لندن: بعد شهر على عملية إيلات التي قُتل فيها ثمانية إسرائيليين ما زال الغموض يكتنف الحادث، وخاصة في قطاع غزة حيث جرى التخطيط للعملية المتقنة كما تؤكد تل أبيب دون ان يعلن فصيل من الفصائل الفلسطينية في القطاع مسؤوليته عنها.

وقال الناطق باسم حركة حماس طاهر النونو ان المشكلة تتمثل في ان اكثر من فصيل عادة يعلن مسؤوليته بعد تنفيذ عملية ناجحة. ولكن حماس سارعت على الفور الى نفي علمها بالهجوم واتصلت بالفصائل الأخرى التي quot;نفت كلها مسؤوليتهاquot; عن العملية.

ومن بين هذه الفصائل لجان المقاومة الشعبية التي اتهمتها اسرائيل بالمسؤولية عن الهجوم ووجهت ضربة الى القطاع سمتها ردا على عملية ايلات. وقبل ان ينتهي القتال في الصحراء المحاذية لميناء ايلات انفجر صاروخ اطلقته طائرة اسرائيلية بلا طيار خارج منزل في رفح قرب الحدود المصرية. وقُتل في الهجوم القائد العسكري للجان المقاومة الشعبية واثنان من مساعديه وطفل في السنة الثانية من العمر.

واستمرت لجان المقاومة الشعبية في نفي علاقتها بعملية ايلات، الأمر الذي قال مراقبون انه غير مألوف في مجتمع يحتفي بالقتلى الذين يسقطون في مقاومة اسرائيل. وابدى قيادي في حماس استغرابه لأنه كان يتوقع من لجان المقاومة الشعبية ان تفتخر بالعملية.

ونقلت مجلة تايم عن مسؤولين اسرائيليين ان علاقة لجان المقاومة الشعبية بالعملية واضحة من الأوامر التي رصدها الاسرائيليون من غزة الى سيناء حيث كان المسلحون يعدون كمينهم. والجديد ان احد المسؤولين الاسرائيليين قال ان السلطات الاسرائيلية توصلت الى ان جثث اثنين من المهاجمين الخمسة الذي قتلوا بعد العملية تعودان الى فلسطينيين من غزة. ولم يوضح المسؤول كيف تأكدت هويتهما ليضفي بذلك مزيدا من الغموض على الحادث.

وقال احمد يوسف وهو حمساوي سابق يدير الآن مؤسسة ابحاث في غزة لمجلة تايم انه إذا كان لدى الاسرائيليين اي دليل فليتقدموا به. واضاف انه التقى مسؤولين في لجان المقاومة الشعبية قالوا انهم يريدون ان النأي بأنفسهم عما حدث في ايلات وتساءلوا عن سبب التهديدات الاسرائيلية الموجهة الى فصيلهم.

من القرائن التي تشير الى غزة قيود بلاستيكية ومادة الكلوروفورم ربما كان المهاجمون يعتزمون استخدامها في حال تمكنهم من خطف اسرائيليين، لا سيما وان الخطف هدف رئيسي من اهداف المسلحين الفلسطينيين لمقايضتهم بمئات المعتقلين الفلسطينيين، بحسب مجلة تايم.

ولكن من القرائن التي تبرئ فصائل غزة غياب أي دليل على اقامة مجلس عزاء على ارواح القتلى باستثناء الذين قُتلوا من ناشطي لجان المقاومة الشعبية بعد الحادث. ويكاد يتعذر اخفاء مظاهر الحزن في مثل هذه الحالات في مكان ضيق مثل غزة. يضاف الى ذلك التخطيط المتقن للهجوم، إذ كانت عملية ايلات عملية شديدة التعقيد وشديدة الغرابة، على حد وصف احد الناشطين الفلسطينيين. وكان نحو 12 مسلحا نصبوا كمينا في ظهيرة يوم 18 آب/اغسطس على طريق اسرائيلي سريع يمر بمحاذاة الحدود مع شبه جزيرة سيناء.

وأطلق المهاجمون نيران اسلحة آلية خفيفة وقذائف صاروخية على السيارات والحافلات المارة. واشتعلت النار في حافلة عندما تسلقها احد المهاجمين وفجر فيها حزاما ناسفا. وكان السائق وحده على متن الحافلة. وعندما وصل الجنود الاسرائيليون فجر المهاجمون عبوات ناسفة كانت مزروعة على جانب الطريق وردوا على نيران القوات الاسرائيليين طيلة ساعات من موقعين يفصل بينهما ميل أو ميلان. وكان المهاجمون اشداء حسني التدريب.

ونقلت مجلة تايم عن ابو مجاهد من لجان المقاومة الشعبية ملاحظته ان الاسرائيليين استهدفوا عناصرها فيما كانت عملية ايلات مستمرة. وقال ابو مجاهد ان تمكن المهاجمين من مواصلة القتال لمدة ساعات يبين ان مَنْ خطط هذه العملية لديه بنية تنظيمية قوية ويبدو ان لمنفذيها خلفية عسكرية وخبرة قتالية.

واوضح ان عناصر لجان المقاومة الشعبية يخضعون لتدريب اساسي ويستخدمون اسلحة خفيفة. وأكثر ما يتخصص به المقاتلون هو اطلاق قذائف هاون وصواريخ على اسرائيل. ولفت الى ان فصيله لا يعمل إلا على جبهة غزة لاعتبارات تتصل باستراتيجية لجان المقاومة الشعبية وعلاقاتها مع الآخرين، بمن فيهم مصر والفصائل الفلسطينية في القطاع.

وإزاء هذه المؤشرات تقدمت مصر الى الواجهة. وفي غضون يوم من الهجوم طغت الأزمة الدبلوماسية التي نشأت بين مصر واسرائيل على تحديد الجهة المسؤولة عن الهجوم. واحتجت مصر على مقتل ثلاثة على الأقل وربما خمسة من جنودها بنيران القوات الاسرائيليية التي كانت تتعقب المهاجمين داخل الأراضي المصرية.

وبسبب موقف المصريين عموما من اسرائيل أُثير احتمال مشاركة مصريين، ربما من البدو، في الهجوم وحتى عسكريين مصريين لا يكترثون باتفاقيات حكومتهم مع الدولة العبرية أو عسكريين مصريين سابقين. وقال سائق سيارة اسرائيلي أُصيب في الهجوم ان الرجل الذي رآه يطلق النار بدا بملابس عسكرية مصرية.

ابو مجاهد من لجان المقاومة الشعبية لا يطلق مثل هذه التلميحات ولكنه ينوه بأن اهل سيناء ليسوا وحدهم بل المصريين عموما متعاطفون مع القضية الفلسطينية، ولكن في سيناء بصفة خاصة لأنهم عانوا من الاحتلال ايضا. ويستدرك ابو مجاهد قائلا انه لا يستطيع التكهن quot;فان هذه قضية حساسة للغايةquot;.

وليس أدل على حساسيتها من التحذيرات التي صدرت الى المسؤولين الأمنيين الاسرائيليين بأن يراعوا مشاعر المصريين. فان القاهرة تعيش حراكا سياسيا وكل الأطراف تخشى استعداء البلد الذي يخطب الجميع وده ويطمحون في تعاونه.

ويرى مسؤولون في الاستخبارات الاسرائيلية ان هذا هو السبب وراء نفي لجان المقاومة الشعبية علاقتها بعملية ايلات لتفادي إغضاب القاهرة، باعلان مسؤوليتها عن عملية انطلقت من الأراضي المصرية. وحماس نفسها ايضا ما كانت لتسكت. وحين سألت مجلة تايم ابو مجاهد إن كانت الفصائل تُبلغ حكومة حماس مسبقا بعملياتها قال ان حماس لا تريد حربا أخرى في غزة وستمنع كل من يعطي اسرائيل ذريعة لشنها. واضاف ابو مجاهد ان حماس تسمح بالرد لكنها لا تسمح بالمبادرة.