يعتقد قرابة ثلاثة أرباع من شاركوا في استفتاء laquo;إيلافraquo; الأخير أن الإصلاح في سوريا يبقى مجرد وعد لن يتحقق. وهكذا يصبح السؤال متعلقا بالأسباب التي تمنع الرئيس الأسد من المضي قدما في هذا الاتجاه، خاصة بعد خطابه المخيِّب للآمال في 30 من الشهر الماضي.
رسم بياني يظهر نتيجة الاستفتاء |
شارك 15 ألفا و453 قارئا في استطلاع laquo;إيلافraquo; الذي طرح السؤال: هل تعتقد أن الأسد جادّ في تحقيق الإصلاح السياسي في سوريا؟ وأجاب بـlaquo;نعمraquo; 4 آلاف و67 قارئا يمثلون نسبة 26.32%، بينما قالت أغلبية الكاسحة 11 ألفا و386 قارئا يمثلون 73.68%) إن الرئيس السوري غير جاد بهذا الخصوص.
ولنذكر انه عندما كان الرئيس السوري بشّار الأسد يلقي خطابه حول الإصلاح أمام برلمان بلاده في 30 من فبراير / شباط الماضي، كان العالم يترقب انعطافة مهمة في laquo;ربيع العربraquo;، لأن سوريا هي أحد أكبر اللاعبين في عموم الشرق الأوسط.
لكن العناوين الرئيسة التي خرجت بها laquo;إيلافraquo; في الأيام التي أعقبت الخطاب لخّصت خيبة أمل واسعة النطاق. فقال أحدها: laquo;سوريون يعبرون عن إحباطهم بعد خطاب الأسدraquo;، وقال آخر: laquo;دعوة الأسد الى تقديم إصلاحات ملموسة بعد كلمة لم تلب التطلعاتraquo;، بينما جاء في آخر: laquo;المعارضة السورية تضع إطار مطالب إصلاحيةraquo;. ومن هنا، تأتي أهمية النتيجة التي خرج بها هذا الاستطلاع ومضامينه.
إدانة ومطالب عاجلة
ربما كانت الإدانة الأقوى لخطاب الأسد الأخير هي البيان الذي أصدرته laquo;هيومان رايتس ووتشraquo;، أكبر الجماعات الدولية المعنية بحقوق الإنسان. فقال إن الرئيس السوري laquo;أخفق في الالتزام بأجندة محددة لإصلاح يضمن الحريات العامة واستقلال القضاء ويمنع نظامه من التعدي على حقوق الإنسانraquo;.
وجاء في البيان: laquo;خابت آمالنا جميعا لأن الرئيس الأسد لم يفعل أكثر من ترديد وعد هلامي بالإصلاح ظل يلوّح به منذ توليه السلطة. في حال سعت السلطات السورية الآن لاستعادة القدر الأقل من مصداقيتها فيتعيّن عليها إشاعة الحريات العامة فوراraquo;.
ومضت المنطمة الدولية لتعدد مطالبها الى الرئيس الأسد وكان منها ما يلي:
* رفع حالة الطوارئ المفروضة منذ قرابة نصف القرن وإلغاء قانونها.
* إلغاء المراسيم التي توفر الحصانة من المساءلة والمحاكمة لعناصر الوكالات الأمنية والتحقيق في سائر تجاوزاتها.
* تشكيل لجنة مستقلة للتحقيق في تجاوزات قوى الأمن وتصديها بالرصاص للمطالبين بحرياتهم الأساسية وتقديم المسؤولين عن هذه التجاوزات للمحاكمة ومعاقبة المدانين منهم.
* إطلاق سراح السجناء السياسيين وتحريم الاعتقال السياسي والتعذيب.
* إلغاء أو تعديل بنود القانون الجنائي التي تتيح طبيعتها المطّاطة للسلطات القمع والاعتقال والمعاقبة على أي تحرك معارض.
* استنان قانون جديد يتيح تشكيل الأحزاب السياسية وتشكيل لجنة انتخابية مستقلة لتسجيل هذه الأحزاب.
* إلغاء محكمة أمن الدولة العليا وتشكيل لجنة قضائية مستقلة تعيد النظر في القضايا التي نظرت فيها هذه المحكمة أو تلك المرفوعة اليها حاليا.
* استنان قوانين جديدة تضمن الحريات الإعلامية، وتحظر سجن الصحافيين بتهم كالقذف،
وتنهي احتكار الحكومة للمطبوعات العامة وفرضها الرقابة على المطبوعات المحلية والأجنبية.
* تعديل البند بنود قانون 1958 التي تحظر تشكيل الهيئات الروابط والجمعيات غير الحكومية.
شاهد من أهلها؟
حتى كاتب مثل الصحافي البريطاني باتريك سيل، القريب من النظام السوري، يقر بالخلل في مقالة له بعنوان laquo;الأزمة السورية ستؤثرفي المنطقةraquo; على صفحات laquo;غلف نيوزraquo; في الأول من الشهر الحالي. فيقول إن البعد الخطر الذي اتخذه الوضع في سوريا بعد إطلاق النار على المدنيين laquo;أشعل الغضب المكتوم طويلا إزاء الحرمان من الحريات الأساسية، وحكم حزب البعث الواحد وتجاوزات النخبة المتمتعة بما لا يتمتع به غيرها (...) والعطالة الحادة وسط الشباب، والشدة التي لا تعاني منها الجماهير الكادحة وحسب، وإنما الطبقة المتوسطة التي أفقرها تدني الأجور والتضخم المرتفع أيضاraquo;.
ويمضي سيل قائلا: laquo;أطلق النظام سراح بعض السجناء السياسيين ووعد بإنهاء حالة الطوارئ المفروضة منذ 1963. وألمحت الحكومة الى أن الإصلاحات المقبلة ستشمل توسيع نطاق الحرية الصحافية والحق في تشكيل الأحزاب السياسية. ولكن لم يوضع، حتى وقت كتابة هذا المقال، اي من هذه الإصلاحات موضع التنفيذ، ويبقى أن نرى ما إن كان الوعد بالإصلاح وحده كافيا لإخماد نار الاضطراباتraquo;.
أسباب إخفاق الأسد في الإصلاح
تحدثت laquo;إيلافraquo; الى عدد من المهتمين بشؤون الشرق الأوسط - وسوريا خصوصا - لاستبيان آرائهم عن الأسباب التي أدت الى إخفاق الرئيس السوري في الإصلاح مع وراثته السلطة بعد 29 عاما من حكم والده البلاد (1971 - 2000) بقبضة من حديد.. لماذا أحبط الأمل في نقل سورية الى آفاق جديدة، كونه شابا تعرّف ايضا الى الحرية السياسية خلال سني حياته في الغرب؟
ونورد هنا أن حتى اولئك الذين وافقوا على المساهمة بالإجابة طلبوا حجب هوياتهم الحقيقية. وهذا بحد ذاته يقول الكثير عن النظام السوري ويلقي الضوء على الأسباب التي حدت بالأغلبية الكاسحة من قراء laquo;إيلافraquo; الى التشاؤم إزاء الإصلاح في ظل حكم آل الأسد.
خمسة مستويات
يلخص المحلل حنّا غالي، من نيويورك، أسباب العزوف - أو العجز - عن الإصلاح في خمسة مستويات كما يلي:
1- الدستوري: البعث العربي الاشتراكي هو الوحيد في دولة laquo;الحزب القائدraquo;، بموجب النص الدستوري. أما التعددية الحزبية التي تعبر عنها laquo;الجبهة الوطنية التقدميةraquo; فهي واجهة لا قيمة لها، لأن تنظيماتها أصلا محكومة بـlaquo;كوتاraquo; مفروضة عليها، بجانب أن هذه التنظيمات أساسا laquo;مُدجَّنةraquo; وتابعة للسلطة. ثم أن كلاً من الجبهة والنواب المستقلين لا يشكلون إلا أقلية عاجزة عن المعارضة أو الرقابة أو المحاسبة.
2- الحزبي: الحزب الحاكم اليوم لا علاقة له إلا بالإسم مع حزب البعث العربي الاشتراكي الذي تكوّن في عقد الخمسينات من القرن الماضي باندماج حزب البعث العربي (ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار وجلال السيد) والحزب العربي الاشتراكي (أكرم الحوراني). وقد تشقق الحزب وانقسم عدة مرات حتى انتهى بعائلتين حاكمتين متعاديتين مذهبياً وسياسياً في سورية والعراق. فالحقيقة أن ما يحكم سوريا منذ خريف 1970 كتلة عائلية ndash; طائفية مع أتباعها من الانتهازيين والمستفيدين، وبالأخص في المدن الكبرى.
3 - الاجتماعي: حكمت عائلة الأسد سوريا على امتداد 4 عقود، نشأ خلالها جيل كامل من السوريين لا يعرف غير سلطة العائلة الحاكمة باسم حزب هو في حقيقة الأمر ليس أكثر من مؤسسة توظيف وتسلّق وتحصيل نفوذ. وبالنظر إلى سيطرة الطغمة الحاكمة طوال تلك الفترة على كل مرافق السلطة ومؤسساتها (القضاء والتعليم وإلاعلام والهيئات الدينية ومجالات الاستثمار، بجانب الجيش والشرطة، إلخ)، أسهمت هذه السيطرة في فرض ثقافة جماهيرية تلقينية وتابعة تقوم على laquo;تأليه الزعيم القائد الملهم والمعصوم عن الخطأraquo;، والتردد في التشكيك والاعتراض.
4- الديني والمذهبي: انتهجت الطغمة المسيطرة سياسة طائفية تقوم على حصر مفاصل السلطة الأمنية الفعلية ضمن بيئة مطلقة الولاء داخل الطائفة الحاكمة الواحدة. فهي مجرد مناصب انتفاع وتسيير إسمية يعمل شاغلوها في ظل المصلحة الموحى بها من المركز - الطغمة. وأيضا عملت الطغمة على طرح نفسها عند الأقليات الدينية وأمام العالم على أنها تحكم بلدا علمانيا، وتؤدي دور الحامي للأقليات في وجه الأغلبية السنّية. وللعلم فلا يمكن فهم العلاقة الخاصة بين السلطة السورية التي تدّعي العلمانية والنظام الديني في إيران بمعزل عن هذا الاعتبار. ثم إن إرضاء الأقليات (غير السنّية) على حساب الأغلبية، بمرور الوقت، أوجد شعورا بالقهر عند الأغلبية انعكس في تنامي ظاهرة الحجاب والتديّن. وفي الوقت نفسه أوجد عند الأقليات ارتباطا لاشعوريا بضرورة المحافظة على ولائها للسلطة خشية رد فعل سنّي أصولي ضدها في حال سقوط النظام.
5- التنظيمي: استقالت الحكومة السورية تحت وطأة الاحتجاجات، لكن هذه الاستقالة لا تعني شيئاً لأن الحكومة عملياً مجرد فريق تنفيذي ليس في يده أي قرار سياسي. فالقرارات تتخذ على مستوى قيادة الحزب، التي هي الرئيس الأسد شخصياً مع دائرته الضيقة. وقد قرر الرئيس التحقيق في إطلاق النار على المحتجين. لكن لا وجود في سوريا لفصل السلطات أو لاستقلالية للقضاء. وبناء عليه فلن يدين النظام نفسه، بل كل ما في الأمر انه سيبحث عن كبش فداء.
نظام غير قابل للإصلاح أصلاً
يقول الصحافي السوري الياس أبو نوف: laquo; بدءاً، ارى أن السؤال في حاجة الى تصويب. فالحديث عن أسباب إخفاق الأسد في تحقيق الإصلاح ينطوي على تسليم بأمور عدة، أبرزها أن النظام الذي ورثه عن أبيه قابل للإصلاح، وأن لدى الوارث برنامجا أو مجرد أفكار للإصلاح! لكن الافتراضين غير واقعيين البتة. همُّ النظام الشمولي، كالذي أسسه حافظ الأسد، laquo;الصارمraquo; كما تشهد مجازر حماه وسجن تدمر.... والتجريد المنهجي للسوري من أبسط حقوقه الانسانية وتخريب الثقافة السورية التي باتت الغلبة فيها للمرتشي والفاسد والعنصري الكريه.. همه أن يحفظ نفسه لا أن يساعد ضحاياه على عيش حياة كريمة.
laquo;ثم أن بشار جاء الى السلطة بمحض الصدفة وفقط لأن شقيقه الاكبر الذي كان مهيئاً لترؤس laquo;مزرعة آل الأسدraquo; المسماة بسوريا، لقي حتفه! ويبدو أن بشار لم يتعلم أساسيات فن الحكم في السنوات الـ11 الماضية. تناقضاته.. قراراته التي تُقلب راساً على عقب في غضون دقائق laquo;بقدرة قادرraquo;.. وتصريحاته التي تنال دائماً حظها الوافر من laquo;التصحيحraquo; ومقابلاته التي تعاني نسختها العربية السورية ما تعانيه من الإجتزاء.. كل هذا يدل أنه ليس سيد أمره حتى يريد أو لايريد! فهل من مصلحة هذا الحاكم، او حكام سوريا الحقيقيين، ان يتحقق الإصلاحraquo;؟
خطأ في التركيبة الأساسية
laquo;وعد نيسانraquo; هو الاسم الذي اختارته هذه الكاتبة السورية لنفسها، فتقول: laquo;لم أكن من الواهمين بمعجزات في الوضع السوري بعد وفاة الرئيس حافظ الأسد وتسلّم ابنه السلطة منه. وذلك لعدة أسباب، اولها هذا الاغتصاب السريع للدستور السوري، وتغيير المادة التي تشترط ألا يقل عمر الرئيس عن 40 عاماً. هذا رئيس جاء عبر الوراثة لا عبر انتخابات حرة، كيف نتوقع منه أن يحمل الاصلاح للبلد؟
وتتساءل نيسان: laquo; laquo;كيف نتوقع من الأسد، في غياب الديمقراطية ، ان يتنازل عن الامتيازات التي حصل عليها بالوراثة، أن يتنازل عن امتيازات الدائرة المحيطة به التي ارتضى أفرادها ان ينقلوا له سلطة الحكم بعد والده، فحلوا بذلك محل الشعب السوري بأكمله في هذه المهمةraquo;؟
وتقول: laquo;رغم كل ما ذكرته أعلاه، فإن النخبة السورية المهتمة بتحويل سورية من عهد الاستبداد الى عهد الألفية الجديدة بذلت كل ما في وسعها لإثبات حسن النوايا بالرئيس الشاب، ومنحته الفرصة لعمل اصلاحات في الدولة المحكومة بالأمن. والآن، بعد 11 سنة، لم يتحقق اي من تلك الوعودraquo;.
وتمضي قائلة: laquo;الشاب الذي أبدى بعض المرونة في البداية وبعض التعفف في التركيز على شخصه مطالبا بعدم نشر صوره في كل مكان، بدأ يرتاح للفكرة لاحقا، حتى وجدنا له صورا اكبر من تلك التي كانت لوالده فتغطي واجهة بناية بأكملها. وراح نظامه يعتقل المعارضين والمثقفين ويلاحق الناشطين على مستوى حقوق الانسانraquo;.
وتختتم نيسان حديثها قائلة إن الحريات laquo;لا تلائم التركيبة الإصلاحية وإنما تفككها تماما. ولا اعتقد ان الرئيس بشار يريد ان يتنازل عن حكمه المطلق الذي يكون هو فيه الآمر الناهي لصالح تداول السلطة عبر صناديق الاقتراع وتأسيس دولة ديمقراطية.raquo;
هل يُلقى باللائمة على الفئة المستفيدة من حوله، مثل الحزب والعائلة وضغوطاتها عليه؟ تجيب نيسان: laquo;نعم، لها مصلحة ببقاء الامور على حالها كي لا تفقد امتيازاتها من السيطرة على مقدرات البلد هي أيضا. وبذلك لم تتعارض الرغبتان على أي مستوى، وكل ما يحصل هو نوع من التلاعب بالألفاظ واعطاء الوعود العمومية التي لا يحدّها زمن ولا سلطة تلزم بتنفيذها، طالما ان البرلمان نفسه معطل الارادةraquo;.
التعليقات