عندما أعلنت هيلاري كلينتون خلال الأسبوع الماضي أن الرئيس بشار الأسد laquo;فقد الشرعيةraquo;، لم تكن تعبّر عن موقف الإدارة الأميركية الرسمي، وإنما أطلقت تصريحها ارتجالاً. ويرى المراقبون أن هذا بحد ذاته يشير إلى انقسام واشنطن إزاء ما يحدث في سوريا الآن.


وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون

صلاح أحمد: أخذت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون حتى أقرب مساعديها على حين غرّة عندما قالت في الأسبوع الماضي عن الرئيس السوري بشار الأسد إنه laquo;فقد الشرعية من وجهة نظرناraquo;.

وكان مصدر الدهشة هو أن الوزيرة لم تدل بهذا التصريح من بيان معد سلفًا ومتفق عليه داخل الإدارة الأميركية، وإنما أعربت عنه ارتجالاً وعفو الخاطر. لكن هذا الارتجال ndash; من المنظور الدبلوماسي وفقًا لصحيفة laquo;واشنطن بوستraquo; - جاء بمثابة قنبلة موجهة إلى الدعامة الأخلاقية التي تقوم عليها حكومة أخرى.

كانت كلينتون ترد وقتها على سؤال في مؤتمر صحافي. وعلى الفور اعتبر التصريح منعطفًا حادًا في موقف الإدارة التي كانت حتى ذلك الحين متحفظة في إعلان موقفها مما يحدث في سوريا أو الوصول إلى حد انتقاد الأسد. ومع أن البيت الأبيض كان ينوي تشديد لهجته إزاء نظام دمشق، فقد كان وصفه باللاشرعية من جانب كلينتون وليد اللحظة فقط، وليس موقفًا متفقًا عليه، وفقًا لمصادر عديدة في الإدارة نفسها.

وكان تصريح كلينتون ndash; الذي أتى بعيد قرار روبرت فورد، السفير الأميركي لدى دمشق، زيارة مدينة حماه المتمردة في السابع من الشهر الحالي ndash; هو الذي يقف وراء إسراع إدارة باراك أوباما الى الحديث عن وجوب تنحّي الأسد. وعليه فيمكن أخذ تصريح كلينتون وزيارة فورد باعتبارهما مؤشرًا واضحًا الى أن سياسة البيت الأبيض تجاه الطاغية السوري ليست مخططة بوضوح، وإنما تقوم على المبادرة الدبلوماسية المرتجلة.

هكذا أجبرت عبارة كلينتون الإدارة الأميركية على الوقوف خلف الجماهير التي تطالب برحيل الأسد فأبهجتها، وأرضت أيضًا دبلوماسيين غربيين سابقين وخبراء في شؤون الشرق الأوسط كانوا قد حثوا الولايات المتحدة على إصدار إدانة قوية لنظام دمشق المتهم بقتل أكثر من 1500 شخص منذ مارس/ آذار الماضي.

وتزايدت هذه المطالب خصوصًا بعدما هاجم مؤيدو الأسد السفارة الأميركية وحطموا زجاج نوافذها ورشقوها بالفاكهة الفاسدة وفق ما أوردته الأنباء.

وفي لقاء مع تلفزيون laquo;سي بي إسraquo; الثلاثاء الماضي، ردد الرئيس أوباما صدى عبارة كلينتون، وإن كان قد اختار كلماته بعناية حين وضعها في إطار الإرادة الشعبية السورية نفسها فقال: laquo;يبدو الأسد وهو يفقد الشرعية بشكل متزايد في أعين شعبهraquo;.

لكن موقف وزارة الخارجية الأميركية، على النحو الذي عبّرت عنه كلينتون، يوضح بجلاء انقسامًا داخل الإدارة حول شكل رد الفعل إزاء انقضاض الأسد على المتظاهرين. فبين المستشارين السياسيين، بمن فيهم أفراد داخل طاقم كلينتون نفسها، مَن يوصون بتوخي الحذر ومحاولة الابتعاد عن التصريحات المباشرة التي تُلزم البلاد بسياسة تسعى إلى أزاحة الأسد.

يعود هذا الموقف إلى عاملين: الأول هو غياب الدعم الدولي لتدخل عسكري في سوريا على غرار ما يحدث في ليبيا الآن. والثاني أن المعارضة السورية نفسها ليست منظمة، ولا تبدو قادرة على ملء الفراغ الذي سيتركه رحيل الأسد. وهذا أمر يهدد بغياب الاستقرار ردحًا طويلاً من الزمن، وربما اندلاع حرب أهلية بين خصوم الرئيس السوري ومؤيديه.

على أن هذا التوجه نفسه يجد معارضين له داخل الإدارة الأميركية. ويقول هؤلاء إنه بعد أربعة أشهر من العنف المتصاعد وسلسلة من الوعود الكاذبة من قبل الأسد، فقد آن الأوان لأن تتخذ أميركا موقفا أكثر حزمًا. ومن بين هؤلاء، بالطبع، السفير فورد وكلينتون، التي يقول مساعدوها إن تصريحها جاء غريزيًا بعدما نما إلى علمها أن قوات الأسد قصفت المتظاهرين العزّل بالدبابات.

ويقول مسؤول أميركي حضر اجتماعًا رفيع المستوى في سوريا عن رد فعل كلينتون: laquo;أصيبت بالاشمئزاز لدى سماعها النبأraquo;. ويضيف هذا المسؤول، الذي تحدث شريطة حجب هويته، إن صدر وزيرة الخارجية يضيق بشكل متنام إزاء تصرفات الأسد الذي تلقى تعليمه العالي في الغرب، وكان المسؤولون الأميركيون ينظرون إليه باعتباره الأمل في الإصلاح.