أفنان.. هذا الاسم ليس بحاجة إلى كثير من التعريف في محافظة تعز اليمنية وفي كثير من مناطق البلاد، الطفلة ذات الأربع عشر ربيعا ظهرت على الشاشات منذ وقت مبكر حين خرج الناس إلى الساحات في فبراير/شباط، وشاءت الأقدار أن يسقط والدها بقذيفة جوار بيته لتطل على الناس بصوت حزين وباك وشجاع أيضًا.


أفنان قائد اليوسفي - عدسة إيلاف

غمدان اليوسفي من تعز: حين كانت أفنان قائد اليوسفي تصرخ ضد الرئيس علي عبدالله صالح أمام الشاشات quot;إرحل يعني إمشي.. أنت ماتفهمشquot;، كان صداها يتردد في أرجاء البلاد، حيث خرج الناس إلى الساحات في كثير من المدن اليمنية.

كانت أفنان إحدى ناشطات ساحة تعز، تلهب حماس المحتجين، وحين وقع أول حادث على ساحة الحرية، وهو حادثة إلقاء القنبلة على المحتجين، وسقوط أول ضحية فيها، وهو مازن البذيجي، كانت أفنان تهتف للمحتجين حين فرّوا عقب الحادث، وقالت لهم بأعلى صوتها quot;تريدون أن تمشون من هنا.. النساء بقيت وأنتم خفتم؟quot;.

تتحدث أفنان لـquot;إيلافquot; وتبتسم على ذلك الموقف متذكرة عبارة قالتها من دون وعي حينها: quot;من يريد أن يمشي من هنا فهو امرأة خرساءquot;.

قبل أسابيع قليلة ظهرت بتسجيل صوتي بثته قناة quot;الجزيرةquot; تتحدث عن مقتل والدها في حديث مؤثر أبكى الآلاف ممن شاهده.

إلى إحدى ضواحي المدينة خرجنا مع أفنان بصحبة خالها، وتحدثت بلغتها المعتادة بدون تلكؤ أو خوف. ما يميز أفنان هو طلاقتها في الحديث ولغتها الثورية الراقية، حيث يعتقد من يراها أنها فتاة ناضجة وكبيرة، غير أن أفنان لات زال تدرس في الصف التاسع حاليًا.

في أحد المقاطع الذي كانت تبثه قناة quot;سهيلquot; المعارضة كانت أفنان تردد إن كل شيء يملكه علي عبدالله صالح هو ملك للشعب من الفراش إلى الجوارب.. ظلت تلك العبارة تتكرر في إعلانات القناة بصوت أفنان حتى اشتهرت بها.

تقول لـquot;إيلافquot;: إن من يعمل معك كموظف حين ينتهي عمله وتريد تسريحه، بالتأكيد تأخذ كل العهد التي استلمها منك.. وعلي عبدالله صالح يجب أن يسلم كل شيء للشعبquot;.

وحول حماسها بتلك الطريقة ودعمها المحتجين، تقول إن خروجها كان بسبب الظلم.. quot;حين ترى الظلم أمامك، الشحاذون يملؤون الشوارع، والقهر في وجوه الناس.. هذه الثورة جعلتنا نخرج ما بداخلنا، كبت طوال الوقت، الواحد يصل إلى مرحلة لازم يقول فيها لا .. لا للظلم، لا للاستبداد.. لا للقمع.. نعم لحرية الصحافة.. الناس خرجوا إلى الساحات لأنهم لم يعودوا قادرين على الاحتمال أكثرquot;.

وتتابع: quot;والدي كان يشجعنا والوالدة أيضًا، وكان يقول لنا اصرخوا وقولوا وأخرجوا ما بداخلكم، وكان يتمنى الشهادة دائمًاquot;.

والد أفنان quot;قائد محمد مسعودquot; كان يعمل في مجال التدريس، ويسكن في حي الروضة في شمال المدينة، وقد سقط بجوار منزله بعد قصف للحي الذي يقطن فيه، قيل إنه كان يستهدف منزل أحد زعماء المسلحين المدافعين عن المحتجين، وهو الشيخ حمود المخلافي الذي يقع منزله في الحي نفسهالذي تسكنه فيه عائلة أفنان.

يروي خال أفنان عبدالحميد سيف لـquot;إيلافquot; إنه حين وصل قائد إلى قرب المنزل بوساطة دراجة نارية سقطت قذيفة فأصابته شظية في عنقه توفي على إثرها مباشرة.
سائق الدراجة التي أوصلت والد أفنان إلى منزله عند الحادية عشرة ليلاً توفي هو الآخر بعد ثلاثة أيام إثر إصابته بتلك القذيفة.

ويقول عبدالحميد إن سائق الدراجة النارية كان يصرخ طالبًا الإسعاف، وحين بادر أحد القاطنين في الحي لإسعافهما جاءت قذيفة أخرى، فقتلت المسعف بشظاياها مباشرة، وسقط إلى جوار quot;قائدquot; وسائق الدراجة.

آثار سقوط القذائف مازالت قائمة على أبواب المحال التجارية وعلى الأسفلت، بينما هجرت أفنان ووالدتها وشقيقها الذي يصغرها بخمسة أعوام ذلك الحي، حيث قام شقيق والدتها بأخذهم إلى منزله في حي آخر لتأمين حياتهم.

أفنان تشير إلى موقع سقوط القذيفة ووفاة والدها- عدسة إيلاف

وتروي أفنان لحظات قصف الحي قائلة: quot;كانت القذائف تتساقط ونحن في البيت، وكلما كانت تسقط قذيفة كنت أطل من النافذة لأرى أين سقطت تلك القذيفة.. والدي كان في الشارع، ولم أكن أعرف أنه هو الذي أتت القذائف عليهوهو تحت المنزل مباشرة.. كانت الكهرباء مطفأة، ولم أتمكن من رؤية من هو.. في تلك اللحظة انقطع الاتصال عنا، وهو دائمًا كان يتصل يطمئنا إليه ويطمئن إليناquot;.

والد أفنان كان مع مجموعة من أصدقائه قبل عودته إلى منزله،وكان يتصل بأسرته حتى إنه كان يمزح معهم عبر الهاتف قائلا لابنته: quot;يا خوافة أنا عارف إنك خائفة من القذائفquot;، وتنكر أفنان أنها خائفة، فيرد عليها quot;هذا قيران -مدير أمن تعز- يدلعكم دلع بهذي القذائف، عادة بيجيب لكم صواريخ تهزكم هزquot; ويضحك، فنصحته زوجته وأولاده بعدم العودة ذلك المساء، لكن أقداره قادته وسقط بالقرب من منزله.

تضيف أفنان: quot;عند الواحدة بعد منتصف الليل وبعد مرور ساعتين على القصف أنيرت الكهرباء، وأتى خالي وأخذنا إلى منزله، وذهبنا إلى منزل خالي، كان خالي يتصرف بشكل غير طبيعي، وقال لي الوالد مصاب بالقدم وهو في المستشفى، ولم أنم تلك الليلة أريد أن يأتي الصباح لأرى أبي.. عند الفجر شعرت بأن شيئًا حدث بعد وصول عدد من أقاربي من القرية، وسمعت صراخ خالتي.. بعدها صرخت في وجه خالي، وقلت له قول لنا أيش مخبئ.. قال خالي: افرحوا قائد استشهد.. افرحوا، مات شهيدًا.. حينها كان الصراخ يعلو من كل مكانquot;.

لم تتجاوز أفنان رحيل والدها قبل أربعين يومًا.. quot;أشعر إنه سيطرق الباب في أي وقت، لم يكن أبًا فقط، كان صديقًا وأخًا، وكان خفيف الظل ومرح، ويحب الجو العائلي، كان قريبًا منا.. كنا أنا وأخي ننشد وهو كان يقوم بتحريف الكلمات ويخرب الأناشيد علينا ونرجع نضحك عليه وهو يضحك أيضاquot;.

طريق طويل أمام أفنان في حال أصرّت على تحقيق أمنيتها، حيث تطمح إلى دراسة طب الأسنان وأن تصبح رئيسة وزراء أيضًا، لكنها في الوقت عينهتصرّ على أنها لن تترك دم جميع من سقطوا من دون محاسبة المتسببين به.

ومع شهر رمضان تتذكر والدها: quot;فقد كان في رمضان لا يأتي إلا ليفطر، ثم يعود آخر الليل، كان يجمع للفقراء مواد غذائية وملابس من الجمعيات ورجال الخير. هؤلاء بالتأكيد سيفتقدونه في هذه الأوقاتquot;.

والد أفنان - عدسة إيلاف
المنزل الذي كانت تسكن فيه عائلة أفنان قبل رحيل والدها- عدسة إيلاف