تمكن رئيس الوزراء التركي من وضع تركيا على الساحة الدولية باعتبارها نموذجاً لكيان ديمقراطي علماني في دولة مسلمة، وسط انتقادات تطالبه بتفعيل ذلك داخل تركيا.
رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان |
القاهرة: بعد الجولة الناجحة التي قام بها قبل عدة أيام في الدول التي عاشت هذا العام أجواء الربيع العربي، تمكن رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان، من وضع تركيا على الساحة الدولية باعتبارها نموذجاً يحتذي به لكيان ديمقراطي علماني في دولة مسلمة، كما سبق له أن قال في تصريحات صحافية quot; دولة علمانية تتساوى فيها جميع الدياناتquot;.
ومع هذا، يواجه أردوغان انتقادات، بعد أن بدأت تطالبه أصوات بأن يُقدِم على تفعيل ما قاله في هذا الشأن داخل تركيا. وفي هذا الصدد، قالت صحيفة النيويورك تايمز الأميركية إن العلاقة بين الدين والدولة، وهي النقطة الحساسة في الهوية التركية، تعد واحدة من أكثر القضايا سخونة في النقاش الدائر حول الدستور الجديد الذي تعهد أردوغان بتقديمه في الفصل التشريعي الجديد للبلاد الذي سيبدأ يوم السبت المقبل.
وتابعت الصحيفة بقولها إن هذا النقاش سيتعين عليه التعامل مع ذلك التعبير الأميركي الذي يقول quot;الفيل في الغرفةquot;، والذي يعني الهيمنة الكاملة التي تحظى بها الدولة على الإسلام عبر وزارة الشؤون الدينية، وعدم وجود وضع قانوني لباقي الديانات في مجتمع يتكون أغلبه من المسلمين السنة. وأوردت الصحيفة في السياق ذاته عن إزيتين دوغان، زعيم الأقلية العلوية في البلاد، قوله :quot; قد تبدو تركيا دولة علمانية على الورق، لكنها وفقاً للقانون الدولي تعتبر دولة إسلامية سنية بالفعلquot;.
وتابع دوغان، الذي يشغل أيضاً منصب الرئيس الشرفي لاتحاد المؤسسات العلوية الذي يمثل حوالي 30 مليون فرد من أتباع العقيدة العلوية ( التي تعتبر ديانة أناضولية قريبة من الإسلام الصوفي لكن بصورة منفصلة ومختلفة عن معتقداته وممارساته ) بقوله: quot;تقوم الدولة بتجميع ضرائب منَّا جميعاً، وتنفق المليارات على الإسلام السني وحده، في حين لا يحصل الملايين من العلويين وكذلك المسيحيين واليهود وأتباع الديانات الأخرى على مليم واحدquot;. ثم مضت الصحيفة تقول إنه وفقاً لأحدث التقارير السنوية الصادرة عن وزارة الشؤون الدينية، التي تعتبر قوة بيروقراطية ماحقة، فإن العاملين بها من موظفي الخدمة المدنية يزيد عددهم عن 106 ألف موظف، منهم 60 ألف إمام و 10 آلاف مؤذن، وتختص الدولة بكل شؤونهم.
ولفتت الصحيفة إلى أن الوزارة تقوم بكتابة خطب الجمعة في المساجد المنتشرة حول البلاد، وكذلك الكتب المدرسية الخاصة بالتعليم الديني الإلزامي في المدارس. كما تقوم بنشر كتب ودوريات بعدة لغات، وتصدر تطبيقات خاصة بأجهزة آي فون، عليها آيات قرآنية ومنبه خاص بتوقيات الصلاة. كما تحتكر الوزارة الدورات الخاصة بالقرآن الكريم في جميع أحاء البلاد، وتقوم بتنظيم فريضة الحج، انتهاءً بتطعيم الحجاج.
وأكدت النيويورك تايمز كذلك على المركزية الشديدة التي تتسم بها هيمنة الوزارة، خاصة بعدما أعلن مديرها الجديد، محمد غورميز، عن نيته تدريب الوعاظ على إلقاء الخطب شخصياً، بدلاً من انتظار قدومها من الوزارة. وقال هنا عالم الاجتماع غونتر سيوفيرت، وفقاً لدراسة أجراها عام 2004 على الوزارة :quot; الإسلام لا يحدد السياسة في تركيا، بل إن السياسة هي التي تحدد الإسلام. وفي الوقت الذي يدار فيه عن طريق وكالة حكومية، فإن الدين يخدم الدولة بغرض توحيد الأمة وتغريب مسلميهاquot;.
هذا وقد تم تأسيس تلك الوزارة في آذار/ مارس عام 1924، في اليوم الذي أعلن فيه عن إلغاء الخلافة. وبينما تلتزم الوزارة بخدمة الإسلام السني الخاص بالمذهب الحنفي، فإنها لا تعترف بالمجتمعات غير السنية مثل العلويين أو الكفار. وعاود دوغان ليطالب بضرورة أن يستغني الدستور الجديد عن مكانتهم المميزة. وأضاف quot; يجب أن تكون الدولة نزيهة، وأن تتعامل مع جميع الطوائف الدينية على قدم المساواة، وأن تقف على مسافة متساوية منهم جميعاًquot;. وفي الختام، نوهت الصحيفة بأن تهميش دور الوزارة ليس بالخطوة السهلة، قائلةً إنه وفي الوقت الذي أجمعت فيه كافة المقترحات التي تقدمت بها منظمات غير حكومية بشأن الدستور على أن الوزارة لا يمكن أن تستمر بسياستها الحالية، فإن أياً منها لم يطلب إلغائها.
التعليقات