رغم ثنائية التسمية التي حملتها التظاهرة بين جمعة الإصرار وجمعة الثورة أولاً، إلا أن الهتافات المدويّة في أرجاء ميدان التحرير جاءت موحّدة بمطالبها بالإسراع بمحاكمة مبارك ورموز نظامه والقصاص لقتلة الشهداء والفاسدين في أجهزة الأمن والشرطة، في ظل غياب كامل لرجال الشرطة من الميدان. جمعة الثورة أولاً او كما سمّاها البعض quot;جمعة الإصرارquot; وحّدت مطالب الفرقاء وجددت التأكيد على مطالب الثورة
القاهرة:أعادت أجواء جمعة quot;الثورة أولاًquot; إلى الأذهان أجواء الثورة المصرية ما قبل 11 فبراير الماضي، وهو اليوم الذي شهد تنحي الرئيس السابق حسني مبارك عن الحكم تحت ضغوط التظاهرات المليونية التي عمّت البلاد، حيث إنطلقت، اليوم الجمعة 8 يوليو، تظاهرات في نحو نحو 13 محافظة،وقدرت أعداد المشاركين فيها بالملايين، في ظل غياب واضح للشرطة المدنية أو العسكرية.
وتولى المتظاهرون عمليات تأمين الميادين التي شهدت فعالياتهم الإحتجاجية. وعلى عكس التحذيرات التي خرجت من جهات عدة، لم تندلع أعمال عنف، بإستثناء إصابة شاب في مدينة السويس جراء إطلاق بلطجية النار على المحتجين في ميدان الأربعين، وتمكنت اللجان الشعبية من القبض على الجاني، وتسليمه إلى الشرطة.
الملايين خرجت بعد صلاة الجمعة
إنطلقت التظاهرات منذ الصباح، لكن المشاركة الواسعة للمصريين لم تأت إلا بعد إنتهاء صلاة الجمعة، حيث شهد ميدان التحرير تظاهرات مليونية، تشبه إلى حد كبير ما كانت عليه قبل الثورة.
وأحاطت بالميدان العشرات من اللافتات الضخمة التي ترفع شعارات quot;الثورة أولاً.. تطهير بجد.. محاكمات بجد.. حكومة بجدquot;، وعاد شعار quot;الشعب يريد quot; بقوة في التظاهرات، ومنها: quot;الشعب يريد محاكمة مباركquot;، quot;الشعب يريد إستقالة يحيى الجملquot;، quot;الشعب يريد تطهير الصحافة والإعلامquot;، quot;الشعب يريد تطهير الشرطةquot;، quot;الشعب يريد إعدام السفاح العادليquot;، quot;الشعب يريد القصاصquot;، quot;الشعب يريد حل إتحاد العمال ذراع الحزب الوطني المنحلquot;، quot;الشعب يريد وقف المحاكمات العسكرية للمدنيينquot;، إضافة إلى شعارات أخرى بعضها يطالب بـ quot;إقالة المحافظين من ضباط الشرطةquot;، وquot;تطهير المؤسسات من أتباع جمال مبارك وصفوت الشريفquot;، وquot;لا أحزاب ولا إخوان.. الشعب المصري في الميدانquot;، quot;حق الشهداء مش هيضيعquot;، quot;الداخلية زي ما هية.. الداخلية بلطجيةquot;.
quot;مستمرون من أجل مصر أكثر بياضاًquot;، quot;مصر أولاً.. ثورتنا أولاًquot;، quot;الشعب إتهان وإتزل.. الدنيا بقت خل في خلquot;، quot;إلى متى السكوت على الفساد في الجهاز المصرفيquot;، quot;زراعة القمح.. طريقنا للحريةquot;، quot;لا لظلم أسر الشهداء، لا للفساد، لا لإستمرار النظام السابقquot;، quot;الشعب هو القائدquot;، quot;الثورة أولاً.. الفقراء أولاً.. الشهداء أولاً.. نتعلم ونتعالج ونشتغل أولاًquot;، quot;القصاص القصاص دول ضربونا بالرصاصquot;، quot;يا عدالة فينك فينك القضاء بينا وبينكquot;، وquot;يا شهيد نام وارتاح واحنا نكمل الكفاحquot;. quot;تبرئة القتلة عار.. ودم الشهدا تارquot;، حاكموهم علانية بغير تباطؤ حتى لا يعتقد بأنه تواطؤquot;، quot;المحاكمات العاجلة و العلانية راحة للشهداء وضمان للشفافيةquot;، quot;إلى المجلس العسكري.. عفوا لقد نفذ رصيدكمquot;.
اللجان الشعبية تتولى الأمن
تولت فرق من اللجان الشعبية تأمين ميدان التحرير في ظل غياب كامل للشرطة المدنية والعسكرية، كما كان معمولاً أثناء الثورة قبل إسقاط نظام حكم الرئيس السابق حسني مبارك، وتوزعت الفرق على مداخل ميدان التحرير من ناحية كوبري قصر النيل، شارع قصر العيني، شارع التحرير وباب اللوق، شارع طلعت حرب، شارع ميريت، وتولت اللجان الشعبية حماية المتحف المصري، حيث أحاط به العشرات من الشباب منعوا أي شخص من الدخول إلى الشارع الخاص به، لاسيما أنه كان مغلقاً، فيما وجدت الشرطة داخل أسوار المتحف، وبدا واضحاً أن هناك تعاونًا وإنسجامًا بين أفراد الشرطة وأفراد اللجان الشعبية.
وإستطاع أفراد اللجان الشعبية القبض على عدد من البلطجية ممن كانوا يحاولون الإندساس بين المتظاهرين، وإحداث أعمال شغب، وكان بعضهم يحملون أسلحة بيضاء، وكان أحدهم يحمل قنبلة مسيلة للدموع، وتم تسليمهم للشرطة، ولكن بعد quot;علقة ساخنةquot; من جانب المتظاهرين. وتولت فرق أخرى من اللجان الشعبية أعمال النظافة في الميدان، في عودة حقيقية إلى روح الثورة. فيما إندلع حريق محدود في إحدى البنايات بالقرب من الميدان في مواجهة المتحف، واستطاعت اللجان الشعبية السيطرة عليه قبل وصول سيارات الإطفاء.
صراع المنصات
يبدو من النظرة الأولى أن القوى السياسية قد توحدت ونبذت فرقتها، لكن ذلك الإنطباع سرعان ما يتبدد بعد التدقيق في المنصات الإعلامية في ميدان التحرير، حيث ظهر ما يمكن وصفه بـquot;صراع المنصاتquot;، وضع كل تيار سياسي منصة خاصة به، التف حولها أنصاره، وكان هناك أربع منصات رئيسة، الأولى لجماعة الإخوان المسلمين والتيارات الإسلامية، والثانية لإئتلافات شباب الثورة، والثالثة للجمعية الوطنية لتغيير والتيارات الليبرالية، والرابعة لحزب الوفد.
إعتصام مفتوح
وقرر الآلاف من المنتمين إلى القوى السياسية الليبرالية وأسر الشهداء الإعتصام في ميدان التحرير quot;حتى تحقيق مطالب وأهداف الثورةquot; حتى تعبيرهم، وقال وائل أحمد شقيق الشهيد كريم أحمد لـquot;إيلافquot; إن الإعتصام سوف يكون مفتوحاً إلى حين محاكمة رموز النظام السابق وقتلة الشهداء، مشيراً إلى أنه لن يتم فضه قبل إعدام حبيب العادلي وزير الداخلية السابق وحسني مبارك وجميع الضباط المتهمين بقتل الثوار.
داعياً إلى ضرورة القبض على ضباط إدارة مكافحة الإرهاب في وزارة الداخلية المعروفين بـquot;القناصةquot; الذين قتلوا الشهداء في ميدان التحرير وتقديمهم إلى المحاكمة، وحتى الآنمازالوا أحرارًا طلقاء، ولم يتم تقديمهم للمحاكمة.
وبلغ عدد الخيام التي تم نصبها في الميدان تمهيداً للإعتصام نحو خمسين خيمة، جهزها رجل الأعمال المهندس ممدوح حمزة رئيس المجلس الوطني، وجهز أيضاً مظلة تتسع لنحو خمسة آلاف متر في الحديقة الوسطي للميدان، من أجل حماية المتظاهرين من الحر الشديد وأشعة الشمس الحارقة. وبينما يستعد البعض للإعتصام، أنهت جماعة الإخوان المسلمين والتيارات الإسلامية التظاهر بعد إنتهاء صلاة العصر، وبدأ أعضاؤها مغادرة الميدان، رافضين الدعاوى المطالبة بالإعتصام.
الإخوان يؤيدون المتظاهرين
كما أعلنت جماعة الإخوان المسلمين تأييدها المتظاهرين. وقال محمد متولى، وهو عضو في الإخوان المسلمين إن quot;الثوار ليسوا بلطجية، وقد سأم الناس من طريقة التعامل مع قضايا الضباط المتهمين بقتل المتظاهرين والوزراء السابقينquot;.
ويضيف قائلاً quot;لقد صدم الناس بالحكم ببراءة ستة وزراء من تهم الفساد وإهدار المال العام، ولذا فنحن هنا اليوم للتعبير عن غضبنا ورفضنا لهذا التلاعب بالعدالة، وكذلك تدليل الرئيس السابق وعائلتهquot;.
وقال متظاهر آخر هو وليد ابراهيم ناجي إن الحكومة تعامل الرئيس السابق وأسرته بمنتهى اللين، وقال quot;كيف يمكن أن يقال إنه مسجون؟ لقد وضعوه في مستشفى فندقي من فئة النجمات الخمس،وتحت إمرته الخدم والحشم والمساعدين، إنه ليس سجينًا، بل أتمنى أن أكون مكانه، فليضعوننا في السجن الذي يقيم فيه، ويضعوه في القرية التي اعيش فيها، حيث لا أجد ماء نظيفًا للشرب، وحيث القمامة في كل مكانquot;.
مظاهرات في شرم الشيخ
في منتجع شرم الشيخ، حيث يرقد الرئيس السابق حسني مبارك، تظاهرات المئات أمام المستشفى الذي يعالج فيه، مطالبين بترحليه إلى خارج المدنية السياحية، متهمين إياه بأنه السبب في تدهور أحوال السياحة هناك، ورددوا هتافات quot;يا مبارك غور غور خلي الشرم تشوف النورquot;، quot;مبارك باطل.. سوزان باطل، جمال باطلquot;، quot;يا شهيد نام وارتاح وإحنا نكمل الكفاحquot;. وأطاحت قوات أمن مكثفة وقوات من الشرطة العسكرية المستشفى، ومنع المتظاهرين من الإقتراب منه، وحددت مكان إحتجاجهم بالرصيف المواجه للمستشفى.
لكن هل علم مبارك بتلك التظاهرات؟.يجيب على هذا السؤال مصدر طبي مطلع من المستشفى لـquot;إيلافquot; قائلاً إن مبارك لا يتابع التظاهرات التي تندلع بالقرب منه أمام المستشفى، موضحاً أن حوائط الجناح الذي يقيم فيه عازلة للصوت، كما إنه لا يتحرك من على سريره إلا فيما ندر، ولفت إلى أن الجناح يطل على الجهة الأخرى للمستشفى، وليس على بوابتها الرئيسة التي يتظاهر قبالتها المحتجون.
إحتجاجات بالمحافظات
في الإسكندرية، تظاهر نحو نصف مليون شخص في ميدان القائد إبراهيم، وهو الميدان الذي يماثل ميدان التحرير في القاهرة، مطالبين بالقصاص من قتلة الشهداء.
وشهدت مدينة السويس مظاهرات شارك فيها مئات الآلاف من المتظاهرين، للأسباب نفسها، وذلك في ميدان الأربعين، الذي شهد إشتعال شرارة الثورة في 25 يناير الماضي، مطالبين بمحاكمة قتلة الشهداء، وشنقوا دمية في وسط الميدان، ورفعوا لافتات ضخمة كتبوا عليها شعاراتهم ومطالبهم منها: محاكمة عاجلة وعلنية لقتلة الشهداء، التحقيق في كل بلاغات الفساد ضد رموز النظام السابق، إقالة المحامي العام في السويس، بسبب التباطؤ والتهاون في محاكمة قتلة الثوار، التهاون في التحقيق في بلاغات الفساد، تطهير وزارة الداخلية من الضباط الفاسدين، تطهير جهاز الإعلام من بقايا النظام السابق، عودة الأمن إلى الشارع ومحاسبة المقصرين من ضباط وأفراد الشرطة. إضافة إلى quot;يا شهيد هناخد تارك وهنفرم نظام مباركquot;.
لم تغب الثورة الليبية عن السويس، حيث رفعت شعارات ولافتات quot;مصر وليبيا.. إيد واحدةquot;، وانتشرت صور الشهداء في كل شتى أنحاء الميدان. ووقعت أحداث إطلاق نار في السويس، حيث أطلق أربعة أشخاص الرصاص على المتظاهرين في ميدان الأربعين، وأسفرت عن إصابة أحد الأشخاص بجروح خطرة، وألقت اللجان الشعبية القبض على إثنين من الجناة، وأبرحوهما ضرباً قبل تسليمهما إلى الشرطة العسكرية. كما إنطلقت تظاهرات مماثلة في محافظات كفر الشيخ وأسيوط وأسوان والبحر الأحمر، والإسماعيلية، والبحيرة.
التعليقات