الاقليات المسيحية المشرقية .. أرقام وإحصاءات يعيش المسيحيون المشرقيون الذين تضاءل عددهم على مر التاريخ، على اختلاف طوائفهم، قلقا ازاء ما يشهده العالم العربي من تغيرات واضطرابات. وتثير التغيرات السياسية التي يشهدها عدد من الدول العربية، في ظل الاحتجاجات الشعبية، هواجس لدى المسيحيين من احتمال وقوع المنطقة في الفوضى او في قبضة حكومات اسلامية متشددة. ويعد الاقباط في مصر كبرى الجماعات المسيحية في المنطقة، وهم يشكلون بين 6% و10% من سكان مصر الذين يجاوز عددهم 80 مليونا. الا ان التوترات الطائفية استمرت في البلاد بعد سقوط الرئيس السابق حسين مبارك في شباط/فبراير، وتطورت في بعض الاحيان الى اشتباكات دموية، ما دفع الحكومة المصرية الى اقتراح قانون يجرم أي quot;عمل او امتناع عن عمل يكون من شأنه احداث التمييز بين الافراد او ضد طائفة من طوائف الناس بسبب الجنس او الاصل او اللغة او الدين او العقيدةquot;. في العراق، يعاني المسيحيون من وضع هو الاسوأ في المنطقة، فقد تعرضوا بعد الاجتياح الاميركي لاعتداءات قتل وتفجير مراكز عبادة وترهيب، ابرزها انفجار استهدف كنيسة في بغداد في تشرين الاول/اكتوبر 2010 واسفر عن مقتل 46 شخصا. ويبلغ عدد المسيحيين في الاردن 200 الف، وفي الاراضي الفلسطينية 57 الفا، فيما يبلغ عددهم 143 الفا في اسرائيل. الا ان المملكة السعودية تحظر ممارسة أي ديانة سوى الاسلام. ويقيم كثير من المسيحيين السوريين علاقات وثيقة مع النظام الذي يمسك بمقاليده اشخاص ينتمي معظمهم الى الطائفة العلوية، ما يجعلهم يتخوفون مما قد تؤول اليه الاوضاع في سوريا في حال سقوط نظام الرئيس بشار الاسد نتيجة الحركة الاحتجاجية التي انطلقت في منتصف شهر اذار/مارس. وينظر مسيحيو الشرق تقليديا الى مسيحيي لبنان على انهم يتمتعون بالوضعية الافضل بين مسيحيي الشرق من حيث الحريات، وخصوصا من حيث الدور السياسي. فالدستور في لبنان يكفل للمسيحيين المناصفة في المناصب الرسمية ووظائف الدولة العليا. |
بيروت:تثير التحولات في المنطقة العربية جدلا حول مصير المسيحيين الذين يتخوفون من وصول اسلاميين متطرفين الى السلطة، ما دفع بعض القيمين عليهم الى الدفاع عن انظمة تقدم نفسها على انها حامية الاقليات في المشرق العربي.
ويرى خبراء ان الضمانة الوحيدة للمسيحيين تكمن في الانخراط في عملية التغيير الديموقراطي، ولو انهم لا ينكرون خطورة المراحل الانتقالية التي قد تحمل تطرفا وفوضى.
ويقول السفير السابق عبدالله ابو حبيب، مدير مركز عصام فارس للابحاث الذي يتخذ مقرا له في الجامعة الاميركية في بيروت، quot;هناك خوف لدى المسيحيين من المستقبل، فالقوى الاسلامية المتشددة قوية والقوى الديموقراطية قوية ايضا، واستتباب الديموقراطية يتطلب وقتاquot;.
ويضيف لوكالة فرانس برس quot;نحن امام مرحلة انتقالية يقلق المسيحيون من ان تكون كافية لافراغ الشرق من الاقلياتquot;.
ويقول ابو حبيب، وهو نائب رئيس الرابطة المارونية (هيئة مؤلفة من فاعليات من الطائفة المارونية)، ان quot;مصدر الخوف هو ما جرى في العراق الذي يعد هو الآخر في مرحلة انتقاليةquot; بين حكم الرئيس السابق صدام حسين واستتباب الديموقراطية، مضيفا quot;عندما تنفلت الامور لا يمكن السيطرة على الاوضاع، وهذا ما يخيف فعلاquot;.
وكان عدد المسيحيين في العراق يتراوح بين 800 الف ومليون ومئتي الف قبل الاجتياح الاميركي في 2003، وفقا لمصادر كنسية ومراكز ابحاث. ولم يبق منهم سوى اقل من نصف مليون اثر هروب مئات الالاف من اعمال العنف.
ويرى ابو حبيب ان quot;الاقليات التي تشعر انها الحلقة الاضعف، قد تقف الى جانب الانظمة التي تشعرها بالامان (...)، علما انها لن تكون مستاءة على الاطلاق اذا تحول الشرق الى انظمة ديموقراطيةquot;.
ورغم ان عددا كبيرا من الاقباط المسيحيين شاركوا في ثورة 25 يناير في ميدان التحرير في القاهرة، فقد وقعت بعد انتهاء الثورة اشتباكات طائفية متفرقة بين اقباط ومجموعات اسلامية، اوقع احدها 20 قتيلا في ايار/مايو.
وفي سوريا، حيث المسيحيون تقليديا يقيمون علاقات جيدة مع النظام، يخشى البعض من اعمال انتقامية تطالهم في حال صعود نفوذ الاسلاميين او نتيجة الفوضى المتزايدة في البلاد مع استمرار الاحتجاجات الشعبية المطالبة باسقاط الرئيس السوري بشار الاسد منذ منتصف آذار/مارس والتي اوقعت اكثر من 2700 قتيل بحسب منظمات دولية.
وقد عبر بطريرك انطاكية وسائر المشرق للموارنة بشارة الراعي في الفترة الاخيرة عن هذه الهواجس، محذرا من وصول اصوليين سنة الى السلطة في سوريا، ومتخوفا من quot;خطورة المرحلة الانتقالية على المسيحيينquot;.
وجدد الثلاثاء التعبير عن مخاوفه هذه، قائلا quot;نحن نرى نموذج العراق ماثلا امامنا (...). الديموقراطيات اصبحت حربا اهلية وادت الى تهجير المسيحيينquot;.
وينظر مسيحيو الشرق اجمالا الى مسيحيي لبنان على انهم يتمتعون بالوضعية الافضل من حيث الحريات، وخصوصا من حيث الدور السياسي. فالدستور في لبنان يكفل للمسيحيين، الذين لم يعد عددهم يتعدى 35 في المئة من مجمل السكان، المناصفة في المناصب الرسمية ووظائف الدولة العليا.
كما ان رئيس الدولة في لبنان هو الرئيس المسيحي الوحيد بين العرب. ويقلل مراقبون في المقابل من حجم الحركات الاسلامية او على الاقل من قدرتها على التاثير على المدى البعيد.
ويقول جورج اسحق، منسق حركة كفاية التي ساهمت في الثورة المصرية quot;لا ارى اي مشكلة في وصول قوى اسلامية الى الحكم من خلال انتخابات حرة ونزيهة. هذه القوى تقول منذ عقود انها لم تحكم... فليحكموا وليحكم الناس على ادائهمquot;. ويضيف لفرانس برس quot;ان المناخ المحلي والعربي والعالمي لم يعد لصالح التيارات المتشددةquot;.
ويقر الباحث والاستاذ في الجامعة الاميركية في باريس زياد ماجد بان الاسلاميين quot;هم الاقدر على +جني الثمار+ في المراحل الاولىquot; بعد الثورات، لكنهم quot;لن يستطيعوا فرض أجندات ضيقة حتى لو أعطتهم صناديق الاقتراع مشروعيات شعبيةquot;.
ويضيف quot;ثمة عالم عربي جديد أفقنا عليه مطلع العام 2011 (...) ولن يكون ممكنا إعادة بعث أنظمة الأفراد والعائلات والحزب الواحد وقوانين الطوارىء.. هذا برأيي انتهىquot;.
ويميز ماجد quot;بين خوف مشروع للأقليات، دينية او اثنية او فكرية، في منطقة شهدت على مدى تاريخها اضطهادا واستبدادا، وبين تحول هذا الخوف الى تفضيل للاستبداد وابتزازته او التحالف معه خوفا من الأكثريةquot;.
ويقول ان quot;الحكم الديموقراطي واحترام التنوع وحماية الحريات هو الحل والضمانة. على هذا الأساس، يجب الانخراط في المسارات السياسية وعدم الانكفاء او الانزواءquot;.
ويؤكد الكاتب والمعارض السوري ميشال كيلو بدوره في مقال نشرته صحيفة السفير اللبنانية اخيرا ان quot;لا حل لمشاكل المسيحية خارج مجتمعها العربي، أو ضدهquot;.
ويخلص ماجد quot;ان بناء جدران خوف جديدة في العالم العربي أمر لم يعد قابلا للتحقيق. ولا أعتقد ان الجيل الجديد، مع علاقته بالمدينة والفردية والعلم والانترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، سيقبل بأي استبداد جديد من أي نوع كانquot;.
التعليقات