أو إغلاق محالهم التجارية، أو الإستغناء عنهم من مصانعهم، لتوفقها عن العمل، بسبب الكساد الإقتصادي.

ليست إقالة بل خروج مشرف
وقال وائل أحمد أحد قادة الإعتصام في ميدان التحرير وشقيق الشهيد كريم أحمد لـquot;إيلافquot; إن بيان الدكتور عصام شرف لم يلبِّ تطلعات الجماهير التي خرجت بالملايين في جمعة quot;الثورة أولاًquot;، ولم يشف حسرة أهالي القتلى، مشيراً إلى أن وزير الداخلية أعلن أن قرار شرف بإنهاء خدمة الضباط والقيادات الأمنية المتهمة في قضية قتل المتظاهرين سوف يتم تنفيذه في شهر أغسطس/آب المقبل، ما يعني أنه ليست إقالة، بل خروج مشرف مع معاش ضخم، أو حركة تنقلات عادية يحصل فيها هؤلاء على ترقيات ونقل إلى منصب أفضل.

وأشار أحمد إلى أن المعتصمين في ميدان التحرير لم يغادروه إلا بعد تحقيق كل المطالب، وأهمها علانية محاكمة قتلة الشهداء ورموز النظام السابق، وتطهير الحكومة وزرارة الداخلية من القيادات الفاسدة، وليس إقالة أو إنهاء خدمة المتهمين في قتل الثوار فقط. لافتاً إلى أن هناك إستعدادات لعصيان مدني سلمي في أنحاء الجمهورية كافة، وأضاف أن تم إغلاق الأبواب الأمامية لمجمع التحريرـ أكبر مجمع للمصالح الحكومية في مصر، إضافة إلى إغلاق ميدان الكيت كات في منطقة إمبابة الحيوية على كورنيش النيل. مؤكداً أن مسلسل العصيان المدني مستمر إلى حين تحقيق مطالب الثورة كافة، بعدما ثبت أنه لا شيء يسير في مساره الصحيح إلا من خلال الضغط الشعبي.

اعتصام بالسويس والإسكندرية
فيما قطع المحتجون في مدينة السويس الطريق المؤدي إلى قناة السويس، وهم يرتدون الأكفان، في إشارة إلى استعدادهم للموت في سبيل قضيتهم، ومعلنين أنهم لن يفضّوا إعتصامهم، إلا بعد تحقيق مطالبهم، التي بلوروها في الإسراع في محاكمة رموز النظام السابق، وتطهير كل مؤسسات الدولة من أتباع الحزب الوطني المنحلّ. وفي الإسكندرية، استمر بضعة آلاف في الإعتصام في ميدان القائد إبراهيم.

الإعتصام هو الحل
ودعا جورج إسحاق القيادي في الجمعية الوطنية للتغيير، التي يترأسها الدكتور محمد البرادعي، المعتصمين في التحرير وشتى المدن إلى ضرورة فتح ميدان التحرير وباقي الميادين أمام المارة، معتبراً أن ذلك الإجراء بمثابة عقاب للمواطنين.

وقال لـquot;إيلافquot; إنه يقترح فتح ميدان التحرير نهاراً، حتى لا تتعطل مصالح الناس، مشيراً إلى أنه يؤيد الإعتصام حتى تتحقق كل مطالب الثورة، معتبراً أن المصريين تعودوا منذ إندلاع الثورة أنه لا يتم تحقيق أية مطالب جديدة إلا بعد زيادة الضغط الشعبي، والنزول إلى الميادين بالملايين، ولذلك من الأفضل الإعتصام، حى يستجيب المجلس العسكري للمطالب كافة.

يتفق الدكتور أيمن نور المرشح الرئاسي المحتمل معه في الدعوة إلى استمرار الإعتصام، وقال لـquot;إيلافquot; إن الثورة لم تكتمل بعد، ومن الضروري أن تستمر في زخمها وإشتعالها في الميادين العامة، وألا تهدأ حتى لا تسرق أو تتحول عن مسارها، أو تتحول إلى مجرد إنتفاضة شعبية، وأضاف نور أن النضال من أجل حقوق أسر الشهداء والمصابين وجميع المصريين، يجب أن يستمر في أية صورة مثل الإعتصام أو التظاهر في مليونيات كل جمعة.

ويشير محمد عادل المتحدث باسم حركة 6 أبريل، أحد أهم الحركات السياسية المتبنية للإعتصام، إلى أن قرارات رئيس الحكومة ليست على مستوى طموحات أو مطالب الثورة، لافتاً إلى أن الإعتصام مستمر إلى حين إدراك الشعب المصري أن مطالبه التي خرج من أجلها ودفع ثمنها من دماء وأرواح أبنائه قد تحققت على أرض الواقع.

وأضاف أن المصريين ملوا من الوعود. وقال لـquot;إيلافquot; إن حكومة الدكتور عصام شرف نفسها تحتاج التطهير أولاً من رموز وأعضاء في الحزب الوطني المنحل، مشدداً على أهمية تطهير الشرطة بشكل جدي، وليس إجراء حركة تنقلات من منصب إلى آخر، وأن تكون محاكمات رموز النظام السابق علنية.

مضاره أكثر من منافعه
فيما تقف جماعة الإخوان المسلمين على الجانب الآخر، وقال الدكتور عصام العريان نائب رئيس حزب الحرية والعدالة لـquot;إيلافquot; إن الإخوان يرفضون الإعتصام، لأنه ضد مصلحة المصريين، ويضرّ بالإقتصاد، وحركة العمل، مشدداً على أن التظاهرات المليونية التي خرجت يومالجمعة الماضي وصلت رسالتها إلى الحكومة والمجلس العسكري، وصدرت قرارات جدية في اليوم التالي. مشيراً إلى أن بيان الدكتور شرف تضمن الكثير من الإيجابيات التي يجب النظر إليها، داعياً إلى عدم الإكتفاء بالنظر إلى نصف الكوب الفارغ فقط.

جاء موقف التيار السلفي رفضاً للإعتصام أو التصعيد بالعصيان المدني، وقال الدكتوريوسف عبد الرحمن القيادي في الجمعية الشرعية، أحد أبرز قوة في التيار لـquot;إيلافquot; إن الإعتصام وتعطيل مصالح المصريين، وضرب الإقتصاد أمور مرفوضة، مشدداً على ضرورة الإحتجاج، ولكن بشكل لا يضرّ بنا، لاسيما أن هناك فئات كثيرة بدأت تضجر من الثورة، وترى أنها أضرّتها أكثر مما نفعتها، وهؤلاءهم العمال والفلاحين والبسطاء، الذينتضرروا في أعمالهم.