يكتنف الغموض وعدم الرضا الوضع العام في تونس، خصوصًا تجاه الأوضاع الأمنية والاقتصادية وأداء الحكومة الانتقالية وتعاطي الإعلام وأداء الأحزاب، في المقابل هناك ثقة كاملة في عدم عودة النظام الديكتاتوري وفي الوصول بسلام إلى موعد 23 أكتوبر/ تشرين الثاني وأداء الواجب الانتخابي.


تشير إستطلاعات الرأي في تونس إلى أنّ المواطنين تتملكهم هواجس وحالة من عدم الرضا عن المسار الانتقالي وتجاه اداء الحكومة المؤقتة والأحزاب والإعلام.
لكن في المقابل هنالك إصرار من قبلهم على الذهاب يوم 23 أكتوبر - تشرين الثاني إلى مراكز الاقتراع لاختيار ممثليهم في إنتخابات المجلس التأسيسيّ الذي سيسنّ دستور quot;الجمهوريةّ الثانيةquot;.

تونس: تلك هي أهم الملاحظات التي كشف عنها سبر آراء حول التونسي والحياة السياسية أنجزهأخيرًا معهد quot;إستيسquot; لسبر الآراء وتحليل المعطيات، بالتعاون مع وكالة تونس إفريقيا للأنباء الرسمية في الفترة الممتدة بين 15 و28 آب/ أغسطس الماضي، وشمل عينة تكونت من2717 شخصًا.

الباحث التونسي د. محمد ضيف الله تحدث لـquot;إيلافquot; عمّا تمخّض عنه سبر الآراء قائلاً: quot;في البداية لا بد من أن نلاحظ بأننا في تونس لا نملك تقاليد في إجراء الاستبيانات، كما ليست لدينا مؤسسات ذات مصداقية في هذا المجال، ثم إنه حتى في الديمقراطيات العريقة تبين أن بعض المؤسسات عملت لفائدة بعض الجهات السياسية خاصة عند المواعيد الكبرى.

إضافة إلى ذلك، لا تتوافر لدينا استبيانات حول اتجاهات الرأي العام في تونس قبل الثورة، حتى نتبين مدى التقدم أو التأخر في هذا المجال. إلا أننا لا يمكن أن نغفل الاهتمام الكبير الذي أصبح يوليه التونسي للسياسة، وهذا ما لا يعكسه هذا الاستبيانquot;.

سبر آراء التونسيين كشف عن الخوف والريبة التي تميز شعور التونسي، إذ إنّ 60.1% من المشاركين في الاستبيان يعتقدون بأنّ الوضعية الحالية للبلاد غامضة ومريبة كما إنّ 19.2% منهم لهم نظرة تشاؤمية، فالأمور متعكرة، بينما يرى ربع المستجوبين فقط أنّ الوضع يسير في المسار الصحيح.

ويعود الدكتور محمد ضيف الله الأستاذ الجامعي ليبرز بعض التناقضات في سبر الآراء: quot;بقطع النظر عن تلك الاحترازات لا بد من الإشارة إلى ما تحمله مثل هذه الاستبيانات من تناقضات، وفي مثال الحال نتساءل كيف أن نسبة عدم الرضا عن الحكومة دون عدم الرضا عن الوضعية العامة بـ12 نقطة كاملة، وعن الوضعية الأمنية بما يقرب من 9 نقاط كاملة، وعن الوضع الاجتماعي بما يفوق العشرين نقطة، وكأن الحكومة في نظر المستجوبين غير مسؤولة، لا عن الوضعية العامة ولا عن الوضعية الأمنية ولا عن الوضع الاجتماعي، أو كأن الاختلال على المستوى الأمني ليس من مسؤولية الحكومة.

في المقابل فإن النسبة الأعلى لعدم الرضا كانت من نصيب الأحزاب السياسية بـ 69.5%، رغم أنها غير مسؤولة على أي من الوضعيات السابقةquot;.

يبرز الإجماع حول خطورة الموقف استنادًا إلى سبر الآراء، حيث يبدي 56.7% عدم رضاهم عن الوضعية الأمنية، و61.3% عن الوضعية الاقتصادية، و67.6% عن الوضع الاجتماعي، و48.1% عن أداء الحكومة، و47.4% عن أداء الإعلام، بينما أظهر 70% تقريبًا من المستجوبين عدم رضاهم عن أداء الأحزاب السياسية.

في المقابل يرى 81.6% من المشاركين في سبر الآراء بأن النظام الديكتاتوري لن يعود، ويجمع 62.3% منهم أنهم لا يثقون في الآراء القائلة بعدم القدرة على الوصول إلى انتخابات نزيهة في 23 أكتوبر/ تشرين الثاني المقبل.

بينما يؤكد نصف المستجوبين على إمكانية تعطل الحركة الاقتصادية والدخول في أزمة وكذلك عودة الانفلات الأمني، فيما يعتقد 68.7% من العينة بوجود علاقة بين أداء الحكومة وتواصل التوتر الاجتماعي.

تتقلص النسبة لتبلغ 59.8% حول علاقة أداء الحكومة بتراجع نسق النمو الاقتصادي، وحول رأي التونسي في أداء الإعلام كشف الاستبيان تقلصًا في متابعة التونسي حاليًا للأخبار، حيث بلغت النسبة خلال شهر آب/أغسطس الماضي 77.1%، بينما كانت النسبة عالية في شهر نيسان/أبريل الماضي 91.4%.

وفي الحالتين هناك اهتمام واضح بمتابعة الأخبار، بينما لم يكن يتابع الأخبار قبل كانون الثاني/ يناير غير 42.5 % من التونسيين، كما إنّ 53.9%لا يتابعون البرامج الحوارية الخاصة بالأحزاب السياسية، ويعبترها 34.6% سيئة.

يقول الصحافي خميس بوبطان من التلفزة الوطنية التونسية (التلفزيون الحكومي) لـquot;إيلافquot;: quot;هذه النسبة العالية (77%) منطقية جدًا، وهي تمثل التونسيين المتابعين للأخبار، وذلك يعود إلى أنّ التلفزة التونسية بدأت تتابع كل الأخبار في أنحاء البلادكافة،حيث الأوضاع تبدو غير مستقرة، وبالتالي فإن التونسي بدأ يلجأ إلى تلفزته الوطنية لمتابعة الأخبار التي تتميز بالمصداقية، وهو بالتالي يستغني عن القنوات الأجنبية، التي كانت الوحيدة التي تنقل له أخبار بلاده قبل 14 كانون الثاني/ ينايرquot;.

يفسّر خميس بوبطان عدم اهتمام التونسي بالبرامج الحوارية التي تعنى بالأحزاب بأنّه ملّ من الحديث الفضفاض البعيد عن واقعه، والذي لا يلبيّ رغباته، كما إنّه لم يتخلص بعد من مخلفات الحزب الواحد ورواسب الأحزاب المعارضة التي لا تعدو أن تكون صوريةquot;، على حدّ تعبيره.

الحياة السياسية كانت آخر اهتمامات التونسي قبل الثورة، وتواصل هذا quot;الخوف من السياسةquot;، حيث أظهر سبر الآراء أنّ 21.5% من التونسيين غير مهتمين تمامًا بالحياة السياسية، التي لا يهتم بها غير 9.1%، وهي نسبة تبرز مدى الضبابية التي تميز التونسي في مدى اهتمامه بالشأن السياسي، لأنّ 56.9% لا يحبذون أي حزب، و 19.2 % لا يعرفون أي حزب.

وعن اهتمام خمس التونسيين دون غيرهم بالحياة السياسية، قال خميس بوبطان: quot;تجربة نصف قرن من حكم الحزب الواحد والتشديد على الحريات والابتعاد عن العمل السياسي أثرت سلبًا على اهتمام التونسيين بالسياسة، وهو ما يؤكد أنّ 21.5% منهم غير مهتمين تمامًا بالعمل السياسي، و56.9% لا يحبذون أي حزب لأنهم لا يرون صدق هذه الأحزاب، إلا مع نجاح انتخابات المجلس التأسيسي في 23 أكتوبر المقبلquot;.

ويضيف بوبطان: quot;التونسيون قرروا لمن سيصوّتون، ولكن الوضع مازال يكتنفه الغموض حول تحقيق استحقاق انتخابات المجلس التأسيسي،بالتالي يشعر التونسي بالخوف من ضبابية المسارquot;.

أما عن الأحزاب المعروفة، فتأتي حركة النهضة في المرتبة الأولى بنسبة 72%، يليها حزب العمال الشيوعي بنسبة 24.47%، ثم الحزب التقدمي الديمقراطي 22.30%.

عن آرائهم في الأحزاب التي يحبذونها، قال 22.82% إنهم يخيرون حركة النهضة، بينما يحبذ 8.66%الحزب الديمقراطي التقدمي.

ويشرح الدكتور محمد ضيف الله قائلاً: quot;لو سلمنا جدلاً بصحة تلك النسبة، فإننا لا نفهم كيف أن نسبة تفوق الخمسين بالمائة لا يتابعون البرامج الحوارية الخاصة بالأحزاب، وبالتالي هم لا يعرفونها أصلاً. هذا لا يعني أن وضعية الأحزاب على ما يرام، أو إنها قامت بالنفاذ إلى كل المناطق، كما يعني أيضًا أن وسائل الإعلام المختلفة لم تقم بواجبها في هذا المجالquot;.

نصف التونسيين تقريبًالايزالون يرون أنّ هذه الأحزاب، وقد بلغ عددها 105 حزبًا لا تعبّر عن آرائهم (48.6%).

أمام هذا الهروب عن السياسة فقد عبّر 33.5% من المشاركين في سبر الآراء عن عدم معرفتهم بمفهوم المجلس التأسيسي.

نقطة الضوء التي برزت في هذا الاستبيان تتمثل في أنّ 72%من التونسيين سيؤدون واجبهم الانتخابي يوم 23 أكتوبر، بالرغم من أن 65.8% لم يقرروا بعد لمن سيصوّتون.

ويختم الباحث ضيف الله حديثه لـ(إيلاف) بالقول: quot;إن المقارنة بين الاستبيانات المتواترة تمكن أن ترسم لنا صورة تقريبية عن الوضع السياسي العام وعن الإعلام والأحزاب، كما يجب الاستدلال بمؤشرات أخرى، من بينها الشبكات الاجتماعية التي تضطلع بدور كبير على هذا النطاق، ونشير في هذا الباب إلى أن شبكة quot;فايسبوكquot; مثلاً يتجاوز عدد المشتركين التونسيين فيها مليونين ونصف مليون، كما يمكن الاستدلال بمواقع الأحزاب والصحف ومختلف وسائل الإعلام على الانترنت، حيث نجد ضمن المائة موقع الأولى الأكثر ولوجًا في تونس العديد من المواقع السياسية والإعلامية وخاصة الإذاعية.

في مقابل ذلك فإن مواقع الفرق الرياضية الكبرى قد تراجعت كثيرًا عما كانت عليه قبل الثورة، وهو ما يدل على تغير عميق باتجاه اهتمام التونسيين بالشأن العامquot;.