رغم الادانات العربية والدولية لاستمرار نظام الاسد بالقمع الدموي للاحتجاجات، تستمر الآلة العسكرية بحصد المزيد من القتلى حيث سقط امس 30 قتيلاً في اللاذقية التي شهدت استخدام الزواق البحرية في قصف المدنيين. ووجدت غالبية قراء إيلاف ان تلك الادانات لن تجدي في لجم تلك الممارسات بل ستزيد اصرار النظام عليها.

غالبية القراء وجدوا ان الادانات العربية والدولية لن تكف نظام الاسد عن القمع الدموي للاحتجاجات

القاهرة: فيما تتواصل الإدانات العربية والدولية لقمع النظام السوري للإحتجاجات المتصاعدة منذ منتصف آذار (مارس) الماضي، أعربت غالبية قراء إيلاف عن إعتقادها بأن تلك الإدانات لن تجدي نفعاً نظام حكم الرئيس بشار الأسد، وإنها سوف تزيده إصراراً على الإستمرار في القتل.

وتنفس الشعب السوري الصعداء الأسبوع الماضي، مع صدور أول رد فعل عربي قوي ضد القمع الدموي الذي يمارسه نظام الرئيس بشار الأسد في مواجهة الاحتجاجات المشتعلة ضده منذ منتصف مارس الماضي، وجاء رد الفعل القوي من جانب خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، الذي ألقى خطاباً أكد فيه أن quot;ما يحدث في سوريا لا تقبل به المملكة العربية السعودية، وأن الحدث أكبر من أن تبرره الأسبابquot;، واستدعى السفير السعودي في دمشق للتشاور.

وتوالت ردود الفعل العربية والدولية المنددة بإنتهاكات حقوق الإنسان وأعمال القتل والتدمير ضد الشعب السوري الذي خرج مطالباً بالحرية. ورغم الإدانات العربية والدولية إلا أن شيئاً لم يتغير على أرض الواقع فمازالت آلات القتل التابعة لنظام حكم عائلة الأسد تعمل بدون كلل أو ملل، وسقط الأسبوع الماضي العشرات من القتلى، بالإضافة إلى إعتقال الآلاف، وحصار مدن وبلدات.

الادانات غير مؤثرة

ويبدو أن قراء إيلاف لديهم الكثير من الخبرة والدراية بعقلية النظام السوري، حيث قال أغلبهم الذي شاركوا في الإستفتاء الأسبوعي للجريدة، إن نظام الأسد لن يولي لتلك الإدانات إهتماماً، وسوف يستمر في اعمال آلات القتل ضد أبناء شعبه، عقاباً لهم على المطالبة بالحرية، ورحيله عن الحكم.

كان السؤال التالي ما طرحته إيلاف على قرائها: هل التطورات الأخيرة في الموقفين العربي والدولي تجاه الأزمة في سوريا تلجم عنف السلطة، أم تزيد إصرارها على قمع المتظاهرين، أم إنها غير مؤثرة؟quot; وشارك 4412 قارئاً في الإجابة على السؤال، و كان عليهم الإختيار بين الخيارات الثلاث. وصوتت الأغلبية لصالح أن تلك التطورات المنددة بالقمع لن تؤثر في السلطة هناك، حيث قال 2447 قارئاً إنها quot;غير مؤثرةquot;، أي ما يعادل نسبة 55.46% من المشاركين بالإستفتاء، بينما رجح 1163 قارئاً أنها تزيد النظام القائم هناك إصراراً على قمع المتظاهرين، بما يعادل نسبة 26.36% من المشاركين بالإستفتاء، فيما كانت القلة متفائلة بشأن تأثير الموقف العربي الدولي الرافض لقتل المدنيين، حيث رأى 802 قارئاً أنها سوف quot;تلجم عنف السلطة، أوشكلوا نسبة 18.18% من المشاركين بالإستفتاء.

وبنظرة سريعة على حصيلة القتلى وتطورات الأوضاع على الأرض يتأكد للجميع أن تلك الإدانات لم تؤثر في إصرار النظام السوري على القتل، حيث سقط أمس الأحد 30 قتيلاً على الأقل في مدينة اللاذقية الساحلية وحدها، كما إستخدم النظام ولأول مرة الزوارق البحرية في قصف المدنيين، وفقاً لتقارير حقوقية، كما لم يعبأ النظام السوري، بإعلان مجلس الأمن عقد جلسة لبحث الشأن السوري الخميس المقبل.

تشاؤم المعارضة

لم يكن تشاؤم قراء إيلاف وليد المصادفة، بل لسابق المعرفة بأن الأنظمة القمعة، تتبع السياسية نفسها، ولا يعنيها سوى البقاء في سدة الحكم لأطول فترة ممكنة، ولو على جثث شعوبها. والتشاؤم لدي القراء صادف تشاؤماً آخر لدى المعارضة السورية والمحللين السياسيين.

وقال رياض غنام المعارض السوري المقيم بالقاهرة لـquot;إيلافquot; إن quot;هذا الحرك العربي والدولي جاء متأخراً جداً، ولم يكن على مستوى تطلعات الشعب السوري. وأضاف أن المجتمعين العربي والدولي بما لهما من خبرة في التعامل مع النظام السوري، كانت لديهما قناعة قوية بأنه سوف ينجح في قمع الإحتجاجات خلال أسابيع قليلة، وأن الشعب السوري لن يصمد طويلاً أمام الدبابات والرصاص والشبيحة، لكنه خيب ظنهم وإستمر في ثورته المجيدة رغم القتل، مشيراً إلى أن الإدانات التي خرجت من هنا وهناك لم تتعد المطالبة بالإصلاح رغم أن وقت الإصلاح قد فات، ولم يجد يجدي مع إستمرار القتل والتشريد والإعتقال. وتابع غنام: إن الإصلاح والديمقراطية لا تأتي على ظهر الدبابات ومحاصرة المدن والبلدات وقطع المياه والكهرباء عنها، وتجويع أهلها وقتلهم هم وأطفالهم ونساءهم.quot;

الخديعة الكبرى

ووصف غنام الموقف العربي والدولي، ولاسيما التركي بـquot; الخديعة الكبرى للشعب السوريquot;، وأوضح: quot;عندما تمنح تركيا نظام بشار الاسد فرصة 15 يوماً، فهي تعطيه الفرصة أسبوعين إضافيين للقضاء على الثورة، وحينما يكيل المجتمع العربي والدولي بمكيالين حيال ليبيا وسوريا فهذه خديعة كبرى، من أجل إعادة إنتاج النظام السوري لنفسه، إن هناك تواطؤ دولي وإقليمي وعربي مع بشار ضد الشعب السوري، و يتم منحه الفرصة تلو الأخرى من أجل إخماض الثورة ضده.quot;

إسرائيل كلمة السر

وحول أسباب ما اعتبره غنام تواطؤاً، قال: إن هذا التواطؤ له ثلاث مرتكزات أساسية، أولها الواقع الإستيراتيجي بالنسبة لإسرائيل، وهي كلمة السر في الموقف الدولي المتواطيء، إذ لابد لأي موقف دولي سياسي ضاغط على الأسد، وخاصة الأميركي أن يكون متناغماً مع الإستراتيجية الإسرائيلية التي بنت سياستها على أن الجبهة السورية آمنة تماماً منذ عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد، ومن بعده وريثه في الحكم إبنه بشار، حيث عقد هذا النظام إتفاقيات من تحت الطاولة من أجل حماية أمن إسرائيل في مقابل حماية أميركا لنظام حكمه وضمان إستمراره، وعلى هذا الأساس ورث بشار الحكم عن والده، ومن ثم فإن بقاء نظام الأسد الأبن فيه ضمانة لأمن إسرائيل، ولن تضحي به، لاسيما بعد الإطاحة بصديقها الرئيس المصري السابق حسني مبارك.

الهلال الشيعي

وعن المرتكز الثاني للتواطؤ، أوضح غنام: هناك إصرار من دول الهلال الشيعي بزعامة إيران، والعراق وحزب الله في لبنان، على دعم نظام بشار العلوي الشيعي في سوريا وضمان بقائه في سدة الحكم، حيث إستطاع الهلال الشيعي تثبيت أقدامه بالمنطقة العربية في غيبة من الأمة العربية المثقلة بمشاكلها وأزماتها الداخلية، فلا يخفى على أحد أن لإيران دور واضح وفاعل في الوقوف إلى جانب بشار الأسد ودعمه إقتصادياً وعسكرياً، وهو الأمر نفسه الذي ينتهجه العراق بقياده نوري المالكي وحزب الله بقيادة حسن نصر الله.

تركيا تمسك العصا من المنتصف

وفيما يخص الدور التركي وهو المرتكز الثالث، قال غنام: تركيا تحاول الآن القيام بدور فاعل في المنطقة العربية، بعد أن فقدت الأمل في الإنضمام للإتحاد الأوربي، من خلال إقامة شراكات إقتصادية وسياسية مع دول المنطقة، وطمأنة الرأي العام هناك بأن المنطقة العربية ستكون البديل الأجدى لتركيا من الإتحاد الأوروبي، وبالتالي فهي تمسك العصا من المنتصف فيما يخص الثورة السورية، فلا تريد الضغط بشدة على بشار والوقوف إلى جوار الشعب، خشية أن ينجح في قمع الثورة، وتخسر سوريا كمعبر أو ممر نحو باقي دول المنطقة، فالتالي فهي تدعو إلى إجراء إصلاحات وتمنحه الفرصة تلو الأخرى منذ نحو خمسة أشهر.

مبادرة كبرى مع المعارضة المدجنة

وتوقع غنام إقدام النظام السوري على إطلاق مبادرة كبرى مع المعارضة الداخل المدجنة، خلال العشرة أيام المقبلة قبل إنتهاء المهلة التي منحتها له تركيا. وأوضح: quot;جرت خلال الأسبوع الماضي سلسلة من الإعتقالات في صفوف قيادات المعارضة الداخلية من أجل الضغط عليها لإطلاق المبادرة الإصلاحية الجديدة حسب إعتقاد النظام، وسوف يشترك في إعلانها العديد من المثقفين والفنانين المدجنين أيضاً، لكن جميع تلك التصورات أو التحركات سوف تسقط أمام إصرار الشعب السوري على إسقاط النظام ككل، لأنه لم تعد تجدي الإصلاحات.quot;

إنقلاب العلويين والجيش

كما توقع غنام أنه في حال إستمرار الإحتجاجات بالوتيرة نفسها خلال الإسبوع فإن ذلك يعني تهاوي النظام الحاكم وقرب إنهياره، لأنه سيكون قد وصل للنهاية فيما يخص الحل الأمني القمعي، واستطرد: quot;أتوقع في هذه الحالة حدوث إنشقاقات في صفوف الجيش والطائفة العلوية، بالتزامن مع تصعيد الموقف العربي والإقليمي والدولي، الذي سوف يبدأ من عقوبات إقتصادية على النفط والغاز، و سوف تنقلب قيادات الجيش السوري ضد عائلة الأسد، وفي هذا الإنقلاب تحقيق لثلاثة أهداف مهمة، أولها سوف يغسل الجيش السوري سمعته التي صارت في التراب، سوف تنقذ الطائفة العلوية سمعتها أيضاً، و سوف يستفيد الشعب السوري بحقن دمائه.quot;

تحركات متأخرة

ووفقاً للمعارض السوري مأمون الحمصي فإن كل التحركات العربية والدولية جاءت متأخرة بعد أن أراق النظام السوري دماء الآلاف من أبناء الشعب، وإعتقل عشرات الآلاف وشرد مثلهم، وأضاف الحمصي لـquot;إيلافquot; أن ما يحدث في سوريا سبة في جبين المجتمعين العربي والدولي، معتبراً أن الغرب غض الطرف عن نظام بشار الأسد، لأنه جزء من الإستيراتيجية الأميركية لحماية إسرائيل، وحماية المصالح الأميركية في المنطقة العربية، مدللاً على ذلك بتصريحات الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش التي قال فيها إن نظام الرئيس بشار الأسد كان أكثر الأنظمة تعاوناً فيما سمي الحرب ضد الإرهاب.

وأعتبر الحمصي أن ضغط الشارع السوري، وإصراره على إسقاط النظام دفع الدول الغربية والعربية إلى إدانة القمع والإفراط في إستخدام القوة ضد المدنيين، متوقعاً المزيد من الضغوط على بشار الأسد من قبل دول المنطقة العربية والدول الغربية، حيث سيستمر الشعب السوري في ثورته، ووصف الحمصي موقف المملكة العربية السعودية ضد بشار، بأنه الأكثر حزماً.

وأشار الحمصي إلى أن النظام السوري لن يقيم للإدانات الدولية والعربية أي وزن، سوف يستمر في القمع والقتل، لأنه يعلم أن الغرب لن يتخد ضده خطوات أو إجراءات حازمة، ولن تزيد الإجراءات العربية عن المطالبة بالإصلاح والإستجابة لمطالب الشعب المشروعة، لاسيما في ظل إنشغال الدول العربية بمشاكلها الداخلية وإنشغال الغرب بمشاكله الإقتصادية والإجتماعية.

إيران والمالكي وحزب الله

ودعا الحمصي الدول العربية إلى إتخاذ موقف حازم تجاه إيران ورئيس الوزراء نوري المالكي، متهماً إياهما بتقديم دعم مادي وعسكري لا محدود لنظام بشار الأسد لقمع الثورة، مؤكداً أ إيران تريد الإبقاء على بشار حتى تكون سوريا قاعدة للفرس للإنطلاق منها للسيطرة على دول المنطقة ونشر الشيعة السياسية بها، وإعتبر الحمصي أن الشعب السوري يدفع دماءه ثمناً لإلتزامه بسنيته وقوميته.

الشعب والنظام وصلا لنقطة اللاعودة

ويرى الدكتور محمد عبد الحميد أستاذ السياسة الدولية أن هناك إحباط من الموقفين العربي والدولي، ليس على مستوى الشعب السوري فقط، بل على مستوى الشعوب العربية كافة. وأوضح لـquot;إيلافquot; أن هناك تباطؤ يصل لحد التواطؤ في ردة الفعل تجاه ما يحدث في سوريا من مجازر بحق المدنيين، مشيراً إلى لغة الإدانات والشجب والإستنكار لنا يفهمها النظام السوري، بل يعتبرها بمثابة تصريح له بالإستمرار في قمع التظاهرات بوحشية غير مسبوقة، معتبراً أن الموقف السعودي الحازم حفظ ماء وجه العرب جميعاً، لاسيما في ظل الصمت الغريب وغير المبرر الذي ظلت عليه جميع الدول العربية لنحو خمسة أشهر.

وأكد عبد الحميد أن النظام السوري وصل إلى نقطة اللاعودة، حيث لن تفيد إية إصلاحات، لأنه لن تكون إصلاحات حقيقية، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن الشعب السوري وصل إلى نقطة اللاعودة أيضاً، لاسيما بعد إراقة دماء الآلاف من أبنائه وتشريد وإعتقال عشرات الآلاف الآخرين. ولم يعد يرضيه سوى إسقاط النظام ومحاكمته على جرائمه، ودعا عبد الحميد المجتمعين العربي والدولي إلى العمل وفق هذا الواقع، معتبراً أن نظام بشار الأسد لم يتعلم الدرس من سابقيه مبارك في مصر وبن علي في تونس. وبالتالي فقد إنتهى الدرس.