فيما لم يبق أمام إعلان إستقلال جنوب السودان سوى 7 أسابيع، وهو الهدف الذي طال انتظاره 50 عاماً، وراح ضحيته ملايين الأفراد، يتابع قادة جنوب السودان جيش الجزء الشمالي ndash; وهو عدوهم اللدود منذ فترة طويلة ndash; وهو يتقدم في منطقة آبيي المتنازع عليها.


UN calls for talks to end Sudans Abyei crisis
دورية للجيش السوداني قرب أبيي- أرشيف

لا يبدو أن الضغوط الدبلوماسية تعمل على تهدئة التوغل العسكري في آبيي، لذا، فالتساؤل الذي يطرح نفسه الآن هو ما إن كان سيقوم الجنوب بتعبئة جيشه، ويحاول أن يفرض سيطرته على آبيي، أم سيضطر إلى تجرع هزيمة مذلة.

وقال مسؤول أميركي منوط بملف السودان، لكن غير مخوّل له التحدث علناً: quot;لا يمتلكون في حقيقة الأمر أي خيارات جيدة. وهم قريبون للغاية من الحصول على ما سعوا بجد إلى امتلاكه، وقد تُعرِّض الحرب كل ذلك للخطر. لكن بوسعي أن أخبركم بأنهم مجانين تماماً، عند أعلى المستوياتquot;.

من جانبها رأت صحيفة نيويورك تايمز أنه إذا ما أقدم الجنوب على شنّ حملة مضادة أو قام بتصعيد المواجهة عسكرياً، فبمقدور الشمال أن يتهمه بخرق معاهدة السلام، التي تم توقيعها عام 2005، وحددت الشروط الخاصة باستقلال جنوب السودان. ولفت محللون كذلك إلى أن الشمال سيرفض حينها الاعتراف بالجنوب، المقرر له في التاسع من شهر تموز/ يوليو المقبل، وهو الحدث الذي يتحضر الجنوبيون للاحتفال به بشكل كبير.

وأوضحت الصحيفة أن سباقاً محموماً قد يندلع بين الشمال والجنوب بصورة سريعة، على أرضية الميدان وعلى الساحة الدبلوماسية العالمية، على حد سواء. ومن المحتمل أن تعترف بعض الدول باستقلال جنوب السودان، بينما ستدعم دول أخرى حكومة الخرطوم، في الشمال، وستعامل الجنوبيين على أنهم مرتدون. وما أضاف قدراً من التعقيد، والتفجر، تلك القوة الرمزية التي تحظى بها منطقة آبيي.

وقال عبد الوهاب الأفندي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة وستمنستر في لندن، إن بدو قبيلة المسيرية، الذين ينجرفون داخل آبيي وخارجهاوينحازون للشمال، يُعتَبَرون مقاتلين شرسين، استعانت بهم الحكومة في الماضي، ليقوموا بدور الميليشيات. وأضاف quot;تشعر الخرطوم بالتزام تجاههم، خاصةً وأنها قد تحتاجهم مرة أخرىquot;.

بالنسبة إلى الجنوبيين، تعتبر آبيي موطناً لبعض أبرز قادتهم، بمن فيهم العديد من الوزراء والقادة العسكريين. وما زاد الأمور تعقيداً، رغم إرتباط آبيي أخلاقياً وثقافياً بجنوب السودان، هو موافقة زعماء آبيي المحليين قبل عقود على أن يخضعوا لحكم الشمال.

ومضت quot;نيويورك تايمزquot; تنقل في هذا الإطار عن زاك فيرتين، المحلل في مجموعة الأزمات الدولية، وهي منظمة غير ربحية تدعو إلى منع الصراعات العنيفة وتسويتها، قوله: quot;هناك توتر في الجنوب. وهناك أناس لا يرغبون في تجدد اشتعال الحرب أو تهديد استقلال الجنوب، وهناك دارة بارزة أخرى تشعر بأنها لا يمكن أن تستسلم أبعد من ذلكquot;.

وأكد من جانبه فيليب أغوير، ناطق باسم جيش جنوب السودان، أنهم لم يعلنوا الحرب، وأتبع quot;نحن نحترم أراضي جنوب السودانquot;. وواصل في غضون ذلك دبلوماسيون غربيون حثهم شمال السودان على الانسحاب من آبيي، لكن لم يكن هناك ما يشير إلى أنهم يتزحزحون.

وقال في واشنطن يوم أمس مبعوث الرئيس الاميركي باراك أوباما الخاص إلى السودان، برينستون ليمان، إن توغل الشمال في آبيي كان quot;غير متناسب وغير مسؤولquot;، وحذر من أنه يعرض اتفاق السلام وجهود تطبيع العلاقات مع واشنطن للخطر. ورغم إظهار القوة، أكد محللون أن الشمال لا يرغب أيضاً في بدء حرب مع الجنوب، حيث يدرك الرئيس عمر حسن البشير أن أي حرب سيخوضها ضد الجنوب ستكون طويلة وقبيحة، مثلما كانت على نحو متقطع منذ الاستقلال عام 1956.

كما لفتت الصحيفة إلى أن الحرب ستعني أيضًا فقدان الشمال قدرته على الوصول إلى النفط، الذي تتقاسمه مع الجنوب، وسيستمر في تقاسمه على الأرجح. ورأى فيترين، محلل مجموعة الأزمات الدولية، في الختام، أن الشمال يجازف بتصعيد المواجه لأن آبيي أصبحت ورقة مساومة، وهو ما يهدف إلى التأثير من خلاله على مجرى المفاوضات.

150 الف شخص فروا من ابيي quot;والبشير أعلن عدم نية الجيش بالإنسحاب

إلى ذلك، فرّ اكثر من 150 الف شخص من المعارك في مدينة ابيي السودانية، التي تحتلها قوات السلطة المركزية في الشمال، التي كررت الثلاثاء تأكيد مطالبتها بهذه المنطقة المتنازع عليها مع الجنوبيين. واعلن الرئيس السوداني عمر البشير الثلاثاء ان الجيش السوداني لن ينسحب من مدينة ابيي المتنازع عليها بين الشمال والجنوب، معتبرا انها quot;ارض شماليةquot;، فيما يطالب المجتمع الدولي بانسحاب القوات الشمالية.

واضاف quot;اعطيت القوات المسلحة الضوء الاخضر في حالة حدوث اي استفزازات بالرد عليها من دون الرجوع اليّ (...) ونحن مستعدون للعودة إلى الحربquot;. وسيطرت الدبابات الشمالية الاحد على ابيي، منتهكة بذلك اتفاقات السلام التي انهت في 2005 الحرب الاهلية بين شمال السودان المسلم والعربي، وجنوبه الذي يشكل المسيحيون الاكثرية فيه، واسفرت عن مليوني قتيل.

وفيما كانت النيران مندلعة وعمليات السلب والنهب جارية الاثنين في المدينة الواقعة على الحدود الشمالية الجنوبية، فر الاف الاشخاص نحو الجنوب، وخصوصًا في اتجاه مدينة اقوك. وقالت المتحدثة باسم مكتب الامم المتحدة لتنسيق الشؤون الانسانية اليزابيت بيرز في جنيف quot;تفيد التقديرات في اقوك أن هناك حوالي 150 الف نازح في المدينة وحولهاquot;. واضافت ان quot;هؤلاء الاشخاص قد غادروا ابيي، انهم يفرون نحو الجنوبquot;.

وتجاهلت الحكومة المركزية في الخرطوم برئاسة البشير نداءات جنوب السودان والمجموعة الدولية لسحب قواته التي تدخلت السبت في ابيي، احدى ابرز نقاط التوتر بين الجانبين. وقالت السفيرة الاميركية في الامم المتحدة سوزان رايس quot;نطالب بالانسحاب الكامل وغير المشروط والفوري لقوات شمال السودانquot;.

وفي بروكسل، اعتبرت وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي كاثرين اشتون أنه quot;من الضروري ان تتوقف الاعمال الحربية فورا، وان تنسحب القوات الشمالية من ابيي، لتفادي تعرض اتفاق السلام الشامل (الذي وقع العام 2005) لاخفاق خطرquot;.

من جانبها، نددت كندا بـ quot;انفجار العنف في ابييquot;، داعية quot;الطرفينquot; الى الانسحاب. وكرر وزير الاعلام في جنوب السودان برنابا ماريال بنجامن ان quot;على القوات المسلحة السودانية ان تضع حدًا لاحتلالها غير القانوني وتغادر ابييquot;.

لكن وزير الدفاع السوداني عبد الرحيم محمد حسين، قال في تصريح نقلته وكالة الانباء السودانية، ان quot;ابيي ستبقى مدينة شمالية، حتى يقرر السكان مصيرها بأنفسهمquot;. وكان من المقرر ان تصوّت منطقة ابيي الخصبة التي يدعي الشمال والجنوب احقيتهما فيها، على تقرير مصيرها في كانون الثاني/يناير، بالتزامن مع الاستفتاء على استقلال الجنوب الذي صوّت فيه السكان بغالبية ساحقة لمصلحة الاستقلال.

الا انه لم يجر التصويت على مصير تلك المنطقة، بسبب خلافات حول من يحق لهم التصويت. وسيطرت القوات الحكومية على تلك المنطقة السبت. وقال حسين ان quot;الجيش (الشمالي) سيبقى في ابيي من اجل الحفاظ على الامن والاستقرار، الى ان يتم اتخاذ قرار سياسيquot;.

واحتجاجًا على quot;الاعمال الاجرامية في ابييquot;، استقال لوكا بيونغ الوزير الجنوبي في حكومة الوحدة في الخرطوم. وقال بيونغ المتحدر من منطقة ابيي quot;كنا نأمل في ان نتمكن من تشكيل دولتين قابلتين للحياة تقيمان في ما بينهما علاقات جيدة، لكن الخرطوم غير مهتمة بالسلام على ما يبدوquot;.

واضاف quot;مع جرائم الحرب التي يرتكبها في ابيي حزب المؤتمر الوطني (الحاكم)، لا استطيع ان ابقى عن طيبة خاطر عضوًا في الحكومةquot;. وابيي هي في صلب نزاع من اجل الوصول الى المياه، ولكنها أيضًا في صلب خصومات قبلية تاريخية، وتشهد تصعيدًا لاعمال العنف منذ الاستفتاء في كانون الثاني/يناير حول جنوب السودان، الذي فاز فيه الخيار الانفصالي بأكثرية ساحقة. وفتح هذا الفوز الطريق لاستقلال هذه المنطقة المقرر في تموز/يوليو.