في حواره مع quot;إيلافquot; يتحدث الشيخ شمس الدين بوروبي أحد رجال الإفتاء في الجزائر ورئيس الجمعية الخيرية الإسلامية سابقًا، عن فوضى الفتاوى في الجزائر، في ظل شغور منصب مفتي الجمهورية. ويرى الشيخ شمس الدين أن quot;اللامذهبية والحركة السلفية تشكل خطر على وحدة وتماسك المجتمع الجزائريquot; لأن هذا الفكر حسب رأيه quot;يحمل إقصاء وتكفير للمخالفquot;.


بودهان ياسين من الجزائر: يؤكد الشيخ شمس الدين بوروبي أن quot;استيراد الفتوى من دول أجنبية سينعكس مستقبلاً بشكل اخطر على الجزائر quot;لأن quot;المجتمع الجزائري لا يعرف معنى التعايش مع مذاهب دينية أخرى، عكس دول عربية أخرى مثل مصر ولبنان وسورياquot;، ورفض أن يكون سبب هذه الفوضى عدم وجود مفت للجمهورية ووصف هذا التبرير بـ quot;اللعبة السياسيةquot;، لأن المفتي دوره الفصل في قضايا اجتهادية خلافية، وتأسف للتعتيم الإعلامي الممارس على علماء الجزائر، في حين يتم استيراد دعاة من دول أجنبية، وتمنح لهم مبالغ مالية تصل إلى 450 مليون مقابل ثلاث ساعات من الحديث إلى الناس.

الشيخ شمس الدين بوروبي

منظومة الفتوى الدينية في الجزائر تبقى منذ سنوات رهينة لفوضى مستمرة، برأيكم ما هي الأسباب في ذلك؟
أولاً الجزائر لم تعرف فوضى الفتاوى إلا لما عمّت الرداءة، وعمت الفوضى مع ما يمسي بالطبقة المتدينة في المجتمع الجزائري، الإنسان الجزائري منذ أن عرف الإسلام إذا وقعت حادثة أو نزلت به نازلة يذهب إلى إمام المسجد فيجيبه الإمام، هذا حلال أو حرام، ويكتفي بهذا، و يصدقه ويثق في قوله ويعمل به، لذلك عندما جاء الاستعمار الفرنسي وجد شعبًا رغم أمّيته متماسكًا، لأن مراجعه هم الأئمة والدعاة في المساجد أو الزاوية.

استقلت الجزائر وسرنا على هذا المنهج، وكلنا نتذكر الشيخ حماني والشيخ أحمد سحنون والشيخ العرباوي، والشيخ عبد اللطيف مشايخ كبار سارت خلفهم الأمة، لكن بعدما غزتنا المطويات والكتيبات والمراجع المشرقية التي تدعو إلى اللامذهبية، وهي أن يكون لكل مسلم مذهبه، اللامذهبية هي إخراج الناس من أضيق دوائر الاختلاف الذي وقع بين الأئمة الأربعة، وكلهم مجتهدون، إلى أوسع دوائر الخلاف، أي أن يكون لكل مسلم مذهبه، لما انتشرت اللامذهبية في المجتمع الجزائري أو ما يسمى بالسلفية أو العودة إلى الكتاب والسنّة، والعودة إلى الكتاب والسنة معناه أن كل مسلم هو الذي يعود إلى الكتاب والسنة، فكل مسلم يفهم الكتاب والسنّة حسب رؤيته، وهذا الأمر سلاح لم يدرك الناس مقصوده، ليس المقصود بالعودة إلى الكتاب والسنّة أن يعود إليهم بفهم علمائنا في السلف، وإنما العودة إلى الكتاب والسنّة يقصد بها هذه الجماعة، وأن يفهم الكتاب والسنة كما أراد هو.

فخرج جيش وجيل لا يحترم الأئمة، لا يحترم الدعاة إلى الله، لا يحترم لا المالكي ولا الشافعي ولا بن حنبل وأبا حنيفة، وإذا كان لا يحترم هؤلاء فمن باب أولى أنه لا يحترم إمام المسجد، ولا مشايخ الجزائر ولا دعاتها، هذا الجيش هو رائد فوضى الفتاوى، الناس أصبحوا في متاهة ولا يدرون ما يفعلون، كل شيخ له أتباعه، وذهبوا من التفكيك إلى التفتيت، فككوا الأمة الإسلامية ثم فتتوها، يأتي إنسان يضلل الأئمة الأربعة، وينشئ لنفسه جماعة، ثم هذا الشيخ تنشق عنه جماعة أخرى تضلله، ثم الجماعة الصغرى تنشق عنها جماعة تضلل الأولى.

وهكذا يصبح شخص وحيد هو الذي يطوف وحده بالكعبة، ويعتقد أن كل المسلمين على ضلال، لذلك ليس عجيب أن نسمع من يقول إنه لا يجوز للمرأة أن تدخل إلى مقهى إنترنت من دون محرم، وليس عجيبًا أن نسمع أن بريمر الذي نصبته القوات الأميركية حاكمًا على العراق، هو ولي أمر المسلمين، ولا تجوز مجاهدة الأميركيين إلا بموافقة ولي المسلمين الذي هو بريمر!.

في الجزائر عندنا يفتي أحد الحشوية بأن الاستعمار الفرنسي كان هو ولي المسلمين، ولي المسلمين هو الاستعمار، وهذه فتوى خطرة، لأنه إذا كان الاستعمار هو ولي المسلمين، الذي لا يجوز الخروج عليه، معناها أن المجاهد الجزائري الذي كان يحارب الاستعمار إرهابي، معناه أن مليون ونصف مليون ليسوا بشهداء، وإنما عبارة عن إرهابيين قتلهم جيش ولي أمر المسلمين، والعجيب أن هذا الشخص ينشر فضلاته على أنها فكر إسلامي، وعلى أنها علم وعلى أنها سلفية ولا مذهبية.

وفي الوقت الذي كان فيه 2 مليون طفل عراقي يعاني الموت نتيجة القصف الأميركي لمصانع الحليب في العراق، خرج علينا مشايخ الحشوية بفتوى البوكيمون، وروّجوا هذه الفكرة في كل العالم الإسلامي، حتى أصبح كل الناس مهتمين بالبوكيمون وتحريمه، ولا أدري لماذا البوكيمون بالضبط، حتى أصبحنا نسمع أئمة في المساجد الجزائرية فوق المنابر يخاطبون أيها الناس خذوا حذركم لقد ظهر البوكيمون، العالم الإسلامي كله مشغول بخطر البوكيمون، وأميركا في المقابل قتلت 2 مليون طفلاً، لما وقعت أحداث غزة كل مسلم يريد أن يتحرك تضامنًا معها، تخرج علينا فتوى لفركوس، وهو إمام الحركة السفلية في الجزائر لتقول إن التضامن مع غزة عن طريق المسيرات بدعة، وليس من أخلاق المؤمنين، معناه أنها من أخلاق الكافرين.

وأنا دخلت في نقاش مع احدهم، وقدمت له الدليل القاطع على أن النبي عليه الصلاة والسلام قاد مسيرة، لما نزل قوله تعالى quot;يا أيها المدثر قم فأنذرquot; كان الرسول في بيت الأرقم بن أبي الأرقم، ولما نزلت الآية قام الرسول وتماسك مع الصحابة، ومشوا بقيادة الرسول من بيت الأرقم بن أبي الأرقم إلى غاية الكعبة، واعتصموا بها أي مسيرة واعتصام، مع أن هذه المسألة لا تحتاج تأصيلاً، لأن الأصل في الأشياء الإباحة حتى يأتي دليل بتحريمها، ما لم يأت دليل على تحريمها فتبقى على أصلها، خرجت علينا هذه الفتوى، بأن التضامن مع غزة بدعة وأن المسيرات ليست من أخلاق المسلمين، فتوى الوصول إلى البرلمان وإنشاؤه لا تجوز، الانتخابات حرام لا تصح، القيادة بالنسبة إلى المرأة حرام لا تجوز ومن كبائر الذنوب، و نحن نعلم أن الله تبارك وتعالى قال وquot;ما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهواquot;.

أنا أتساءل أين وجد مشايخ السعودية تحريم القيادة على المرأة، لا أحد يدري، إذا كان لديهم نصوص أخفوها عن الأمة ولا نعرفها ولم نقرأها فليظهروها لنا، المولد النبوي بدعة، مع أنه في الجزائر أكثر من سبعين عيد، لا أحد يقول إن هذه الأعياد بدعة أو حرام، إلا إذا جاء المولد النبوي تراهم جميعًا يقولون إن الاحتفال بالمولد بدعة، مع أن كل الشعب الجزائري يعتقد بأن الاحتفال بهذه المناسبة هي عادة وليست عبادة، ففوضى الفتاوى في الجزائر منتشرة، وأنا أقول وأردد كل دم سال في الجزائر كان بسبب فتوى، كل بنت لم تغتصب إلا بسبب فتوى، كل شركة أحرقت كان بسبب فتوى، كل مسجد أحرق أو مقبرة أحرقت بسبب فتوى، هذه الفتاوى ليست فتاوى المالكية ولا الشافعية ولا الحنفية والحنابلة، هي فتاوى الفكر السلفي اللا مذهبي، الذي جعل من كل شيخ مجتهد.

أنا أمس كنت اقرأ فتوى شيخ يشبه الشعب الجزائري ببني قريظة، الشيخ عبيد الجابري يقول إن الجزائريين والليبيين quot;حميرquot;، ابن جبرين تجد في موقعه يفتي في قضية لا يحسنها ولا يعرفها، فيحكم على جبهة التحرير الجزائرية، فيقول عنها إنها حزب علماني تابع لفرنسا، ويجوز قتاله لأنه يدمر المساجد، وهذا كله كذب وغير صحيح، فوضى الفتاوى انطلقت من المشرق ثم وصلت إلينا، فنحن الصدى، بعض أبناء الجزائر ممن يحبون كل منتوج أجنبي في كل شيء، يحب لبس القميص الأجنبي، والسروال الأجنبي، والحذاء الأجنبي، ويريد كذلك الفتوى الأجنبية، اقتنعوا بهذا الفكر، الشعب الجزائري كان أخيرًا يتناقش عن اللحوم الهندية، هل تجوز أو لا تجوز، فخرج علينا فركوس بفتوى تحريم لحم quot;الحلزونquot; بحجة أن هذا الحيوان لا يمتلك رقبة ولا يمكننا ذبحه.

وإذا قسنا على هذا فإن لحم الجمبري (القريدس) حرام، والسمك حرام، فهناك 1200 حشرة تؤكل في العالم، وهذا الرجل يعيش في الجزائر و يعتقد أن الإسلام موجود في الجزائر فقط، ولو عاش في الصين لعرف أن الإسلام بمرونته وتوسعته على الناس، هناك هذا العدد من الحشرات تؤكل في العالم، شخص آخر يصدم الشعب الجزائري ويفتي بأن quot;الطمينةquot;، وهي أكلة شعبية، بأنها حرام لأن فيها صليب، والصليب لا يجوز تقديسه أو عبادته، لكن يجوز أكله، والصليب نحن مجبرون على تشكيله في النافذة أو عملية حسابية، المقصود هنا بالصليب الصليب المستعمل للتنصير في الكنسية أو غيرها، وأنا أتذكر موقف لجدي في إحدى المساجد في مدينة البلدية، حينما قام لأحد الأئمة الذي قال إن السبحة حرام لأنها تشكيل رمز الصليب، فوقف جدي وفتح يديه، ونظر إليه كل المصلين في المسجد، فخاطبه الشيخ لماذا فتحت يديك، فقال لد جدي لتقول لي إنني حرام لأنني شكلت صليب، فبهت الشيخ وسكت، كل هذه ترهات الشعب الجزائري شعب مالكي سني ثقافة الفقه المالكي متجذرة في الشعب الجزائري، والآن يراد إلغاء فقه موروث، واستيراد فقه لا يعرف الناس شيئًا عنه من أجل مصادمة الناس.

لكن غالبية هؤلاء الذين يلجأون إلى فتاوى علماء من المشرق حجتهم في ذلك عدم وجود علماء أكفاء في الجزائر أهل للفتوى، كيف ترد على هذا الأمر؟

العلماء في الجزائر موجودون، ولكن التيار العلماني واللاديني الذي كان يحارب الصحوة هو الذي عتّم عليهم، ولما ضيقوا على دعاة الاعتدال و على أئمة الجزائر خرج عليهم أمثال زوابري وفليشة، فالتضييق على دعاة الاعتدال سمح بظهور دعاة التطرف، فالجزائر مملوءة بالعلماء والحمد لله، تصور أن إحدى عشر ألف مسجد على الأقل يكون فيها مائة فقيه، خمسة وعشرون ألف زاوية على الأقل تنجب ثلة منهم، ولكن نحن لا نبرز هؤلاء، الشيخ بلكبير لم يتم التعريف به إلا حينما فارقنا، والأمر نفسه بالنسبة إلى الشيخ باي، الآن وأنا أكلمك لدينا عالم يملأ الدنيا علمًا، موجود في المسيلة الشيخ ميهية علامة لكن من يسمع به، لدينا عالم آخر في مدينة المنيعة، ولديه زاوية في شنقيط الشيخ عمران، لكن لا يسمع له ذكر، لدينا صاحب كتاب التسهيل في أدلة خليل، لا أحد يعرفه، مادامت السلطة لا تهتم بالعلماء من غير الممكن أن يبرزوا.

في بعض البلدان بمجرد أن يظهر إنسان تنشر له مطويات وبنسخ مليونية وتوزع عبر كل دول العالم، ويصبح شيخًا، نحن في الجزائر رغم أننا نمتلك شيوخًا حقيقيين، لكنه يعتم عليهم، والعجيب انه في بعض المناطق في الجزائر يستورد مشايخ، المهم أن يكون من الخارج، هؤلاء المشايخ يتقاضون مقابل ثلاث ساعات 450 مليون سنتيم، ويخرجون من مطار الجزائر، وهم محملون بالنحاس والذهب والفضة والهدايا مقابل كلمات يقولها أي إمام متواضع في الجزائر، ولكن لا نبي في قومه.

ألا ترى أن من بين أسباب هذه الفوضى عدم وجود إطار يكفل بتنظيم الفتوى في الجزائر، خاصة في ظل شغور منصب مفتي الجمهورية؟

هذه لعبة سياسية على جميع المسلمين ألا يخوضوا فيها، لأن الذين يريدون أن يحتكموا إلى الشرع، أقول هل غلق المخامر أو غلق بيوت الدعارة يحتاج فتوى من مفتي الجمهورية، مفتي الجمهورية يفصل في القضايا الاجتهادية الخلافية، نحن الأساسيات لدينا غير مضبوطة، الآن يتم إخفاء كل شيء وراء منصب مفتي الجمهورية، الشعب الآن يثور يوميًا في كل مناطق الوطن ضد بيوت الدعارة، هل قرار إغلاقها يحتاج فتوى من مفتي الجمهورية، أغلقوا بيوت الدعارة، أغلقوا الخمارات، لا تسرقوا أموال الناس، توقفوا عن الربا، نعم الأمة في حاجة إلى مفت، ولكن لا تعلقوا كل انهزاماتكم ومخالفاتكم على quot;شماعةquot; عدم وجود مفتي للجمهورية.

في ظل هذا الوضع المتميز بالفوضى ألا ترى أن وحدة وتماسك المجتمع الجزائري أصبحت مهددة، ونحن نسمع بين فترة وأخرى عن حدوث مصادمات حتى بين مصلين داخل المساجد بسبب اختلاف حول جلسة استراحة أو إسدال اليدين أو غير ذلك من الأمور الخلافية؟

الأمر في الجزائر سيكون أخطر، لأن الخلافات الفقهية في المشرق نشأت في مجتمع يعرف معنى التعايش، المجتمع المصري قد تجد فيه في البناية الواحدة في الطبقة الأولى سنيًا وجاره شيعي، وجارهم الآخر مسيحي، المجتمع اللبناني مجتمع نشأ على الخلاف، المجتمع الجزائري لا يعرف ذلك، بمجرد أن اختلف حكم السكاكين في خلافاته، فالأمر عندنا أخطر، ولذلك ما دخلت هذه اللامذهبية إلى مجتمع إلا و فككته، وإذا تفكك المجتمع الجزائري، وهو مجتمع لا يعرف التعايش، لا يعرف التعامل مع الآخر، لأنه نشأ على عقلية أن الكل مسلم، لدينا في الجزائر الاباضية، وهم قوة مالية، وعاشوا مع المالكية آلاف السنين، وفي ظل الغالبية المالكية لم تقع أي حرب دينية مع الاباضية أبدا.

وقعت حرب على قطعة أرض مثل ما وقع في أي منطقة أخرى من مناطق الوطن، لا يوجد أي مالكي قتل اباضي، لأنه يعتقد بأن مرتكب الكبيرة من أهل النار، لا يوجد أي اباضي قتل مالكي لأنه يعتقد بأن الله يرى يوم القيامة، وقعت خلافات على مصالح دنيوية، ولكن ما رأيك لو سيطر على المجتمع فكر لا يرى المخالف إلا بعين المبتدع الذي يجب أن يقام عليه الحد، لا يرى بالمخالف إلا بعين الكافر الذي يجب أن يزال، وأنا لدي فتوى لأحدى مشايخ السلفية يقول quot;الرحمة بالاباضية بدعةquot; هذا فكر خطر، نحن رأينا أناسًا ذبحوا أناسًا فقط لأنهم خالفوهم في مسألة القنوت، هذا فكر خطر، أنا أحاربه لأنني مقتنع بأنه خطر، أولا إنقاذا للإسلام، لأن هذا الدين نفسه يجب أن ينقذ من هذا الفكر، ثم سيتلاعب بمصير المسلمين صغار العقول، هؤلاء الأطفال منهم من يتوب يوم السبت، ويصلي يوم الأحد، يلبس قميص يوم الاثنين، ويصبح مجتهدًا يوم الثلاثاء/ ولا يأتي الأربعاء إلا ولديه الأتباع، ولا يأتي الخميس إلا وأصبح يحكم على مخالفيه بالقتل والبدعة، أين يذهب الإسلام بهذه الطريقة.

فوضى الفتاوى أمر خطر جدًا، ونحن لسنا ضد علماء السعودية، و لكننا ضد فوضى الفتاوى، في الشريعة الإسلامية لا يفتي إلا من هو أهل للفتوى، ومن هو المؤهل للفتوى هو من أهله شيوخه، الإمام مالك قال أنا لم أفت حتى شهد لي سبعون من علماء المدينة، الإمام الشافعي سأله احدهم عن مسالة، فقال له ارجع بعد عشرة أيام، فلما عاد أفتى له، ولما سأله عن سبب عدم الإفتاء في اليوم الأول، قال له الشافعي لأنني لم ابلغ حينها أربعين سنة، أراد الاقتداء بالنبي عليه السلام.

كان الصحابة حينما يأتيهم مستفت يرسله الأول إلى الثاني والثاني إلى الثالث وهكذا حتى يعود إلى الأول ويقول عليه الصلاة والسلام أجرأكم على الفتوى أجرأكم على النار، أنا الآن لديّ فتوى يقول فيها صاحبها إن من أسباب الزلازل غضب الله على جماعة الدعوة والتبليغ، هذا استحمار لعقول الناس، هذا منطق يبث للمسلمين، هناك فتوى أخرى يقول صاحبها إن التلفزيون في ظل الدولة الإسلامية الصوت بلا صورة، إذا لماذا نشتري تلفازًا بثلاثة ملايين بينما نستكيع أن نشتري مذياعًا بثلاثة آلاف دينار وانتهى الأمر.

يفتي احد المشايخ من العمائم الأميركية فتوى تتعلق برسوم متحركة توم وجيري، وقال إنه يجب قتل الفأر جيري لأنه لا يجوز أن يكون بطلاً في أفلام الرسوم المتحركة، لأنه إذا كان بطلاً فذلك مخالف لحديث الرسول ويجب قتله، وأنا تتبعت أصول هذه الفتوى، لأنني أعلم بأن العمائم الأميركية لا يفتون فتاوى مجانية، هذه الفتوى سببها أن إدارة فوكس نيوز تقدمت بشكوى للكونغرس الأميركي ضد حركة حماس الفلسطينية، التي أنتجت مسرحية فيها قط وفأر، لكن توم وجيري الذي أنتجته حماس يحب الأسرى الفلسطينيين ويحب المجاهدين ويحب فلسطين ويحب القدس ويدعو إلى أن تتحرر.

يأتي هذا البرنامج بأطفال أولياؤهم أسرى في السجون الإسرائيلية، ويجري معهم حوارات، وإدارة القناة العالمية فوكس نيوز تقدمت بشكوى إلى الكونغرس، مفادها أن حركة حماس اختطفت توم وجيري وحولتهم إلى إرهابيين، فيضغط الكونغرس الأميركي على الدولة الفلسطينية من خلال رئيسها محمود عباس، الذي بدوره يضغط على حركة حماس التي رفضت التخلي عن توم و جيري الفلسطيني، فيتطوع العبيكان بفتوى تقول إنه حرام مشاهدة توم وجيري، وهو الشيء نفسه الذي ينطبق بالنسبة إلى البويكيمون الذي تم تحريمه فقط لأنه برنامج ياباني لا غير.

وبرأيكم أين هو الحل والمخرج من هذه الأزمة؟
الآن عرفنا أننا في أزمة، لأن 200 ألف جزائري قتلوا وذبحوا، وفيهم حوالي 700 إمامًا ذبحوا ذبح النعاج في الجزائر بسبب فتوى، كما ذبح الشيخ بوسليماني، وقتل الشيخ صحراوي، وضرب الشيخ أحمد سحنون بالرصاص على رأسه، هذه كلها فتاوى، أفتوهم بأن علماء الجزائر مبتدعة، وهم على ضلال، ويجوز قتلهم وذبحهم والتخلص منهم، الحل لهذه الأزمة يتعلق بالعوام، على هؤلاء أن يثقوا في أئمتهم، وعلى العلماء و المشايخ والأئمة أن يعيشوا المجتمع، لأن الإمام الذي لا يعيش هموم المجتمع كيف يثق فيه المجتمع، إمام لا نجده في قضايانا الاجتماعية كيف نثق به.

والحل أيضًا في يد أولي الأمر، فعليهم تسهيل دور وعمل الأئمة والدعاة، الإمام الذي يعيش في مدينة تيزي وزو، ولا يمتلك سيارة، والمطلوب منه زيارة 1200 قرية، والقائم على الكنيسة يتقاضي 30 ألف دولار شهريًا، ويمتلك مزايا كبيرة أخرى من الفاتيكان، كيف يستطيع الإمام في ظل هذا الوضع أن يؤدي دوره بالشكل الذي يليق به. على السلطة أن تسهل من دور الإمام من خلال رفع المستوى العلمي له من خلال توفير المراجع و الكتب والعلاقات مع العلماء في العالم ومع المراكز المتخصصة بالإفتاء والإدارات العلمية من اجل أن يكون على اطلاع دائم مع الجديد في مجال تخصصه، وأيضًا رفع أجور الأئمة، فلا يعقل أن الإمام لا بد أن يلبس زيًا إسلاميًا وهو يتقاضي 17 ألف دينار في الشهر، في حين أن قيمة الزي الإسلامي يتجاوز سعره 50 ألف دينار.