الزعيم السوداني عمر البشير (يمين) وزعيم جنوب السودان سلفا كير

يبدو أن التضارب الأساسي الذي أدى إلى تقسيم السودان القديم قد تم نقله مباشرةً لأبنائه حيث لا يزال العداء القائم منذ عقود بين الشمال العربي والجنوب الأفريقي مستمراً في صورة حرب اقتصادية وحرب بالإنابة.


على عكس ما كان يُؤمَل، أو يُتَوَقَّع، جاءت الخطوة التي أُعلِن بموجبها رسمياً عن انفصال جنوب السودان عن شماله لتظهر أن العادات الدموية الأصيلة لا تزال موجودة. وأكدت في هذا السياق مجلة التايم الأميركية أن العداء القائم منذ عقود بين الشمال العربي والجنوب الأفريقي لا يزال مستمراً في صورة حرب اقتصادية وحرب بالإنابة.

وأوضحت المجلة أن كلا الفريقين يخططان للحصول على سلطة مركزية ضعيفة، وصراع داخلي، ونشاط ميليشيات غير منضبطة على مدار سنوات قادمة. ولفتت أيضاً إلى أن أي أحلام غربية متعلقة بإمكانية حدوث تحول ديمقراطي، سبق وأن وُعِد بها في اتفاق السلام الذي أبرم عام 2005 وأفضت عما وصل إليه السودان اليوم، قد توارت خلف العضلات الاستبدادية التي يستعرضها الآن كلا الجانبين. ويبدو أن التضارب الأساسي الذي أدى إلى تقسيم السودان القديم قد تم نقله مباشرةً لأبنائه.

وفي هذا السياق، أوردت المجلة عن مسؤولين ماليين دوليين تخوفهم من احتمالية حدوث انهيار مالي في كلا الجانبين خلال بضعة أشهر، لو لم يبرما اتفاقات اقتصادية كبرى مع بعضهما البعض. ونوهت بأن حرب العملات الضارية الجارية الآن قد تورط جنوب السودان في مبلغ قدره 700 مليون دولار في صورة سندات عديمة القيمة، في الوقت الذي تهرول فيه كلا الدولتين لإدخال عملة جديدة وتقويض الأخرى.

ولفرض حالة من العزلة على النقود السودانية القديمة في جنوب السودان، أوقف البنك المركزي السوداني كافة الأنشطة التجارية والتحويلات المالية لجنوب السودان، ومن ثم تدمير الاقتصاديات الحدودية المتعثرة وإثارة مخاوف من قرب حدوث كوارث إنسانية.

وفي غضون ذلك أيضاً، يحاول السودان التقليل من خسائر فقدانه حقول النفط الجنوبية عن طريق فرضه رسوماً مربحةً على جنوب السودان لتتمكن من استخدام مصافيه وخط الأنابيب الخاص به، وهو ما يرفضه المسؤولون في جنوب السودان رغم عدم وجود خيار آخر أمامهم. وبدأ يهدد كل طرف بقطع صادرات النفط ما لم يتزحزح الطرف الآخر عن موقفه، وهو ما قد يضر بهما كثيراً.

ورغم إدراك الجميع قدر التحديات التي ستواجهها دولة جنوب السودان في مراحل تكونها الأولى، إلا أن المجلة الأميركية أكدت أن حالة التراجع الحاد الذي تشهده الدولة هي التي بدأت تدق أجراس الإنذار في جميع أنحاء المنطقة على نطاق أوسع.

وبعيداً عن مساعي تعزيز سلطة الرئيس عمر البشير في مقاطعة صغيرة وأكثر قابلية للحكم، فقد أسفر تقسيم البلاد عن إصابته بحالة من الضعف الشديد ودفعه للسعي جاهداً لدعم حكمه الممتد على مدار عامين وسط حالة متزايدة من عدم الاستقرار.

وقالت مصادر دولية على اتصال بالبشير والحكومة السودانية إن الموقف في الخرطوم، العاصمة، أكثر تقلباً مما يعتقده البعض. وأوضح مسؤول بارز على اطلاع مباشر بالموقف أن الجيش السوداني تصدى لما كان من الممكن أن يرقى إلى انقلاب داخلي ناعم في الخرطوم في الأسابيع التي سبقت استقلال جنوب السودان، وهي الفترة التي اجتاح فيها الشمال منطقة أبيي الحدودية المتنازع عليها، ثم أثار الصراع الفوضوي المتجدد في جبال النوبة القريبة، وهو ما أدى إلى ظهور اتهامات متعلقة بالتطهير العرقي.

ثم تحدثت المجلة عن الغموض الذي يكتنف موقف الجيش تجاه ما يدور من أحداث، في وقت يحرص فيه البشير، منذ وصوله للحكم، على المحافظة على دائرته العسكرية بداخل ائتلاف حزبه الواسع الذي يتكون من سياسيين إسلاميين ورجال أعمال. وعن طريق عرقلة التسوية السياسية لخصوم النظام، قد يكون متشددو الجيش والنظام متواطئين عن غير قصد في زوالهم.

ونقلت المجلة في الختام عن مالك عقار، رئيس الحركة الشعبية وحاكم ولاية النيل الأزرق، قوله: quot;إن وَجَدت مجموعتين تقاتلان عدواً واحداً، فسيكون عدم تعاونهما شكلاً من أشكال عدم الحكمةquot;. وأوردت أيضاً عن فؤاد حكمت، المحلل المتخصص في الشأن السوداني لدى مجموعة الأزمات الدولية، قوله: quot;ما يحدث الآن عبارة عن سباق بين الخرطوم التي تحاول إصلاح شأنها الداخلي وبين المتمردين الذين يحاولون الإبقاء على ضغوطهم. صحيح أنه كان يتوقع انقسام السودان، لكن في ظل ما يحدث الآن، فإنه لا يزال يتوقع أن تتعرض السودان لمزيد من التفككquot;.