رئيس حزب النهضة راشد الغنوشي

يصر راشد الغنوشي مؤسس ورئيس حزب النهضة الإسلامي على أن بلاده لا يمكن ان تُحكم إلا بالديمقراطية، مشدداً على أن حزبه لا يسعى إلى فرض حكم الشريعة الإسلامية على الشعب التونسي، لكن رئيس حزب النهضة الذي حلّ ضيفًا على معهد واشنطن أخيرًا لم يتردد في تكرار مواقفه المتشددة مما يسمى بالصراع العربي الاسرائيلي، رافضًا حلّ الدولتين.


واشنطن: يَعتبر مؤسس ورئيس حزب النهضة الإسلامي في تونس راشد الغنوشي، أنّ مواقفه قد تطورت حيال أميركا فيما يصف موقف الولايات المتحدة من الثورات العربية عمومًا والتونسيّة خصوصًا بالـquot;إيجابيquot;.
وقد حلّ الغنوشي ضيفًا على معهد واشنطن في آخر تشرين الثاني (نوفمبر) 2011، حيث ألقى محاضرة سياسيّة تضمنت نقاشات في الشأنين المحلي والعربي، كرّر فيها التشديد على أنه لن يشغل أي منصب سياسي رسمي. فيما يشغل أمين عام حزب النهضة حمدي الجبالي منصب رئيس وزراء تونس حاليا.
الغنوشي الذي أكد أنّه لا يتطلع إلى فرض الشريعة الإسلامية على الشعب التونسي يحرص على ديمقراطية تونس ويشدد على ضرورة quot;التنسيقquot;مع حلف شمال الاطلسي.

عن مواقفه السابقة من الصراع العربي الاسرائيلي، أكد الغنوشي شرعية حماس ورفض الالتزام بالتوصل الى حل الدولتين أو التخلي عن استخدام العنف ضد اسرائيل.
أمّا عن الثورات العربيّة، فرأى الغنوشي أنّ شعوب المنطقة لن تستكين إلا بعد أن تتخلّص من الأنظمة البائدة التي تحكمها.
في ما يلي، مقتطفات مما جاء على لسان الغنوشي أثناء جلسة الافتتاح وما تلاها من حلقات النقاش.

اعتبر الغنوشي أن موقف الولايات المتحدة تجاه الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي كان أكثر تقدمًا بقليل من موقف حلفائها الأوروبيين، فعلى الرغم من أنّ quot;وزارة الخارجية أصدرت تقارير عدة بشأن انتهاكات حقوق الإنسان والتعذيب في تونس، إلا أنّ سياسة الولايات المتحدة لم تتجاوز الإدانة اللفظية لتصل إلى الضغوط السياسية والاقتصاديةquot;.
واشار الغنوشي إلى أن هناك العديد من الثورات الناجحة في العالم العربي، فضلاً عن تلك التي تجري حالياً وفي طريقها إلى النصر، مضيفاً: quot;ربما حان الوقت لوضع نهاية للجمهوريات العربية القديمةquot;.

أحزاب إسلامية تحرم الانتخابات
وفي الشأن التونسي الداخلي، أشار رئيس حزب النهضة إلى أن هناك مجموعات اسلامية صغيرة في تونس، مثل حزب التحرير، تحظر حقوق المرأة وحتى الانتخابات. quot;ومع ذلك، فإنهم لا يمثلون القاعدة الانتخابية لحزب النهضة. في الواقع، لم يشارك هذا الحزب في العملية الانتخابية على الإطلاقquot;.
أما عن موقف الولايات المتحدة تجاه ثورات الربيع العربي، فاعتبر الغنوشي أن الموقف الأميركي تجاه الثورات العربية كان ايجابياً، مشيراً إلى أن ذلك quot;أحد العوامل التي يمكن أن تجعل العلاقة بين الإسلام والغرب أفضل وأوثق بعد أن شوه الإرهابيون صورة الإسلامquot; .وأضاف: quot;في ما يتعلق بالحرب على الارهاب، مُنعتُ من دخول الولايات المتحدة لسنوات عديدة، على الرغم من ان حزب النهضة وأنا شخصياً لم نكن مدرجين على اللوائح الارهابية.لكن بسبب هذه الثورات، أنا جالس بينكم الآن وأتحدث معكم واتمتع بانفتاحكم على الحوار، ولذلك أنا ممتن لشهداء الثورات وللمواقف الايجابية تجاه هذه الثوراتquot;.

لم أكن يوما من مؤيدي العنف
وتخلل المحاضرة مجموعة من الأسئلة التي طرحت على الغنوشي، ومن بينها سؤال حول الأسباب التي أدت إلى منع الغنوشي من الدخول إلى الولايات المتحدة، ومنها بعض المواقف التي اتخذها على مدى السنوات العشرين الماضية، بما في ذلك الإشارة الى الولايات المتحدة باعتبارها quot;الشيطان الأكبرquot;، ودعم صدام حسين في حربه على الكويت، ودعم العنف ضد اسرائيل.
فرد الغنوشي أنه quot;منذ اعلان النهضة كحركة سياسية في العام 1981، لم أكن يوماً من مؤيدي العنف. نحن ندعو إلى التعددية، وكانت لدينا علاقات مع كافة الفصائل والفرقاء. بالنسبة إلى الصراع الاسرائيلي- الفلسطيني، فهذه مسألة معقدة لم يتم حلها - لا تحت حكم ياسر عرفات، ولا تحت حكم محمود عباس، ولا حتى في ظل حكم حركة حماس - على الرغم من أن غالبية الفلسطينيين تقبلوا فكرة حل الدولتين. اليوم، تتعلق المسألة بالفلسطينيين والإسرائيليين أكثر من أي جهة أخرى. أنا معني بتونس، ولدي نموذج وتجربة أريد لها النجاح. وفيما يشعر الآخرون بالقلق وفق ما تقتضيه مصالحهم الخاصة، فأنا مصلحتي الوحيدة هي تونس.
وأضاف:quot; لا أنكر أن موقفي قد تطور وهذا أمر طبيعي، وأنا فخور بذلك.لدي وثائق تثبت أنني رفضت تسمية الولايات المتحدة باعتبارها الشيطان الأكبر. كنت أرى أن الولايات المتحدة دولة مثل الدول الأخرى: تتخذ قراراتها الخاصة، بعضها جيد والبعض الآخر سيئ. رفضت مراراً خطاب آية الله الخميني تجاه الولايات المتحدة عندما حاول تشويه صورتها باعتبارها quot;شيطانquot;. إن خطاب الخميني لا يمثلني ولا يعبّر عنيquot;.
وتابع:quot; في تاريخنا التونسي، نلاحظ أن تونس كانت من أولى الدول التي تعترف باستقلال الولايات المتحدة. كما أن الولايات المتحدة كان لها دور في حصول تونس على استقلالهاquot;.

الجبالي رئيسا للوزراء في تونس وليس للخلافة العثمانية
وفق رده على سؤال بشأن تصريحات رئيس الوزراء حمادي الجبالي حول الخلافة الإسلامية السادسة قال الغنوشي:quot;
الجبالي لم يكن يتحدث عن النظام السياسي الذي يريد أن تعتمده تونس، لأن موقفنا واضح في برنامجنا الانتخابي بشأن النظام السياسي لتونس. وهو يعرف بالتأكيد انه يريد ان يكون رئيساً للوزراء في تونس وليس رئيس وزراء الخلافة العثمانية. حتى اردوغان ليس خليفة. ما كان الجبالي يتحدث عنه، هو الأخلاق السياسية- بعبارة أخرى: الخصائص الأخلاقية والمعنوية لأي حاكم - وقد أشار إلى الخلافة الخامسة quot;كنموذجquot; حَكم العالم الإسلامي خلال عصره الذهبيquot;.

لجان تنسيق مع حلف الأطلسي

وأقرّ الجبالي في رده على أحد الأسئلة بوجود لجان تنسيق مع حلف شمال الاطلسي على مستويات عديدة، وقال:quot; وليس هناك نية لايقافها، وأبعد من ذلك، تونس وقعت على اتفاقات للتجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي، الذي يؤلف جزءاً كبيراً من حلف شمال الاطلسيquot;.

الغنوشي مع إسماعيل هنية خلال زيارة الأخير إلى تونس
وبشأن خطة الإصلاحات الداخلية قال الغنوشي:quot; سوف نركز في المقام الأول على تطوير المناطق الداخلية من أجل ردم الهوة بين الأغنياء في المناطق الساحلية والفقراء في المناطق الداخلية. ليس لدينا أي نية لفرض الإسلام على الشعب التونسي، لا في الطعام ولا الشراب ولا الدينquot;
وحول العلاقة مع إسرائيل قال الغنوشي إنه quot;لا يوجد ذكر لاحتمال قطع العلاقات مع اسرائيل في برنامج تونس الجديدquot; وأضاف:quot; هذا الأمر حدث (في ظل اللجنة الانتقالية بقيادة بن عاشور بعد الثورة التونسية) حيث تم التوقيع على وثيقة سياسية من قبل الأحزاب السياسية المعارضة، بما في ذلك النهضة. لكن ينبغي أن يعتمد الدستور على سياسات طويلة الأجل التي تؤثر في تونس، والصراع العربي - الإسرائيلي ليس واحداً منهاquot;.

وتابع:quot; اليوم لا يوجد أي طرف - لا النهضة ولا أي جهة أخرى - تقترح وضع مثل هذا الحكم في الدستور الجديد، فهذا الدستور لم يُكتب بعد، والدولة الوحيدة التي سيتم ذكرها في نصوصه هي تونس.
وأكد الغنوشي أن تونس لا تحاول أن تلعب أي دور في تقرير قضايا تتعلق بفكرة حل الدولتين بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

وأقر الغنوشي باعتبار حكومة حماس في غزة نموذجاً للديمقراطية. وقال:quot;أنا لا أتذكر اني أعطيت مثل هذه التعليقات عن حماس. لكن ما لا يمكن إنكاره هو أن حماس منتخبة ديمقراطياً، وبذلك تكون حكومة شرعيةquot;.

وطرح على الغنوشي سؤالا:quot; الحكم ينطوي على اتخاذ الخيارات، فما هي وجهة نظرك في حال وجود تناقض بين الإسلام وحقوق الإنسان أو الديمقراطية؟ على سبيل المثال، تونس من الدول الموقعة على إعلان الأمم المتحدة العالمي لحقوق الإنسان، والذي يتضمن حق الإنسان في تغيير دينه. لكن الإسلام يتعارض مع هذا المبدأ، فكيف يمكن التوفيق بين هذه التناقضات؟quot; فكان رده :quot;رأيي الخاص، والذي كتبت عنه مرات عديدة على مدى سنوات، هو أن كل شخص ينبغي أن يكون حراً في الدخول في الدين، البقاء في دين، أو ترك الدين. وتدريجياً، انتقل بعض المشايخ الرواد إلى حد ما نحو هذا الرأي، مثل أحد الشيوخ في مصر، والشيخ القرضاوي في قطر. أنا نائب القرضاوي في الرابطة الدولية للعلماء المسلمين، وقد ناقشت هذه المسألة معهquot;.

تعليق معهد واشنطن
وفي ورقة بحثية نشرها لاحقًا، أورد معهد واشنطن مجموعة منالملاحظات على جملة ما أفضى به الغنوشي والإجابات التي قدّمها.
وجاء في هذه الملاحظات أن الغنوشي عمدإلى تلميع وتلطيف ما ورد عن لسانه خلال السنوات الماضية حيث عمد في العديد من المقابلات والتصريحات الموثقة إلى تشويه صورة أميركا والإشارة لها من زاوية متطرفة للغاية مثل quot;الشيطان الأكبرquot;.

وتشير الورقة إلى أن الغنوشي حاول أن يتهرب أيضاً من مسألة التأييد المتكرر للعنف ضد إسرائيل، بما في ذلك مقابلة أجريت معه في شباط (فبراير) 2009، حين أيّد إطلاق حركة حماس الفلسطينية لصواريخ القسام بهدف quot;ترهيبquot; المدنيين الإسرائيليين، وهي مقابلة حصدت كمًا كبيرًا من الانتقادات الرسمية من جانب الهيئة العامة لوسائل الإعلام في بريطانيا.
إضافة إلى ذلك، لم يصدر عن الغنوشي أي تعليق حول دعمه للغزو العراقي للكويت، والذي أثنى عليه سابقاً بالقول إنه quot;عملية دمج دولتين عربيتين من أصل 22 دولة. الحمد للهquot;. وفي الوقت نفسه، يقول إن مواقفه قد تطورت الآن، لكن لم يفسر كيف وبناء على ماذا.

وتتابع الورقة quot;في الواقع، نصّ برنامج حزب النهضة على الالتزام بـ quot;النضال من أجل تحرير فلسطين باعتبارها مهمة مركزية وواجبا تفرضه الحاجة إلى تحدي الهجوم الاستعماري الصهيوني. ويشير البرنامج إلى إسرائيل بأنها كيان غريب زرع في قلب الوطن، والذي يشكل عقبة أمام وحدة وطنية، ويعكس صورة الصراع بين حضارتنا وأعدائهاquot;.
وتضيف:quot; الغنوشي لم يستبعد أن يكون ما تم ذكره، إما سياسة أو فكرة مجسدة في القانون. كل ما قاله هو ان هذه المسألة لا يمكن العثور عليها في الدستور الجديد في تونسquot;.

وتقول الورقة البحثية:quot; الغنوشي لم يساوِ حماس بالسلطة الفلسطينية فقط، بل يرفض بشكل واضح قبول حل الدولتين للصراع العربي ndash; الإسرائيلي. هذا ينسجم مع مقابلته التي نشرت في شباط (فبراير) 2011 ، بمناسبة زيارته الأخيرة إلى الشيخ يوسف القرضاوي المؤيد لحماس والذي اشار إليه في وقت لاحق من حلقات النقاش بـ quot;رئيسه في المنظمة الدولية للعلماء المسلمينquot;.
وتضيف:quot; في تلك المقابلة، قال الغنوشي إنه في حين تنبأ مؤسس حركة حماس الشيخ أحمد ياسين بأن يتم القضاء على اسرائيل بحلول عام 2027، فإن رأيه الشخصي هو أنه يمكن القضاء على اسرائيل قبل ذلك التاريخquot;.
وتعلق الورقة البحثية :quot;الغنوشي أثنى على quot;ديمقراطيةquot; حماس في غزة ويظهر ذلك في العديد من المواقع الإخبارية الالكترونية وعلى موقعquot;اليوتيوبquot; أيضاً.

ومما جاء في الورقة :quot; آراء الغنوشي الشخصية المعتدلة نسبياً بشأن هذه المسألة هي في الواقع مسألة قياسية. وكذلك احترامه للقرضاوي، المعادي أميركا والمؤيد لحماس، ورجل الدين المعادي لإسرائيل والذي اشتهر على قناة quot;الجزيرةquot; الإخبارية.
يشار إلى أن الغنوشي قال في وقت لاحق في رده انه لم يوافق على quot;تجريمquot; الارتداد عن الإسلام.