تمر العلاقات بين ايرلندا والفاتيكان بتوتر غير مسبوق في اعقاب نشر دبلن تقريراًعن اعتداءات جنسية لرجال دين.


ايرلندا كانت تتبع كلمة الفاتيكان بلا نقاش

كانت ايرلندا لفترة طويلة نموذج الدولة الكاثوليكية المطيعة، تتبع كلمة الفاتيكان بلا نقاش. ولكن بعد ما يربو على 15 عامًا من الاعتداءات الجنسية على أطفال في كنائس كاثوليكية وعمليات التستر عليها، يبدو أن علاقة ايرلندا بالفاتيكان لم تعد كما كانت. وهبطت هذه العلاقة إلى أدنى مستوياتها بقرار الحبر الأعظم استدعاء سفيره في دبلن بعدما شن رئيس الوزراء الايرلندي ايندا كيني هجوماً علنيًا لا سابق له على تعامل الفاتيكان مع الاتهامات الموجهة إلى رهبانه وقساوسته بالاعتداء جنسيًا على أطفال.

وفي خطوة دبلوماسية نادرة وخطيرة عادة السفير البابوي إلى روما يوم الاثنين الماضي بعدما وصفه ناطق باسم الفاتيكان بـquot;رد الفعل المفرطquot; في ايرلندا على احدث تقرير نشرته حكومة دبلن عن اعتداء رجال دين كاثوليك على أطفال.

وكان الناطق يشير إلى كلمة لاذعة ألقاها كيني في 20 تموز/يوليو حاملاً فيها على الفاتيكان لدوره في التستر على الاتهامات الموجهة إلى قساوسته بالاعتداء على أطفال. واتهم رئيس الوزراء الفاتيكان بالتقليل من شأن quot;اغتصاب الأطفال وتعذيبهمquot; للحفاظ على سمعته، وتحدث عن وجود quot;خلل وانفصام ونرجسية ونخبوية تسود ثقافة الفاتيكان حتى هذا اليومquot;.

وكان التحقيق الذي غطى الفترة الواقعة بين 1996 و2009 توصل إلى أن الفاتيكان نفسه قوض سياسته الداعية إلى إبلاغ الشرطة عن أي حالات يُشتبه فيها بالاعتداء على أطفال عندما وجَّه أساقفته في عام 1997 بأن مثل هذا الإجراء يخالف القانون الكنسي. واقترحت ايرلندا تشريع قانون جديد ينص على تجريم عدم الإبلاغ عن حالات الاعتداء على أطفال، حتى في حال الكشف عن مثل هذه الفعلة في سرية الاعتراف بالخطايا أمام كاهن.

وأكد رئيس الوزراء الايرلندي التغير الذي حدث في وضع بلاده بوصفها دولة كاثوليكية مطيعة حين قال في كلمته quot;إن هذه جمهورية ايرلندا في عام 2011. جمهورية قوانين وحقوق ومسؤوليات، جمهورية نظام مدني صالح حيث لم يعد ممكنا السكوت أو تجاهل الخرق والغطرسة إذا كانا من نسخة معنية، وفي شكل quot;أخلاقquot; معينةquot;.

ولكن نفوذ الكنيسة ما زال ظاهرا في ايرلندا حيث الإجهاض ممنوع والكنيسة تتولى إدارة غالبية المدارس. ونقلت مجلة تايم عن العالمة اللاهوتية جينا منزيز quot;أن الفكرة القائلة أن ايرلندا جمهورية بلا دين فكرة طارئة على بلد كان تطبيق منع الحمل والطلاق صعبا فيهquot;.

لاقى خطاب رئيس الوزراء الايرلندي تأييدا واسعا وفوجئ بعدد رجال الدين الذين قالوا له إن الخطاب جاء في أوانه. ورحب الناشط اندرو مادن الذي كان نفسه ضحية اعتداء جنسي بالموقف الجديد الذي يشكل ابتعادًا عن سياسات الحكومات السابقة سواء تجاه ضحايا الاعتداءات أو في النظرة العامة.

ومما له مغزاه أن هجوم كيني على الفاتيكان جاء من زعيم حزب فيني غيل الكاثوليكي بثبات. وقال مايكل كيلي نائب رئيس تحرير صحيفة ذي آيريش كاثوليك لمجلة تايم إن كلمة رئيس الوزراء الايرلندي لم تكن quot;كلمة ضد الكاثوليكية بل كلمة مع الأطفال ومع ايرلنداquot;. وأضاف أن حقيقة أن الكلمة لن تكلف كيني صوتا واحدا بل الأرجح أن تكسبه اصواتا جديدة دليل على حدوث تغير في الموقف السابق من الكنيسة الكاثوليكية الذي كان يتسم بالامتثال في الدوائر السياسية والثقافة العامة.

وبعد ما يربو على عقد من فضائح الاعتداءات الجنسية على أطفال انفرطت سطوة الفاتيكان على الكاثوليك الايرلنديين الاعتياديين. وفي هذا الشأن قال كيلي إن الكنيسة فقدت هيبتها الأخلاقية بالكامل وأن الكاثوليك سيحولون مذهبهم إلى قضية خاصة بهم وحدهم مبتعدين عن التراتبية الكنسية ورافضين النظر إليها نظرة الأجيال السابقة.

ويعبر النزاع الحالي عن الانفصال المتسارع بين سياسات الدولة وتعاليم الكنيسة في ايرلندا التي كانت دولة كاثوليكية بامتياز لكنها شهدت هذا العام السماح بالزواج المدني بين المثليين رغم إدانة الفاتيكان للمثلية.

وشرعت الحكومة في اتخاذ خطوات لتهديم آخر أركان السطوة الكنسية متمثلا بسيطرتها على التعليم. فان الكنيسة الكاثوليكية تدير 90 في المئة من المدارس الابتدائية وغالبية المدارس الثانوية في ايرلندا. ولكن تفكك العلاقة بين ايرلندا والفاتيكان يعزز موقف وزير التربية الذي يريد نقل 50 في المئة من المدارس الابتدائية الكاثوليكية الى ادارة لا دينية. وقد تستملك الدولة اراضي مدارس تابعة للكنيسة في اتفاق لتعويض ضحايا الاعتداءات الجنسية.

في غضون ذلك لا يتوقع الناشط مادن حدوث تغير جذري في سياسة الفاتيكان حين يقدم في آب/أغسطس رده على التقرير عن الاعتداءات الجنسية على الأطفال الذين كان مادن واحدا منهم، ولا ينتظر من الفاتيكان إلا quot;تخلفه التام عن تحمل مسؤوليتهquot;.

ومن المتوقع ان يعيد الفاتيكان سفيره الى دبلن في نهاية الصيف، ولكن عودته لا تعني عودة الوضع السابق. واياً يكن رد الفاتيكان على التقرير الخاص باعتداء قساوسة من كنائسه على اطفال فان الشيء المؤكد ان ايام نفوذ الفاتيكان وسطوته على الايرلنديين قد انتهت.