فجأة تلاحقت الأحداث، بحيث تجاوزت حتى أكثر توقعات الثوار تفاؤلاً، وهي دخول طرابلس مع حلول عيد الفطر. لكن نهاية 42 سنة من حكم العقيد معمّر القذافي لا تعني تلقائيا تحول ليبيا إلى جنة على الأرض.. والواقع أن المخاوف تسود بشدة بالنسبة إلى الناظر من خارج إطار ما يحدث.

الألعاب النارية تضيئ سماء طرابلس

لندن: عندما تستوي الأمور لثوار ليبيا ويتيقن العالم من أن عهد معمّر القذافي صار حقًا صفحة أخرى في طيّات الماضي، فستكون أيدي الغرب ممثلاً في حكومات الناتو وشعوبه والعرب الذين دعموا الثوار على قلوبهم خوفًا من نوع الفراغ الذي تنبأ به العديد من المراقبين والسيناريوهات المخيفة التي يمكن أن يأتي بها هذا الفراغ.

بالطبع فإن مصدر القلق بالنسبة إلى تلك الأطراف هو المقارنة الفورية التي تخطر على الذهن مع العراق في عهد ما بعد صدام حسين. ورغم أن التنبؤ بما سيحدث مستحيل فإن المستقبل (قل الأسابيع القليلة المقبلة) يصبّ في إحدى خانتين: إما الاستقرار في ظل حكومة تمثل سائر الأطراف الليبية، أو الانزلاق نحو الفوضى الشاملة في خضم نزاعات مسلحة بين مختلف الأجنحة و/أو القبائل من أجل السيطرة على البلادوثروتها النفطية.

لحسن الطالع فإن الثوار والناتو الذي دعمهم جويًا يتمتعون الآن بعوامل لم تتمتع بها القوات الأميركية والبريطانية، التي أطاحت صدام حسين في ابريل / نيسان 2003. أهم هذه العوامل أن للمعنيين في الشأن الليبي الآن خطة تتعلق بالمستقبل، وهي ما افتقرت اليه القوات الغازية في بغداد وقتها.

محمود جبريل القائم بأعمال رئيس الوزراء

وفقًا لهذه الخطة، التي تقول صحيفة laquo;تايمزraquo; البريطانية إنه حصلت على نسخة من وثيقتها، فقد قرر الثوار وحلفاؤهم أن يخصصوا ما بين 10 آلاف و15 ألف مقاتل ndash; ليس بينهم أي ثوار من شرق ليبيا ndash; لضمان أمن طرابلس التي يقطنها مليونا شخص وتعتبر تقليديًا من معاقل نظام العقيد.

أيضًا فما يميّز طرابلس 2011 عن بغداد 2003 هو وجود جهة محلية مستعدة لتولي شؤون الحكم نيابة عن أهل البلاد. وتقول عناصر كانت لصيقة بالمجلس الوطني الانتقالي قبل حلّه، إنه جنّد بالفعل ممثلين سياسيين من أهل طرابلس وضباطًا أمنيين لم يتلطخوا بالآيديولوجية التي فرضها النظام القديم.

الواقع أن حكومات الناتو التي ساهمت في إسقاط القذافي حريصة الآن كل الحرص على تلافي الخطأ القاتل الذي ساعد على إدخال العراق في غياهب الفوضى، والمتمثل في تسريح الجيش وحملة التطهير التي طالت أعضاء حزب البعث الاشتراكي. وهذا ترتيب ترك مئات آلاف الجنود بلا دخل أو أمل في الحياة الكريمة، فصار البديل الوحيد أمامهم هو الانخراط في صفوف جهة أو أخرى تقاتل المحتلين الأجانب.

على أن كل هذا لا يعني أن المرحلة الانتقالية في ليبيا ستكون سلسة وخالية من المشاكل. فهناك أولاً ضرورة حسم المعركة ضد بقية جيوب القذافي في طرابلس بسرعة عالية، لأن طولها سيعني الانزلاق نحو الفوضى والأعمال الانتقامية وأعمال السلب والنهب وخراب البنية الأساسية البالغة الأهمية لإنعاش اقتصاد البلاد الواقف على حافة الانهيار التام.

هناك أيضًا الخوف من أن تصبح القوة العسكرية الأمنية المخلوقة في طرابلس من عناصر شرق ليبيا laquo;منافسةraquo; لـlaquo;جيش آخرraquo; في غربها، خاصة على ضوء الانقسامات التقليدية بين الشرق laquo;المظلومraquo; والغرب laquo;الظالمraquo;. ويلاحظ المراقبون أن الشرق والغرب ظلا منفصلين عمليًا منذ بدء الثورة قبل ستة أشهر، ولا شك في أن إعادة توحيدهما لن يكون مهمّة ستؤديها الأماني الطيبة وحدها.

ثائر يعلن حريته للعالم

أضف الى هذا... اختلاف الأصوات داخل المجلس الوطني الانتقالي وضرورة توحدها إزاء وراثة دولة محررة بثروات نفطية هائلة، ومليارات الدولارات عبارة عن أموال وأصول مودعة و/ أو مجمدة في مختلف بنوك العالم، وأسلحة نارية لا يخلو منها منزل ليبي تقريبًا.

بالطبع فإن حادثة اغتيال رئيس هيئة أركان الثوار، اللواء عبد الفتاح يونس، في بنغازي قبل أيام، تأتي كأسطع مثال على خطورة الانقسامات التي ظل يعانيها أولئك الذين ألّفوا المجلس الانتقالي قبل حلّه كنتيجة مباشرة لعملية الاغتيال. والمشكلة الآن هي أن حلّ المجلس يعني زوال البديل المستعد لتولي السلطة، على الأقل في المرحلة الانتقالية إلى حين استقرار الأمور.

الأسوأ من هذا هو ما يتم تداوله وسط بعض الدبلوماسيين الغربيين، وهو أن محمود جبريل، laquo;القائم بأعمال رئيس الوزراءraquo; وصفته الرسمية سابقًا هي laquo;رئيس المكتب التنفيذي في المجلس الوطني الانتقاليraquo;، متورط شخصيًا في اغتيال اللواء يونس، لأنه كان يخشى أن تنتقل اليه السلطة بعد سقوط طرابلس في أيدي قواته.

سيناريوهات الأيام المقبلة

* ينتهي المطاف بمعمّر القذافي وسط قبيلته وحلفائها في الجنوب، حيث يسعى إلى قيادة عصيان مسلح ضد النظام الجديد في طرابلس.

* الثوار يشكلون حكومة في طرابلس تستوعب عناصر الجيش والشرطة القديمة، التي لا ترتبط بالولاء الايديولوجي لنظام القذافي، وتمنح العفو لرموز ذلك النظام غير الملطخة بدماء الأبرياء. وكل هذا في إطار الاستقرار والتحرك نحو الدينقراطية الحقيقية. معمّر القذافي الهارب يُعتقل وأو يُقتل.

* الأمور تؤول للثوار، لكن الفوضى تندلع في مدينة تطفح بالأسلحة في كل الأيدي، وأخرى يزوّد بها القذافي العناصر الموالية له أو تلك التي تحنّ الى الأيام الخوالي. الفوضى تقود الى السلب والنهب وتدمير ما تبقى من بنية أساسية.

* قيادات الثورة تدخل في صراع دامٍ على السطة وعلى ثروة البلاد النفطية.