عراقيون يتوجهون إلى كربلاء لإحياء أربعينية الإمام الحسين

بينما ينصبّ تركيز وسائل الإعلام على أخبار التفجيرات، التي تستهدف جموع السائرين إلى مدينة كربلاء في جنوب العراق، حيث تحيي مئات الآلاف من الشيعة أربعينية الإمام الحسين، وتتآزر بعيداً عن أضواء الإعلام كل الطوائف العراقية لإحياء الذكرى، في تعبير عن تحدّيها للفتنة والإرهاب.


وسيم باسم من بغداد وورود صالح من السليمانية: في الوقت الذي تتناقل فيه وسائل الإعلام أخبار تفجيرات بين جموع السائرين إلى مدينة كربلاء في جنوب العراق، حيث تحيي مئات الآلاف من الشيعة أربعينية الإمام الحسين بن علي، هناك ما لا يتطرق إليه الإعلام إلا بالقدر النادر، وهو التعاون المشترك بين مختلف الطوائف، لاسيما السنة والشيعة، في مختلف المناطق لمساعدة الزائرين وتقديم الخدمات إليهم. في المقابل، شهدت مدينة السليمانية الشمالية صلاة موحدة فريدة، جمعت ممثلين عن الطوائف والأديان العراقية.

ينتقد أبو بكر الجنابي، الذي ينتمي إلى الطائفة السنية، الإعلام الذي لا يركز على التعاون واللحمة بين طوائف العراق، وقد نصب الجنابي خيمة كبيرة في جنوب بغداد، لتقديم الخدمات الطبية والإدارية للمتوجّهين سيراً على الأقدام إلى كربلاء.

ويقول: إن quot;التفجيرات التي تحدث لا ترتبط بطائفة معينة، والإرهاب ليس له دين أو طائفة معينة، مشيرًا إلى أنه على طول الطريق في جنوب بغداد، تقوم عشائر سنية بمساعدة الزائرين، وتقديم المساعدات إليهمquot;.

ويحيي العراقيون العشرة الأولى من شهر محرم في مواكب دينية ومجالس عزاء، وتصل المراسم ذروتها ليلة العاشر منه، وهي ذكرى معركة الطفّ ومقتل الإمام الحسين بن علي، عام 61 للهجرة.

ومن بين الشعائر، التوجّه مشيًا على الأقدام إلى المرقد المقدس في كربلاء في أربعينية مقتل الإمام، وفي الوقت نفسه،تتوافد عشرات الآلاف من المسلمين من دول متعددة لأحياء الأربعينية.

في الجانب الآخر من الطريق عند منطقة اللطيفية (25 كلم جنوب بغداد)، نصب الشيخ صقر خيمةً كبيرة تعجّ بوجبات الأكل والخدمات الطبية، لمساعدة السائريننحو كربلاء.

يقول الحاج صقر الجبوري: quot;هذه المناطق مختلطة طائفيًا، لكنها غير مختلفة على البر وإنجاح زيارة العتبات المقدسة. ويؤكد أنه سخّر عدداً كبيراً من عشيرته، التي ينتمي أفرادها إلى طوائف مختلطة، لتقديم الدعم اللوجستي إلى الزوار. ويتحدث عن بعض أعمال التفجيرات، التي يقوم بها أفراد خارجون على القانون، ولا يمكن نسبهم إلى طائفة معينة.

ووقعت عام 2011 أعمال تفجيرات، رغم ما تقوله السلطات عن إعدادها لخطط أمنية محكمة. فقد انفجرت قنابل على جانب الطرق في بغداد بين زائرين متجهين إلى أداء طقوس دينية، كما أودى هجوم انتحاري، استهدف زوار شيعة، بحياة 44 شخصًا وإصابة 81 آخرين في غرب مدينة الناصرية (375 كم جنوب العاصمة بغداد).

ويعتبر الجبوري، الذي ينتمي إلى الطائفة السنية، ما يقوم به واجبًا دينيًا وإنسانيًا. ويتابع: quot;كل العراقيين ينظرون إلى استشهاد الإمام الحسين في واقعة الطفّ عبرة إنسانية، لا تقتصر على دين أو طائفة معينةquot;.

وعبر عقود من الزمن، كان العراقيون يعيشون في وئام وسلام من مختلف الطوائف والأديان والقوميات، لكن الأحداث بعد عام 2003 خلقت ظروفًا سياسية واجتماعية، ولدت فتنة بين الطوائف العراقية، لاسيما من المناطق المختلطة.

ويقول رجل الدين قادر العراقي من اللطيفية، وهو من الطائفة السنية، إن quot;الإرهابيين من مختلف الطوائف استغلوا المناسبات الدينية لزرع الفتنة، وشنّ حرب أهلية. فطيلة عقود، لم تقتصر ذكرى إحياء عاشوراء على الطائفة الشيعية فقط، فقد اعتاد أهل السنة إحياء مراسمها عبر المشاركة فيها أو عبر تسهيل طرق السير للزائرينquot;.

ويعتقد الباحث في شؤون الأديان أن هناك من يسعى إلى خلط الأوراق وبثّ روح الفتنة بين أبناء الشعب العراقي. وتنصب على طول الطرق في العراق في مختلف المناطق سرادق ومواكب العزاء.

في منطقة الأعظمية في بغداد ذات الغالبية السنية، توزّع الأطعمة والماء والعصائر والملابس عند جامع الإمام أبو حنيفة النعمان على مواكب الزائرين كل عام.

وتقول الحاجة أمينة رحيم من الأعظمية في بغداد إنها تطبخ كل عام الطعام للزائرين. وفي أعوام الاقتتال الطائفي، لم تجد أمينة فرصة لتقديم الخدمات بسبب اضطراب الأوضاع الأمنية. لكنها عاودت فعالياتها في تقديم الخدمات منذ العام الماضي.

أما حسين السعدي من الأعظمية، وهو شاب جامعي، فيلفت إلى أنبعض زملائه في الجامعة من الطائفة السنية يشاركون في المسير إلى كربلاء، وقد تكرر الأمر منذ العام الماضي.

ويهيب الحاج كامل حسن من الصالحية في بغداد بالعراقيين من مختلف الطوائف إلى الوعي والحذر من الفتنة عبر التفجيرات بين مواكب الزائرين. ويعتبر أن quot;الذين يقومون بتلك الأعمال، إرهابيون يقبضون ثمن أفعالهمquot;.

ولا يستبعد حسن الأجندة السياسية، التي تقف وراء التفجيرات، وليس بالضرورة دوافع طائفية.

من جهته، يقول ليث محمد، وهو من الطائفة السنية، إن quot;هذه الأيام مباركة، ولا تنحصر على طائفة معينة، فكلنا مسلمون. فمن منّا لا يحب الحسين وعلي أو عمر؟، فكلهم من أهل وأصحاب الرسول الكريمquot;.

وفي مدينة المحمودية (15 كلم جنوب بغداد) لا يستطيع المرء التمييز بين سرادق شيعية أو سنية، فالكل تهيأ لتقديم الخدمات للمواكب الدينية المتجهة إلى المدينة المقدسة. ويعتبر رحيم قيس أن عاشوراء ذكرى سنية وشيعية، لأنها شاهد على التضحية والشجاعة.

وبلغت الوحدة بين الطوائف في العراق أوجها في العام 2006 حين شرع مواطن من أهالي الأعظمية، التي تقابل مدينة الكاظمية في بغداد، وهو عثمان العبيدي، في إنقاذ العشرات من الذين غرقوا في نهر دجلة، بعد تدافع زوار الإمام الكاظم على الجسر، بعدما بثت شائعات حول تفجيرات بين الزائرين.

وفي كل عام، يحضّر سعيد السبتي من اليوسفية (25 كلم جنوب بغداد) بيته لإيواء الزائرين إلى مدينة كربلاء. ويشرح: quot;البعض منهم يأتي قاصدًا بيتي، بعدما توطدت العلاقة بيننا، وأصحبنا مثل العائلة الواحدةquot;.

شمل الأمر المسيحيين، وكذلك الصابئة، الذين يقيمون مواكب العزاء، ويسيرون إلى كربلاء أيضًا، حيث لا يعدّون المناسبة الدينية تخصّ طائفة معينة فحسب.

الجدير بالذكر أن الطائفة المسيحية في العراق، تأجّل كل عام احتفالاتها برأس العام الميلادي احترامًا لذكرى عاشوراء.

في المقابل، يقول سعد الهيتي، وهو يسير إلى كربلاء مع عشرة من رفاقه من الرمادي (110 كم غرب بغداد) وبغداد، إنهم اعتادوا زيارة كربلاء في أربعينية الحسين من كل عام.

وفي مدينة سامراء (125 كيلومتر شمال العاصمة بغداد) لا يمكن التمييز بين الفعاليات الشيعية والدينية في عاشوراء، حيث توحّد هذه المناسبة كل الفعاليات بلون واحد.

ويقول خادم المرقد الحسيني عبد الحسين كاظم إن مدينة كربلاء تستقبل في المناسبات الدينية المئات من أهالي السنة، الذين يزورون المرقد المقدس.

عراقيون من مختلف الطوائف يقيمون صلاةً موحدة في السليمانية

ويقول سعد الدليمي إن نحو ثلاثين فردًا من قبيلته ذات الغالبية السنية تزور مرقد الإمام الحسين في العاشر من محرم، وفي الأربعينية. ويرى الدليمي أن المناسبات الدينية في العراق تساهم في إذابة الخلافات العرقية والطائفية، التي يحاول البعض تأجيجها.

السليمانية تشهد صلاة جمعة موحدة فريدة

في هذا الاطار، شهدت محافظة السليمانية حدثًا فريدًا من نوعه، حيث اصطف المواطنونلتأدية صلاة الجمعة، سنة وشيعة، وكذلك مسيحيين، في مسجد وحسينية الإمام الحكيم في السليمانية، ليؤكدوا على وحدة الشعب العراقي وتراص صفوفه في مجابهة من يستبيحون الدم العراقي واستنكارًا للتفجيرات الأخيرة التي طالت وما زالت زائري أربعينية الإمام الحسين.

وطالب المصلُّون السياسيين بضرورة إبعاد المواطن عن صراعاتهم على المناصب، وألا يتحدثوا باسم الدين والمذهب، لأنهم لا يمثلون إلا أحزابهم.

وتميزت الصلاة بحدث فريد من نوعه، جمع بين مواطنين من طوائف مختلفة، اصطف فيه مواطنون من الطائفة السنية مع مواطنين من الطائفة الشيعية وآخرين من الديانة المسيحية كتفًا يساند كتف، وتكبيرات موحدة، لإثبات الوحدة العراقية، وتذكير المواطن في محافظات العراقكلها بالتآزر، الذي كان يسود قديمًا بين أطياف الشعب، والذي تفتت بتدخلات خارجية، زرعت الإرهاب بين الصفوف.

جاءت هذه الصلاة برعاية المركز العراقي للتعايش السلمي، الذي أكد رئيسه ماجد محمد أن هذا الحدث جاء لإزالة الحواجز الطائفية، ولإثبات أن الشعب العراقي بعيد كل البعد عن الأزمة السياسية، والتصعيدات التي تؤجّج ما بين الكتل.

وقال مواطنون مسيحيون، شاركوا في الصلاة، تحدثوا مع quot;إيلافquot; إن مشاركتهم جاءت نتيجة لإحساسهم بضرورة توصيل رسالة سلمية تحملها حمامة بيضاء إلى العالمكافة بشكل عام، وإلى الدول المجاورة بشكل خاص، لإيقاف تدخلاتها في الشأن العراقي، وكفّ يد الإرهاب عن الساحة العراقية، وإيقاف نهر الدم، الذي ما زال العراقيون ضحاياه، حسب تعبيرهم.

وقال المواطن رائد غازي، الذي ينتمي إلى الطائفة السنية، إن حضوره الصلاة quot;دعم لذوي ضحايا التفجيرات الإرهابية، التي طالت زائري أربعينية الإمام الحسين، ولإيصال رسالة مفادها بأن لا فرق في العراق بين سنة وشيعةquot;.

تجدر الإشارة إلى أن العاصمة بغداد ومحافظة الناصرية ومدن أخرى كانت قد تعرّضت إلى تفجيرات إرهابية عديدة خلال اليومين الماضيين، سقط ضحيتها أكثر من 220 قتيلاً وجريحاً في العاصمة بغداد وحدها، إضافة إلى عشرات في محافظات البلاد الأخرى.