الفتاتان المريضتان عقليا

لم تجد عائلة عثمان دوابشة الفلسطينية التي تقيم في ريف نابلس بدا من استخدام الجنازير في ربط وتوثيق قيد ابنتيهما نداء ومهدية المعاقتين عقليا خشية تصرفاتهما وتعرضهما للأذى وذلك نظرا للحالة المادية التي تعانيها الأسرة والتي تقف سدا منيعا أمام تسجيلهما في مركز متخصص لمثل هذه الحالات.


أسباب مادية وظروف صعبة دفعت عائلة فلسطينية إلى استخدام الجنازير لتقييد فتاتين من الأسرة تعانيان مرض التخلف العقلي لا لشيء إلا خوفا عليهما وحفاظا على حياتهما في ظل عدم قدرة الأسرة على توفير مبالغ مادية تمكنهم من وضعهما في مركز مختص لمتابعة وعلاج مثل هذه الحالات.
حادثة تقشعر لها الأبدان، ليست الأولى وربما لن تكون الأخيرة في مجتمع محافظ فلسطيني أو عربي فالقصة هي أن الفتاتين نداء 21 عاما ومهدية 26 عاما خلقتا مع إعاقة عقلية وأمضتا هذا العمر في عذاب وألم وضمن معاناة حقيقية لأسرتهما التي عانت وما زالت سعيا لتوفير سبل أفضل لهما.

عائلة عثمان دوابشة عائلة فلسطينية تقطن في بلدة ريفية هي مأدما في محافظة نابلس في الضفة الغربية خلقت معاناتها حين رزقت بطفلتين الأولى مهدية والثانية نداء لأنهما كانتا تحملان مشكلة خلقية تمثلت بتخلف عقلي وضع العائلة منذ ذلك الحين عند تحديات جسام.

سنوات طوال قضتها العائلة في معاناة حقيقية جراء صعوبات التعامل مع نداء ومهدية اللتين ابتليتا بهذا المرض، وعانت الأسرة بحسب مقربين من الفتاتين كثيرا جراء التصرفات التي كانتا وما زالتاتقومان بها.
المعاناة لم تتوقف عند صعوبات تواجهها العائلة فحسب فالأصعب ما تواجهه نداء ومهدية من صنوف العذاب حين يتم وضعهما بغرف دون السماح لهما بالخروج خشية قيامهما بالتعرض لأطفال الحي أو القيام بتصرفات سلبية او تعرضهما لتحرش جنسي إلا أن هذا الأمر لم يكن مجديا معهما فحاولتا القفز والهرب في عدة مرات بحسب شقيقتهما انتصار.

وقالت انتصار دوابشة 29 عاما وهي شقيقة مهدية ونداء، والمشرفة على رعايتهما في لقاء خاص مع quot;إيلافquot;: quot;إن مهدية ونداء في عذاب مستمر ومعاناة حقيقية منذ سنوات طوال، لافتة إلى أن الحبس في الغرف لم يجد نفعا معهما والسبب أنهما حاولتا الهروب والخروج من البيت عدة مراتquot;.

وعن الأسباب التي دفعت العائلة لاستخدام أسلوب الاحتجاز مع الفتاتين أكدت دوابشة أن العائلة محافظة وتخشى على الفتاتين اللتينتقومان بتصرفات بعيدة كل البعد عن الوعي والإدراك.
وقالت: quot;في بعض الأحيان كانتا تخرجان من المنزل وتلاحقان الاطفال وتسببان ذعرا بين صفوفهم كما أننا نخشى أنتتعرضا لأذى أو تحرش جنسي خاصة في ظل عدم وعيهما وإدراكهماquot;.

وتحدثت دوابشة، بحرقة والألم يعتصرها: quot;لقد اضطررنا إلى التعامل معهما بنوع من القسوة حفاظا عليهما حيث بتنا نقيدهما ونربطهما بالجنازير داخل زنزانة صغيرة بمساحة لا تزيد عن 12 مترا مربعا وتضم مطبخا وحماما ومكانا للنومquot;.
وبالنسبة إلى عائلتهما أكدت أن العائلة المكونة من عشرة أشخاص وتشمل الأب الذي يبلغ فوق الستين عاما من العمر تعاني مشاكل في أمراض التخلف العقلي ومن بعض الأمراض النفسية الأخرى كما وصفها أطباء لهم.

وأوضحت أنها الوحيدة من الأسرة التي لا تعاني أية أمراض وراثية، مؤكدة أن الحلّ الآن يتمثل بضرورة تسجيل شقيقتيها بأية جمعية تحتضنهما وتوفر لهما احتياجاتهما.
وقالت دوابشة: quot;أتمنى أن أجد جمعية تحتضن شقيقتي حيث أخاف أن يصيبني أي شيء ولا يوجد من يعتني بهما او يقدم لها الخدمة، أرجو من الله أن أجد جمعية تريحني من هذه المسؤولية الملقاة على عاتقيquot;.

وأضافت: quot;أن نداء تعاني تخلفا عقليا وفقدانا للنطق في حين تعاني مهدية تخلفا عقليا كاملاquot;.
وعن الأسباب التي دفعت العائلة إلى ربط الفتاتين رباطا وثيقا بالجنازير، أوضحت أن السبب يعود إلى خطورة مرض التخلف العقلي، وقالت: quot; أصبحتاتخرجان من المنزل ليلا وتخرجان عاريتين وتضربان وتصرخان وترعبان الأطفال في البلدة والخوف من تعرضهما للتحرش الجنسي حيث لا يوجد أمامنا أي حل آخرquot;.

وبخصوص عدم توجيههما نحو الجمعيات والمراكز المختصة في هذا المجال، أشارت إلى أن ذلك يتطلب مبالغ مرتفعة بما يعادل 350 دولارا عن كل فتاة وأن العائلة غير مقتدرة ماديا على ذلك كون الأب عاطلا عن العمل والأسرة تعاني أوضاعا صعبة ولا تتلقى سوى بعض المساعدات من وزارة الشؤون الاجتماعية.

وقالت: quot;لا توجد سوى جمعيتين في الأراضي الفلسطينية تستقبل مثل هذه الحالات وهما جمعية الإحسان في الخليل لتأهيل ورعاية المعاقين وجمعية الأرثوذكس في العيزرية وتطلبان مبالغ مالية نعجز عن توفيرها نظرا للوضع المتردي الذي نحياهquot;.
وأكدت أنها سبق وأن توجهت بطلبات لوزارة الشؤون الاجتماعية وجمعية الاحسان سعيا لفك قيود نداء ومهدية وتخليصهما والعائلة من العذاب اليومي، لافتة إلى أن ذلك يتطلب تدخلا عاجل وسريعا لدى جمعية الاحسان.

وناشدت دوابشة الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الدكتور سلام فياض للعمل من أجل التدخل لإنهاء مشكلة هذه العائلة المنكوبة كما وصفتها.
وقالت: quot;لا أريد مالا ولا أريد أي شيء فقد أريد الراحة لشقيقتي أريد أن تكونا بخير في إحدى الجمعيات المتخصصة والمؤهلة للتعامل مع مثل هذه الحالات، أريد أن أريح عذاباتي وعذاباتهما وأن أفك قيدهما وأخرجهما مما هما عليهquot;.

الحكم الشرعي
وبخصوص الحكم الشرعي للتعامل مع مثل هذه الحالات، قال الشيخ سعد شرف إمام وخطيب المسجد الحنبلي والمتخصص في القضاء الشرعي في لقاء خاص مع quot;إيلافquot;: quot;إن القاعدة الشرعية في مثل هذه الحالة تقول (يتحمل الضرر الأخف لدفع ضرر أشد).

وأوضح أنه إذا كان في احتجاز هاتين الطفلتين دفع لمفاسد كثيرة كتعرضهما للتحرش الجنسي أو إمكانية إيذائهما لأنفسهما أو إيذاء للآخرين فيكون احتجازهما أخف ضررا شرط أن يكون الاحتجاز احتجازا تتوافر فيه شروط السلامة والخلو من الإيذاء ووفرة الطعام والشراب.

وأكد الشيخ شرف، أن هذا الحكم هو فقط في حالة تعذر أو عدم قدرة الأهل المادية على إرسالهما إلى مراكز متخصصة بالمعاقين عقليا، لافتا إلى أنه إذا كان بإمكان الأهل إرسالهما إلى مركز مختص لمثل هذه الحالات فيكون الأهل قد ارتكبوا جرما وإثما كبيرا لأن المراكز المختصة يمكن أن تقلل الاعاقة العقلية التي ابتليت بها الطفلتان.
وشدد على أن الأهل يؤثمون في حال كانوا قادرين على تسجيلهم في المراكز المختصة، وإما بخصوص هذه الحالة فإن الأسرة بحاجة لدعم مادي لفك قيد الفتاتين.